ترطيب الهواء الداخلي: هل يقلل من جفاف العين والأنف؟ قراءة في الأدلة العلمية

تبحث هذه المقالة في تأثير أجهزة ترطيب الهواء المستخدمة في البيئات الداخلية مثل المكاتب والمدارس على الحد من جفاف العينين والأنف. تشير الدراسات إلى أن ترطيب الهواء قد لا يكون له تأثير ملموس على تخفيف الأعراض، فمعظم التجارب العلمية وجدت اختلافًا بسيطًا أو معدومًا في الشعور بالراحة، كما أن جودة الأدلة منخفضة إلى منخفضة جدًا. لكن بعض الدراسات لاحظت انخفاضًا بسيطًا في معدلات التغيب عن العمل، ما يعني أن تحسين بيئة العمل قد يساعد على تقليل المشكلات الناتجة عن الجفاف. ولذلك ينبغي التعامل مع هذه الأجهزة كمكمل لطرق أخرى مثل شرب الماء بشكل كافٍ وتجنب الجلوس لفترات طويلة في أماكن مغلقة للحفاظ على صحة العينين والجلد والجهاز التنفسي.

ترطيب الهواء الداخلي: هل يقلل من جفاف العين والأنف؟ قراءة في الأدلة العلمية
في البيئات المغلقة، قد يظن البعض أن أجهزة ترطيب الهواء حل سحري لجفاف العين والأنف، لكن الأدلة العلمية تبيّن أن تأثيرها محدود وغير مؤكد. استخدم هذه الأجهزة بحكمة مع الحفاظ على تهوية جيدة وشرب الماء بانتظام، ولا تنسَ أن توازن الرطوبة يساهم في راحتك اليومية. ترطيب الهواء الداخلي، جفاف العين، جفاف الأنف، البحث العلمي، مهارات البحث العلمي


في صباح أحد أيام الشتاء الباردة، جلس طفل أمام نافذته يتساءل عن السبب الذي يجعل عينيه تحترقان وأنفه يشعر بالجفاف كلما قضى وقتًا طويلاً في غرفة مغلقة يتناوب فيها الهواء الدافئ والجافّ. هذا السؤال البسيط الذي يطرحه الصغار يكشف عن جانب مهم من حياتنا اليومية يتعلق بما نسميه رطوبة الهواء، وهي النسبة بين كمية بخار الماء الموجودة في الهواء وكمية البخار التي يمكن أن يحملها الهواء عند درجة الحرارة نفسها. فعندما ينخفض محتوى البخار يصبح الهواء جافاً ويمتص الرطوبة من الجلد والأغشية المخاطية في العين والأنف، ما يسبب الشعور بالوخز والتهيج والحاجة المستمرة للفرك والبلع.

كيف يؤثر ترطيب الهواء الداخلي على أجسامنا؟

يعتمد الجسم البشري على طبقات رقيقة من السوائل للحفاظ على صحة العين والجهاز التنفسي، إذ تعمل الدموع والمخاط كحاجز يحمي الأنسجة الرقيقة من الغبار والجراثيم. عندما يكون الهواء المحيط جافاً تبدأ هذه الطبقات بالتبخر بسرعة أكبر من قدرة الجسم على تعويضها، فيحدث الجفاف وتظهر الأعراض. ومن هنا جاءت فكرة أجهزة الترطيب التي تضيف بخار الماء إلى البيئة الداخلية، فتلطف الهواء وتقلل من سرعة تبخر الدموع والمخاط. ولأن الرطوبة تؤثر أيضاً على صحة الجلد والشعر والشعور بالراحة العامة، نجد أن كثيرًا من الناس يضعون مرطبات في غرف النوم والمكاتب رغبة في تحسين جودة الهواء وتهيئة مناخ أكثر اعتدالاً. ومع ذلك فإن لكل تدخل آثاراً جانبية، إذ قد تسبب الرطوبة الزائدة نمو الفطريات والعفن وقد تجعل التنفس ثقيلاً لدى بعض الأشخاص، لذلك ينبغي دائماً مراقبة مستوى الرطوبة والتأكد من تنظيف الأجهزة بانتظام.

ومن الناحية العلمية تتداخل عدة عوامل في مسألة جفاف العين والأنف، فدرجة حرارة الغرفة وحركة الهواء ونوعية التهوية كلها تؤثر على شعورنا بالراحة. ويتساءل الباحثون؟ هل يعالج الترطيب المشكلة أم يضيف عنصراً آخر إلى المعادلة؟ وللإجابة عن هذا التساؤل قام علماء من مجالات الصحة العامة والهندسة والطب بإجراء تجارب في مكاتب ومدارس ومصانع، مستخدمين أجهزة لزيادة الرطوبة إلى مستويات تتراوح بين أربعين وستين في المئة، وهي النسبة التي توصي بها العديد من المنظمات الصحية. فهل أثبتت هذه الإجراءات فعاليتها حقا؟

نتائج الدراسات العلمية حول أجهزة ترطيب الهواء

قامت مراجعة علمية شاملة بتمشيط أكثر من عشر دراسات عشوائية شارك فيها آلاف الأشخاص لمعرفة ما إذا كان تحسين الرطوبة يخفف من جفاف العين أو الأنف أو يحسن الأداء الوظيفي. كشفت النتائج أن تأثير أجهزة الترطيب على الأعراض قد يكون ضئيلاً جداً أو معدوماً، فبعض المشاركين أبلغوا عن شعور أفضل، بينما لم يجد آخرون أي فرق يّذكر بين العمل في هواء رطب أو جاف. كما أشار الباحثون إلى أن جودة الأدلة منخفضة، لأن كثيراً من التجارب كانت صغيرة الحجم أو لم يتم الإبلاغ عن طرقها بشكل كاف، مما يجعل الثقة في النتائج محدودة. ومع ذلك لاحظت بعض الدراسات انخفاضاً بسيطاً في معدلات الغياب عن العمل لدى الموظفين عندما تم استخدام المرطبات في المكاتب، ما يشير إلى أن تحسين بيئة العمل قد يسهم بشكل غير مباشر في تعزيز الراحة وتقليل التوتر. لكن لم تتضح العلاقة بين الترطيب وانخفاض أمراض الجهاز التنفسي أو الالتهابات، ولم تتوفر معلومات كافية حول الآثار الجانبية المحتملة مثل نمو العفن أو تدهور جودة الهواء عند عدم صيانة الأجهزة.

هذه النتائج تدعونا إلى ممارسة التفكير النقدي عند تقييم الحلول التقنية المتاحة، فليس كل جهاز يباع للسوق يحمل الحل السحري للمشكلات الصحية. إن استخدام أجهزة الترطيب قد يوفر راحة مؤقتة في المناخات الجافة، لكنه ليس بديلاً عن العادات الصحية الأخرى مثل شرب الماء بانتظام، وأخذ فترات استراحة في الهواء الطلق، وتنظيف فتحات التهوية للحفاظ على هواء متجدد. وعلى الآباء والمعلمين تشجيع الأطفال على طرح الأسئلة حول كيفية تأثير البيئة على أجسامهم، وتعليمهم متابعة الأدلة العلمية قبل اعتماد الحلول. بهذه الطريقة نغرس فيهم مهارات البحث العلمي التي تساعدهم على اتخاذ قرارات مستنيرة ومبنية على معرفة، ونمنحهم القدرة على التمييز بين الحقائق والإعلانات التجارية، فيعيشون حياة أكثر وعيًا وصحة.