كيف يعمل الجهاز التنفسي وماهي مكوناته
يتتبع هذا المقال رحلة الهواء داخل جسم الإنسان بطريقة سهلة للأطفال، ويشرح كيف يدخل الأكسجين من الأنف إلى الرئتين وكيف ينتقل عبر القصبة الهوائية إلى الحويصلات الهوائية حيث يحدث تبادل الغازات. يوضح دور الحجاب الحاجز والعضلات في عملية الشهيق والزفير، ويشرح مكونات الجهاز التنفسي بدءًا من الأنف والبلعوم والقصبة الهوائية إلى الشعب الهوائية والرئتين، مع نصائح للعناية بصحة التنفس والهواء النظيف.
في حياة كل طفل لحظة سحرية يطرح فيها سؤالاً بسيطاً: كيف أتنفس؟ ما الذي يجعل صدري يرتفع وينخفض، وما هذا الهواء الذي يدخل ويخرج؟ هذا التساؤل البريء يفتح الباب لرحلة استكشاف علمية تأخذ الطفل في جولة داخل جسده ليشاهد العجائب الصغيرة التي تحافظ على حياته. الكاتب يأخذ يد الطفل ويرافقه عبر مسارات الهواء الخفية، مستخدماً لغة قصصية وصوراً محسوسة تجعله يرى ويسمع ويحس بما يحدث في صدره حينما يستنشق ويزفر.
رحلة الهواء داخل الجسم
تبدأ هذه الرحلة عند الأنف والفم، حيث يستقبل الجسم الهواء المحيط. عند الشهيق، يعمل الأنف كحارس بوابة، ينقي الهواء من الغبار والجراثيم ويجعله دافئاً ورطباً. يمر الهواء بعدها عبر ممر يسمى البلعوم، ثم يتجه إلى ممر خاص يدعى القصبة الهوائية، وهو أنبوب مرن يشبه الطريق السريع، محاط بحلقات غضروفية تحافظ على انفتاحه. تتفرع القصبة الهوائية إلى طريقين أصغر، هما الشعبتان الهوائيتان اليمنى واليسرى، التان تدخلان كل رئة على حدة. وكأنك تسلك طريقاً رئيسياً ثم تتفرع إلى شوارع أصغر فأصغر، تتفرع الشعب الهوائية إلى قصيبات دقيقة تصل في النهاية إلى أكياس صغيرة تشبه البالونات تسمى الحويصلات الهوائية. في هذه الحويصلات يحدث اللقاء المذهل بين الهواء والدم؛ الأكسجين يعبر من جدار الحويصلات إلى مجرى الدم ليغذي خلايا الجسم، فيما يخرج ثاني أكسيد الكربون من الدم إلى الحويصلات ليتم التخلص منه أثناء الزفير. هذه العملية تشبه عملية تبادل الرسائل بين صديقين: كل ما لا تحتاجه خلاياك يرسل إلى الخارج، وكل ما تحتاجه يصل إليها بسلام.
وراء هذه الرحلة أيضاً جهاز عضلي يعزف سيمفونية التنفس، أهمه الحجاب الحاجز. هذا العضلة الرفيعة تقع تحت الرئتين وتتحرك إلى الأسفل عند الشهيق فتتوسع الرئتان ويدخل الهواء، ثم ترتفع عند الزفير فتدفع الهواء إلى الخارج. حتى من دون أن تلاحظ، يعمل الحجاب الحاجز وعضلات أخرى بين الأضلاع بتناغم تام، كما لو كانت فرقة موسيقية تؤدي عملاً فنياً مبهراً. في الخلفية، يقوم الدماغ بمراقبة مستويات الأكسجين وثاني أكسيد الكربون في الدم عبر مراكز خاصة، ويوجه إشارة إلى العضلات للتنفس بعمق أو بسرعة حسب الحاجة، كما عند الركض أو النوم.
مكونات الجهاز التنفسي ووظائفها
الجهاز التنفسي يتكون من أجزاء عدة لكل منها دور محدد. الأنف ليس مجرد شكل بارز في الوجه، بل هو خط الدفاع الأول. داخله شعيرات دقيقة ومخاط يلتقطان الغبار والجراثيم، ويعمل على تدفئة وترطيب الهواء. الفم يمكن أن يساعد عند الحاجة، لكنه لا يمتلك نفس قدرات التنقية. بعد الأنف يأتي البلعوم الذي يجمع الهواء من الأنف والفم ويوجهه، وهو يتقاطع أيضاً مع مسار الطعام، ولهذا يوجد لسان المزمار الذي يغلق المسار إلى القصبة الهوائية أثناء البلع ليمنع الطعام من دخولها.
القصبة الهوائية نفسها أنبوب مرن يقود الهواء نحو الرئتين، تتفرع إلى شعبة يمنى وأخرى يسرى تدخل كل منهما إلى رئة. الرئتان هما العضوان الرئيسيان، تحيط كل منهما شبكة من الشعب الهوائية والحويصلات الهوائية حيث يتم تبادل الغازات. الحويصلات، وهي مجموعات من الأكياس الدقيقة، توفر مساحة سطح كبيرة جداً تسمح بمرور الأكسجين إلى الدم وخروج ثاني أكسيد الكربون. يحيط بهذه الحويصلات شبكة دقيقة من الشعيرات الدموية تنقل الدم المحمل بالأكسجين إلى القلب ليضخ إلى جميع خلايا الجسم.
لا يمكن أن نغفل دور الحجاب الحاجز والعضلات الوربية الموجودة بين الأضلاع. هذه العضلات تتعاون لخلق اختلاف في الضغط داخل الصدر، فيسحب الهواء إلى الداخل أو يدفعه إلى الخارج. كما تشارك الأعصاب التي تنقل الإشارات من الدماغ إلى هذه العضلات في تنظيم إيقاع التنفس. وبالإضافة إلى ذلك، توجد أغشية مرنة تغطي الرئتين تسمى غشاء الجنب، تقلل الاحتكاك بين الرئتين والقفص الصدري وتسمح لهما بالانزلاق بسهولة أثناء التنفس.
إن فهم هذه المكونات يساعد الأطفال على إدراك قيمة كل نفس يأخذونه. الرئتان لا تعملان في فراغ؛ إنهما جزء من نظام متكامل يحتاج إلى عناية. الهواء النقي مهم لتجنب دخول الملوثات، والحفاظ على لياقة الجسم يقوي عضلات التنفس ويزيد من قدرة الرئتين. يمكن للأطفال ممارسة تمارين التنفس العميق في الهواء الطلق، وتجنب التدخين السلبي والأماكن الملوثة. بإمكانهم أيضاً ملاحظة كيف يزداد معدل تنفسهم أثناء اللعب أو الجري، ومقارنة ذلك بحالة الراحة، ليروا كيف يتكيف الجسم مع احتياجاته.
في النهاية، يدرك الطفل أن جهازه التنفسي ليس مجرد مجموعة من الأنابيب والأكياس، بل هو قصة حياة تتجدد مع كل شهيق وزفير. هذا الفهم يجعلهم يقدّرون أجسادهم ويشعرون بامتنان لكل لحظة يتنفسون فيها بحرية. كما يفتح الباب أمامهم للاستمرار في طرح الأسئلة، لأن العلم يبدأ دوماً بالسؤال، وينمو بالإصغاء لما يخبرنا به جسمنا والعالم من حولنا.






