هل تصبح الطاقة الشمسية الفضائية بديلاً واقعيا؟ تقنيات ومخاطر توليد الكهرباء من المدار
يستعرض هذا المقال مفهوم الطاقة الشمسية الفضائية وكيف تقوم الأقمار الصناعية العملاقة بجمع الضوء وتحويله إلى طاقة وإرسالها إلى الأرض، ويشرح تجارب كالتك من خلال مهمتها التجريبية وما توصلت إليه من نتائج أولية. كما يناقش التقرير الصادر عن ناسا لعام 2024 السيناريوهات والتصاميم المختلفة للمحطات، والعوائد المحتملة مقابل التحديات التقنية والاقتصادية التي قد تؤخر اعتمادها. المقال يرصد الفوائد البيئية والفرص الاستثمارية إلى جانب المخاوف المتعلقة بالسلامة والتشريعات والتنظيم الدولي.
تدور في الأروقة العلمية خلال الأعوام الأخيرة فكرة تبدو كأنها من قصص الخيال العلمي: إطلاق محطات شمسية إلى الفضاء لجمع الطاقة من الشمس وإرسالها إلى الأرض. هذه الفكرة تعرف باسم "الطاقة الشمسية الفضائية"، وتشير إلى بناء أقمار صناعية ضخمة مزودة بألواح شمسية يمكنها العمل طوال اليوم بعيداً عن تأثير الغيوم وتعاقب الليل والنهار، ثم تحويل هذا الضوء إلى طاقة كهربائية ترسل عبر موجات ميكروية أو أشعة ليزر إلى محطات استقبال على سطح الأرض. الاهتمام المتزايد بالتخلص من انبعاثات الكربون وتوسيع مصادر الطاقة المتجددة جعل من هذا الاتجاه موضوعاً للنقاش بين الباحثين وصناع القرار.
كيف تعمل الطاقة الشمسية الفضائية؟
يعتمد مفهوم الطاقة الشمسية الفضائية على ثلاث خطوات أساسية: جمع ضوء الشمس في الفضاء، وتحويله إلى طاقة كهربائية، ثم نقل هذه الطاقة إلى الأرض. لتحقيق ذلك، تعمل فرق بحثية مثل مشروع الطاقة الشمسية الفضائية في معهد كاليفورنيا للتقنية (Caltech) على تطوير تقنيات يمكن أن تجعل هذه العملية ممكنة. أطلق المعهد في يناير 2023 مهمة تجريبية تسمى "عرض الطاقة الشمسية الفضائية الواحد" على متن مركبة Vigoride، وتتضمن ثلاث تجارب رئيسية. التجربة الأولى، DOLCE، عبارة عن هيكل خفيف قابل للطي يبلغ 1.8 متر × 1.8 متر يختبر آليات نشر صفائف شمسية قابلة للتساع قد تصل في النهاية إلى كيلومترات مربعة. التجربة الثانية، ALBA، تضم مجموعة من 32 نوعاً من الخلايا الكهروضوئية لاختبار قدرتها على تحمل بيئة الفضاء القاسية، بما في ذلك خلايا الغاليوم أرسنيد وخلايا البيروفسكايت الرقيقة. أما التجربة الثالثة، MAPLE، فهي مصفوفة من المرسلات الميكروية الخفيفة التي أثبتت لأول مرة إمكانية نقل الطاقة لاسلكياً في الفضاء وتوجيه حزمة الطاقة إلى مستقبل على الأرض.
ورغم كون هذه التجارب صغيرة الحجم، فإنها تفتح الباب أمام مشاريع أكبر بكثير. تقرير صادر عن وكالة ناسا عام 2024 يدرس احتمال تشغيل محطات طاقة شمسية فضائية بحلول عام 2050. التقرير يقارن بين تصميمين افتراضيين: الأول هو "سرب المرايا" الذي يستخدم عاكسات متحركة لتركيز الضوء ويستطيع العمل 99٪ من السنة، والثاني هو "المصفوفة المسطحة" التي تعتمد على ألواح تواجه الشمس وترسل الطاقة إلى الأرض بموجات ميكروية لكن قدرتها التشغيلية لا تتجاوز 60٪ من السنة بسبب محدودية إعادة التوجيه. كل تصميم يُقَدّر بأنه قادر على إنتاج نحو 2 غيغاوات من الكهرباء، وهو ما يعدل محطة طاقة شمسية أرضية ضخمة. لكن التحدي الحقيقي يكمن في الحجم والوزن: التصميم الأول يتطلب مساحة ألواح قدرها 11.5 كيلومتر مربع وكتلة تبلغ حولى 5.9 مليون كيلوغرام، أما التصميم الثاني فيحتاج إلى 19 كيلومتر مربع وكتلة تقارب 10 ملايين كيلوغرام. هذه الأرقام تفوق حجم محطة الفضاء الدولية بآلاف المرات، ما يعني أن تحقيقها يستلزم تقليل الوزن وتطوير تقنيات إطلاق وتجميع متقدمة.
