العصابات الأكاديمية..... دوائر دعم ام فشل؟

يناقش المقال التنافسية في المجال الأكاديمي وصناعة النجاح، موازناً بين أهمية الدعم الفطري وقيمة الاستقلالية والنهوض بعد السقوط. يكشف المقال عن ظاهرة "العصابات الأكاديمية" والتباهي بالامتيازات العائلية، ويحدد صفات المعلم الحقيقي والداعم الصادق الذي يقدّر الشخص لذاته لا لشهادته.

العصابات الأكاديمية.....  دوائر دعم ام فشل؟
النجاح الأكاديمي: بين ركائز الاستقلالية وفخ "العصابات العائلية"


عندما ينشأ الشخص في بيئة يُقدَّر فيها العمل، سواء كان تحصيلاً لدرجات علمية، أو ممارسة للتجارة، يُكوِّن الشخص –أحياناً وليس دائماً– محبة وشغفاً لهذا التخصص/الحرفة/المهارة؛ لأنه نشأ وهو يرى قدوة في حياته أثرت على شخصيته واهتماماته. ونظراً لتوفر الخبير في حياته الخاصة، يمكن له سؤاله دائماً وأخذ خبرة السنوات بشكل عفوي وغير مُخطط له. بالرغم من توفر الشخص الداعم، إلا أن العاقل من الداعمين يعلم أنه لن يستمر في المجال إلا من كان يملك المهارة، والذكاء، والحكمة، والهدوء، وعدم الانفعال، والفطنة، لكي يستمر وينهض بعد كل سقوط. فحتى وإن وجد الدعم – الذي لم يعمل لأجله بل حصل عليه بالورث أو العلاقات العامة – لكي يصعد ويتجاوز الآخرين بسبب الامتيازات التي حظي بها، إلا أنه إن لم يكن يمتلك المهارة فسيسقط، وسيعلم جميع من يتعامل معه أنه حصل على ما حصل عليه بالوراثة وليس بالمهارة. وبالتالي لا بد أن يأتي ذلك القدوة/الداعم لكي ينتشله من سقوطه ويجعله يصعد مرة أخرى متباهياً به وبإنجازه على الجميع. لذلك، تجد العاقل من الداعمين يُعَلِّم من أراد أن يدخل في المجال الاستقلالية، أي بتركه يخوض في تجارب الحياة القاسية وحيداً في ذلك المجال لكي يثبت نفسه بنفسه، ويتعلم من سقوطه ويتعلم طريقة الصعود بعد السقوط (فذلك كيف تُصنَعُ أساساً ثابتاً)، أي أن يتجرع الصعوبات وأن يتعلم أن يقف بعد كل محاولة فاشلة بدون مساعدة الآخرين. فجميع البشر يسقطون ويفشلون، لا يوجد من لا يسقط، ولا يوجد من يحصل على منصب للأبد (لو كان دائماً في الحياة، لبقي من دعمك في مكانه؛ وذلك لأن دوام الحال من المحال). ولكن أن تستطيع أن تصعد بعد أن تسقط، ذلك ما يحدد قوتك وبقاءك في أي مجال أو حرفة. فمن يبدأ من الصفر – حتى وإن توفر له الدعم – عندما يسقط يعرف كيف ينهض لأن أساسه ثابت، عكس الشخص المدلل الذي وجد من يُطبطِبُ عليه ويحل مشاكله دائماً.

يتميز المجال الأكاديمي حول العالم بالتنافسية العالية، وذلك ما يجب عليه أن يكون لكي تتطور البشرية. لا بد أن تحمل أفكاراً مبتكرة لأبحاثك لكي تحصل على الدعم لها، ولكي تحصل على ذلك الدعم لا بد أن تنشر في مجلات مرموقة ويتم دعمك من مؤسسات مرموقة لكي تحصل على معدل H مرتفع، وأن تتعاون مع جميع البشر فذلك يوضح شخصية منفتحة على العالم، غير مُصْدِرة حكماً على الآخر، لَيِّنَة، سَهْلة، صبورة، ومُتَّزِنَة في التعامل مع الآخرين. أي لا بد أن تثبت نفسك في كل يوم، وفي أغلب الأحيان سيتم رفضك كثيراً، وأقتبس هذا النص من صديق لي ناجح للغاية في العالم الغربي:

"أن تكون أكاديمياً يعني أن تُرفَض دائماً (نحن نُرفَض في نشر الأوراق البحثية، في الحصول على الدعم المالي، في الفوز بالجوائز)، ولكن أن تستمر بعد الرفض والوقوع هو ما يحدد نجاحك في المجال".

صديقي من عائلة جيدة في العالم الغربي، ولكنها ليست في المجال الأكاديمي أو الطبي. زوجته أيضاً ليست طبيبة ولا تعمل في المجال الطبي/الأكاديمي، وأوضح ذلك لأنه تجد دائماً في العالم الغربي أو العربي – حب المباهاة بين الأكاديميين والأطباء والممارسين الصحيين بعائلاتهم ومناصب عائلاتهم – (انظروا لي جميع أفراد أسرتي/حياتي الخاصة يحملون شهادات عالية)، في الغالب يكون ذلك من عقدة نقص والرغبة في الحصول على اهتمام الجماهير وعمل هالة الإنجاز حول الشخص. فالعاقل يعلم محبة أفراد أسرته/حياته الخاصة لذاتهم، وتجد غالباً الناجحين في العالم الأكاديمي لا يتباهون وموضوعيين في التعامل مع الفكرة والأبحاث.

