البحث والابتكارفي المملكة واستراتيجية المحيط الأزرق

تزامنا مع قرار إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة العربية السعودية، يتبادر إلى الذهن التحدي الكبير للإنطلاق بسرعة كبيرة لمواكبة التطور العالمي في مجالات البحث والتطوير والإبتكار وينقلنا ذلك للتفكير في الإستراتيجيات التي ستنفذها هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكارلتنطلق بناء لآفاق المستقبل والتطور العلمي والتقني، وماهي معايير قياس التقدم أو الأداء قصيرة وطويلة الأمد التي سيتم اعتمادها.

البحث والابتكارفي المملكة واستراتيجية المحيط الأزرق
البحث والإبتكار محيط أزرق مليء بالمخاطر وبحاجة لإستراتيجية واضحة ومحددة


تزامنا مع قرار إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة العربية السعودية، يتبادر إلى الذهن التحدي الكبير للإنطلاق بسرعة كبيرة لمواكبة التطور العالمي في مجالات البحث والتطوير والإبتكار وينقلنا ذلك للتفكير في الإستراتيجيات التي ستنفذها هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار لتنطلق لبناء آفاق المستقبل والتطور العلمي والتقني، وماهي معايير قياس التقدم أو الأداء قصيرة وطويلة الأمد التي سيتم اعتمادها. فالإستراتيجية وآلية قياسها من أهم عوامل نجاح هذه الرؤية المستقبلية لتحويل المملكة إلى مركز إقليمي للتطوير والإبتكار. 

في عام 2018 انضممت للبرنامج التنفيذي لإدارة للبحث والإبتكار في جامعة انسياد وبالرغم من أن البرنامج ثري في محتواه العلمي والعملي إلا أن الأهم من ذلك كان نوعية الحضور للبرنامج حيث أنه لا يقبل سوى المسؤولين التنفيذيين المتخصصين في البحث والإبتكار وسنحت لي الفرصة بلقاء قيادات من شركات كبيرة كنت أظن أنها لن تتنازل عن كبريائها لإرسال مسؤوليها لبرامج أكاديمية. وكان من ضمن الحضور نائب الرئيس التنفيذي لشركة فولكس واجن للسيارات ونائب الرئيس التنفيذي لشركة جونسون للدواء واللذان تقع ضمن مسؤولياتهما نطاق البحث والإبتكار أو كانت هي مهمتهم الوظيفية الرئيسية. في هذا الزخم من قيادات البحث والإبتكار من حول العالم اتفق الجميع كما أراد منفذي البرنامج على نقاط لا يمكن التنازل عنها في استراتيجيات البحث والإبتكار أو آليات قياسها. أردت في هذا المقال سرد بعض منها بما يخدم توجهات المملكة حاليا في مجال التطوير و البحث والإبتكار من خلال 10 أهم نقاط ، مع خاتمة تلخص التوجه المستقبلي للبحث والإبتكار في السعودية. 

1- الاستراتيجيات والأولويات يحددها السوق وليس المختصين. فالمختصين عموما يميلون لدعم التطوير والإبتكار في المجالات التي يفهمونها وتتلاءم مع قدراتهم ومعرفتهم وفي الغالب بتجاهل لفوائدها الإقتصادية. 

2- لا يوجد مكاسب سريعة في مجال البحث والإبتكار. حيث اتفق الجميع على خطورة البحث عن المكاسب السريعة والمقارنات مع المنافسين وخطورة تأثير تلك المكاسب السريعة على تنفيذ الاستراتيجية بالشكل الصحيح. 

3- البحث والإبتكار ذو العائد الإقتصادي يسير في اتجاه مختلف عن البحث والإبتكار المرتبط بتوسيع المعرفة (البحث الأكاديمي) حيث أن غالبية الأبحاث الأكاديمية تسعى لزيادة المعرفة ونشر الأوراق العلمية بيمنا تسعى الأبحاث التشغيلية لحل مشكلات ذات عوائد إقتصادية. 

4- توجيه وليس تقييد البحث والإبتكار عبر الإستراتيجية طويلة المدى التي تركز على المشكلات ذات العائد الإقتصادي بدلا من وضع أولويات عامة حسب الموضوع أو التخصص.

5- الإبتعاد عن التخصصية الدقيقة وتشجيع التعاون بين التخصصات وإعادة تهيئة الإبتكارات في مجال معين لتساهم في تطوير مجالات أخرى. حيث أن التخصصية تعتبر عائق في مجالات البحث والإبتكار ذات العائد الإقتصادي إلا فيما ندر. البحث والإبتكار ليس محصور في المعامل أو الورش الهندسية ويحتاج تكامل مع الجانب الإجتماعي والإقتصادي والبيئي.

6- تهيئة البيئة الملائمة والمسار الوظيفي للبحث والإبتكار حيث أنه بخلاف ما نعتقد البحث والإبتكار ليس وظيفة جزئية أو إضافية يقوم بها شخص يعمل في مجال وظيفي تشغيلي ويمارس البحث الإبتكار كهواية أو كمصدر إضافي للدخل بل هي مجال وظيفي مستقل له بيئة مستقلة تشعلها المرونة والإستقلالية والتوجيه. 

7- التركيز وعدم التشتت في حل مشكلات متعددة في نفس الوقت وشحن وتجييش الجهود لفك حلقات المشلكة واحدة تلو اخرى بدلا من محاولات عشوائية لفك اجزائها. 

8- الهيكلة المرنة للإدارات أو القطاعات لخدمة استراتيجية البحث والإبتكار لمنع عوائق تنفيذها.

9- البحث والإبتكار في المنظمات الإقتصادية ليس اهتمام جانبي أو مساند بل هو أساس بقاء المنظمة وتطورها عبر تطوير منتجاتها أو تطوير منتجات جديدة تعيد التموضع الاستراتيجي (Strategic Positioning) للشركة في المستقبل حينما تموت القيمة في المنتجات القديمة. 

10- يجب أن يكون المؤشر الرئيسي لقياس البحث والإبتكار في جميع الإدارات أو القطاعات هو العائد من الإبتكار (مقابل كل ريال من الإبتكار كم ريال جنينا فعليا) حيث أن الفوز بجوائز عالمية أو ارتفاع تصنيفنا الدولي أمر جميل ولكنه هدر في حال لم يكن مصحوبا بعوائد اقتصادية تضمن الإستدامة لهذا القطاع عبر توظيف عوائده واستثمارها بدلا من الإستمرار في الإنفاق عليه من موارد آخرى. 

وختما نستنتج أن البحث والإبتكار محيط أزرق واسع ومليء بالمخاطر ومحاولة السيطرة عليه كاملا مستحيلة وغير منطقية حيث أن الزرع أو الإستثمار في مناطق وتخصصات كثيرة ومتفرعة سيؤدي إلى إهلاك الموارد. ولذلك يستلزم الأمر أن يتم تحديد أولويات وطنية قليلة جدا ذات عائد اقتصادي كبير وتجييش طاقات البحث والإبتكار الهائلة في المملكة لها، لتكون لنا القيادة فيها عالميا في المستقبل القريب.