فوائد وتحديات الطاقة الشمسية الفضائية على المدى البعيد
تتمثل إحدى الفوائد الأساسية لمحطات الطاقة الشمسية الفضائية في قدرتها على توفير طاقة متجددة مستقرة على مدار الساعة، بغض النظر عن الطقس أو الوقت من العام. يمكن لهذه المحطات أن تقلل من الانبعاثات وتعطي البلدان التي تفتقر إلى موارد الطاقة الأرضية وسيلة جديدة لتوليد الكهرباء، كما يمكن استخدامها لتزويد المناطق النائية بالطاقة أو شحن المركبات الكهربائية أثناء الطيران. إضافة إلى ذلك، فإن تطوير مثل هذه الأنظمة قد يعزز صناعة الفضاء من خلال إنشاء طلب على خدمات الإطلاق والتجميع والصيانة في المدار.
مع ذلك، تطرح هذه التقنية مجموعة من التحديات التقنية والاقتصادية والبيئية. أكبر التحديات هو التكلفة الهائلة لبناء وإطلاق وتجميع مكونات بهذا الحجم، خاصة أن استخدام الصواريخ التقليدية لرفع آلاف الأطنان إلى المدار سيكلف مليارات الدولارات ويولد انبعاثات كربونية. هناك أيضاً مخاوف من تراكم الحطام الفضائي وزيادة ازدحام المدار، فضلاً عن الحاجة إلى تطوير أنظمة توجيه دقيقة لحزمة الطاقة اللاسلكية لضمان عدم تسببها في تداخلات مع الاتصالات أو إضرار بالكائنات الحية. علاوة على ذلك، تشير الدراسة نفسها إلى أن الطاقة الشمسية الفضائية لن تكون على الأرجح تنافسية من ناحية التكلفة مقارنة بالحلول الأرضية الحالية قبل منتصف هذا القرن، ما لم تحدث تطورات ثورية في تقنيات الإطلاق والتصنيع.
على المستوى التنظيمي، سيتعين وضع أطر قانونية دولية لتخصيص المدارات وترددات الإرسال وضمان الاستخدام الآمن لهذه التقنية. كما يجب التعامل مع المخاوف المتعلقة بالسيادة الطاقية، لأن السيطرة على مصادر طاقة فضائية قد تؤدي إلى احتكار أو صراعات جيوسياسية. وبينما يرى المؤيدون أنها قد تسهم في تحقيق الحياد الكربوني وتسريع تحول الاقتصاد إلى مصادر نظيفة، يرى المشككون أنها قد تشتت الاستثمار عن مشاريع طاقة متجددة مجربة على الأرض.
يبدو أن الطاقة الشمسية الفضائية في الوقت الراهن ما زالت في مرحلة البحث والتطوير، غير أن الخطوات التجريبية الأخيرة دليل على جدية الجهود المبذولة. لقد أظهرت تجربة MAPLE إمكانية نقل الطاقة لاسلكياً من الفضاء، وأثبتت تجارب ALBA إمكانية تصنيع خلايا شمسية فضائية منخفضة التكلفة. إن تحقيق رؤية محطات شمسية فضائية ضخمة بحلول 2050 سيتطلب تعاوناً دولياً واستثمارات كبيرة في البنية التحتية الفضائية وتطوير تقنيات جديدة لإطلاق وتجميع وصيانة مثل هذه الأنظمة. حتى ذلك الحين، ستبقى هذه الفكرة طموحة، لكنها تقدم نظرة إلى مستقبل قد يصبح فيه الفضاء مصدراً رئيسياً للكهرباء النظيفة.