الجلوس مع صديقي يجعلك تطرح أسئلة بحثية – غير تقليدية – لا يحكم عليك من سؤالك حتى وإن كان تافهاً، ويوجهك لكي تصبح باحثاً محترفاً بأسئلته الصعبة التي لا تعرف إجابتها، ولكن يقصد بها أن يغير طريقة تفكيرك كعالم مستقل (بدون أن تحتاج مساعدة من البشر بل معتمداً كلياً على نفسك بمهارتك، بمجهودك وتعبك)، ولا يحكم عليك عندما لا تعرف الإجابة لأنك مبتدئ وتتعلم. فهذه هي طريقة تعليمه في صناعة الجيل القادم من الباحثين والعلماء، فهو معلم جيد وممارس صحي محترف، وصل إلى ما وصل إليه بلا مساعدة أحد (زوج/زوجة، عائلة.. إلخ).

ولكن ليس الجميع مثله، وليس انتقادي هنا في العالم العربي فحسب، بل الغربي أيضاً. فتجد العديد ممن تعتقد أنهم سيفوزون بجائزة نوبل من كثرة إنجازاتهم البحثية ونشرهم المرموق، ولكنه لا يملك مهارة المعلم الجيد وتجده متكبراً ومتحاذقاً وفوضوياً في تعليم الآخرين (وهذا يثبت ضعفاً في مهاراته، فمن واجباتك كعالم وأكاديمي أن تصنع الجيل القادم من العلماء والممارسين الصحيين، ولن يحترمك أحد إن كنت متحاذقاً ومتكبراً متغطياً بدعم عائلي من زوج/عائلة فذلك يوضح أن لديك امتيازات وليست مهارات)، وإن سألك سؤالاً ولم تعرف الإجابة يجعل من الموضوع أمراً شخصياً لك بشخصك: لماذا لا تعرف الإجابة؟ (من صفات المعلم/الأكاديمي الجيد الصبر على المتعلم وعدم الانفعال والتكبر بالمعرفة)، وتجده في أساسه وبدايته في مهنته تم دعمه من زوج/ة أو عائلة أكاديمية/طبية. فتجد هذه العصابات في العالم الغربي بالذات، يقفون مع بعضهم البعض في الاستشهاد لكي يزداد معدل H الخاص بهم، وبالتالي يزداد الدعم المالي لأبحاثهم. فلا يخبرك أن تقوم باستشهاد بورقة معينة لأنها جيدة أو تخدم سؤالك، بل لأنها ورقة شخص يعرفه، ويرغبون أن تُصدِر أفضل صورة لهم بـ ("الكوبلز الأكاديمي" - كما في مشاهير التواصل الاجتماعي - للأسف)، وينشرون الأبحاث مع بعضهم البعض. وبالرغم من عدم توفر قواعد تنفيذية حول العالم على العمل مع الأزواج أو من تجمعهم علاقة عاطفية أو أسرية من الدرجة الأولى، إلا أن من يعمل معهم يجدهم مزعجين للغاية ويتساءل دائماً هل تم الحصول على تلك الدرجات العلمية بسبب الاستحقاق العلمي أو بسبب طموحك الدائم بأن تصبح مثل زوجك أو شخص في عائلتك؟ هل تم النشر في تلك المجلة المرموقة بسبب جودة المنتج، أو بسبب أن رئيس التحرير تجمعه علاقة أسرية من الدرجة الأولى/خاصة مع المؤلف، وعندما يتم تغيير رئيس التحرير لا تجد ذلك الباحث ينشر في تلك المجلة المرموقة مرة أخرى؟

وليس العالم العربي ببعيد عن ذلك، ولكن بصورة مختلفة تجدها كشبكة عائلية كبيرة، فتجدهم في مناصب مرتفعة وقيادية، ولا يرغبون أن يأخذ المنصب أحد خارج عن شبكة أسرتهم، وفي حال ارتكاب خطأ من قبل فرد من أفراد المجموعة تجدهم يساعدونه ويغطون عليه لكي يستمر في المكان.

ويتم النظر إلى تلك المواقف من الخارج: يا إلهي ذلك "الكوبلز الأكاديمي" بطاقة الحب الذين يدعمون بعضهم دائماً، ولا تعلم عن ما يدور وراء أسوار ذلك المنزل الكئيب، فقد تكون علاقتهم سامة، وأن وجود الشخص في حياة ذلك الشخص قد لا يكون لأنه يحبه لشخصه بل لمصالحه المشتركة، وكذلك شبكة العائلات. والتعامل معهم بالرسمية والاحترافية التامة وانتهاء التواصل خارج ساعات العمل، فلا ترغب أن تقع في لغم عائلي لا تعرفه.

قد تكون دائرة دعمك أصدقاء وأفراد عائلة يحبونك لشخصك، وعندما تقع في معضلة يخبرونك عن صفاتك الإيجابية وما تجاوزته في السابق، وبالتالي ستستطيع تجاوز هذه المعضلة بنجاح كما تجاوزت الأسوأ في الماضي. قد لا يكونون يحملون شهادات عالية وليسوا أطباء وقد يكونون أُمِّيِّينَ لم يكملوا تعليمهم، ولكن يعرفونك ويحبونك لشخصك، يعلمون عندما تواجه مشكلة بالعمل ولا يصدقك الجميع ويكذبونك، تذهب إلى دائرة دعمك المحبة لك كشخصك وتعرفك حقاً – والتي قد تكون أمية وغير متعلمة – يعلمون أنك شخص جيد ويصدقونك وإن كذبك جميع من في الكرة الأرضية. تلك هي دائرة الدعم حقاً التي تساعدك لكي ترتقي بالحفاظ على صحتك النفسية، لا تغطي عليك في أخطائك لكي تستمر في المكان، بل هي تحبك لأجلك ليس بما تملكه من مراتب، وقد يكون رزقك المتواضع بدائرة دعمك متواضعة التعليم التي تحبك لشخصك يفقدها العديد.