الذكاء العاطفي: مفاهيمه وأثره على الصحة النفسية في المجتمع السعودي

يستعرض هذا المقال مفهوم الذكاء العاطفي وعلاقته بالصحة النفسية، متناولاً النظريات العلمية المرتبطة به ويتطرق إلى دراسة حالة من المجتمع السعودي.

الذكاء العاطفي: مفاهيمه وأثره على الصحة النفسية في المجتمع السعودي
تعرّف على الذكاء العاطفي وأهميته للصحة النفسية في المجتمع السعودي وتعرف على دراسة حالة واقعية


يرتبط مفهوم الذكاء العاطفي بقدرة الإنسان على فهم مشاعره وإدارتها والتفاعل مع مشاعر الآخرين بشكل متوازن ومثمر. هذا المفهوم لم يبرز فجأة بل هو نتيجة تطور طويل في علم النفس، حيث أشار عالم النفس ثورندايك في بداية القرن العشرين إلى الذكاء الاجتماعي باعتباره نوعاً من المهارات التي تساعد الفرد على التعامل مع الآخرين، ثم قدّم بيتر سالوفي وجون ماير في نهاية الثمانينيات نظرية القدرة التي تفسر الذكاء العاطفي بكونه مزيجاً من الوعي بالمشاعر وفهمها وإدارتها. اشتهر المصطلح عالميًا مع كتاب دانييل جولمان "الذكاء العاطفي" الذي أوضح أن النجاح في الحياة لا يرتبط فقط بارتفاع معدل الذكاء الأكاديمي، بل بقدرة الفرد على التحكم بمشاعره وتوجيهها بشكل إيجابي. وتشمل مهارات الذكاء العاطفي الوعي الذاتي والقدرة على قراءة الإشارات الجسدية للمشاعر، والتنظيم الذاتي الذي يسمح بتجنب ردود الفعل الغاضبة أو المتسرعة، والتعاطف الذي يتيح فهم مشاعر الآخرين وتقوية العلاقات، إضافة إلى المهارات الاجتماعية التي تساعد على حل النزاعات والتواصل الفعّال. في المجتمع السعودي الذي يشهد تحولات اجتماعية وثقافية سريعة، تبرز أهمية الذكاء العاطفي في تعزيز الصحة النفسية للأفراد. فالكثير من الاضطرابات النفسية مرتبطة بعجز الشخص عن التعبير عن مشاعره أو فهم ما يعتريه من ضغوط، وبالتالي فإن تطوير مهارات الوعي الذاتي والتعاطف والقدرة على التواصل يمكن أن يقلل من مستويات التوتر والقلق ويمنح الإنسان إحساساً بالرضا. كما أن هذه المهارات تساهم في بناء علاقات أسرية ومجتمعية قوية تحترم اختلافات الآخرين وتشجع على الحوار والتفاهم. الاهتمام بالذكاء العاطفي يتكامل مع قيم الثقافة السعودية التي تقدر التواصل الأسري والرحمة، ومع التوجهات الحديثة التي تدعو إلى تحسين جودة الحياة والرفاهية النفسية. وبالتالي فإن فهم النظريات القديمة والحديثة للذكاء العاطفي وتطبيقها في الحياة اليومية يفتح آفاقاً لتطوير الذات وتعزيز الصحة النفسية.

يمكن توضيح أهمية الذكاء العاطفي عبر دراسة حالة لشابة سعودية تعمل معلمة في إحدى المدارس. كانت هذه المعلمة تواجه ضغطاً شديداً في التعامل مع طلابها بسبب اختلاف مستوياتهم الدراسية وتنوع خلفياتهم الاجتماعية، مما انعكس على صحتها النفسية وأدى إلى شعورها بالضغط والقلق. بعد مشاركتها في برنامج تدريب على الذكاء العاطفي، تعلّمت كيف تراقب مشاعرها وتحدد أسباب التوتر قبل أن تتفاقم. في بداية كل يوم أصبحت تكتب مذكرات قصيرة عن حالتها المزاجية وما تحتاجه للتركيز، وعند مواجهتها لسلوكيات مزعجة من بعض الطلاب صارت تأخذ نفساً عميقاً وتفكر في سبب تصرفهم قبل أن ترد. كما طوّرت مهارات الاستماع الفعال، فعوضاً عن توجيه الانتقادات الفورية، أصبحت تطرح أسئلة مفتوحة ليفصح الطلاب عن دوافعهم مما عزز التفاهم المتبادل. كذلك، استخدمت التعاطف لتتفهم الضغط الذي يعيشه بعض الطلاب نتيجة ظروف أسرية أو اقتصادية، فبدأت في ابتكار أساليب تعليمية تراعي الفروق الفردية وتشجع على التعاون بدلاً من المنافسة. ومع مرور الوقت لاحظت تحسناً في سلوك طلابها وتراجعاً في مستويات التوتر داخل الفصل. هذه التجربة الشخصية بيّنت لها أن الذكاء العاطفي ليس مجرد مفهوم نظري بل أداة عملية لتعزيز الصحة النفسية وتحسين العلاقات المهنية. ومن خلال نشر مثل هذه القصص في المجتمع السعودي يمكن تشجيع الآخرين على تطوير مهاراتهم العاطفية وتعزيز رفاهيتهم. إن الاستثمار في الذكاء العاطفي يساعد الأفراد على التعامل مع ضغوط الحياة اليومية بصورة أكثر هدوءاً ووعيًا، ويعطيهم القدرة على توجيه طاقتهم نحو بناء علاقات صحية ومستدامة داخل الأسرة والعمل. فحين يستطيع الشخص فهم نفسه وفهم الآخرين، يصبح أكثر قدرة على اتخاذ قرارات سليمة وعلى مواكبة التغيرات الاجتماعية دون أن يفقد توازنه النفسي. وبهذا يتحقق الهدف الأسمى للصحة النفسية وهو الرفاهية الشاملة للفرد والمجتمع.