كيف تنمو الأشجار وكيف تتنفس وتتغذى وهل الأشجار تشعر

عندما تزرع بذرة صغيرة في الأرض، تبدو وكأنها قطعة جماد، لكنها تحمل في داخلها برنامجاً معقداً للنمو والحياة. يحكي هذا المقال عن كيفية نمو الأشجار منذ اللحظة التي يخترق فيها الجذير التربة بحثاً عن الماء والمواد الغذائية، وتدفع الأغصان نحو السماء بحثاً عن الضوء. نتعرف على كيفية تنفس الأشجار من خلال الأوراق واللحاء، وكيف تصنع غذاءها بنفسها عبر عملية البناء الضوئي. كما نستكشف إذا ما كانت الأشجار تشعر أو تتواصل مع بعضها، وكيف يمكن للطفل أن يعتني بالشجرة حوله ويشاهد مراحل حياتها.

كيف تنمو الأشجار وكيف تتنفس وتتغذى وهل الأشجار تشعر
تخيّل بذرة صغيرة تتحوّل إلى شجرة عملاقة، كيف يحدث ذلك؟ الجذور تمتص الماء والمعادن، والأوراق تصنع الطعام من ضوء الشمس، والجذع ينقل النسغ. تنفس الأشجار يكون عبر الأوراق، وهي تتبادل الغازات مع الهواء. هل الأشجار تشعر وتمتلك ذاكرة؟ هذه الأسئلة المثيرة تجعل الأطفال يتأملون عجائب الطبيعة ويفهمون نمو الأشجار ودورها في الحياة.


عندما يرى الطفل شجرة ضخمة تقف شامخة في الحديقة أو الغابة، ربما يتساءل كيف أصبحت هذه الشجرة بهذا الحجم وكيف تستمر في الحياة عبر الفصول. يخيل إليه أن الأشجار مخلوقات هادئة تنمو من تلقاء نفسها بلا جهد. لكن الواقع أن رحلة نمو الشجرة هي قصة طويلة من العمل الدؤوب والتكامل بين الضوء والماء والهواء والغذاء. في هذا المقال سنبدأ من بذرة صغيرة مدفونة في الأرض ونرافقها في رحلتها إلى أن تصبح شجرة وارفة نستظل بها، ثم نتساءل إذا ما كانت الأشجار تشعر وتتواصل مع البيئة من حولها.

رحلة نمو الأشجار وكيف تتنفس وتتغذى

تبدأ حياة الشجرة ببذرة صغيرة تحتوي على كل التعليمات اللازمة للنمو. عندما تحظى البذرة بالرطوبة والدفء، ينفتح غلافها ويخرج منه جذير أبيض يتجه نحو الأسفل بحثاً عن الماء والمعادن. هذا الجذر ينمو ويصبح شبكة معقدة من الجذور التي تثبت الشجرة في التربة وتمتص الماء والأملاح المعدنية التي تحتاجها. في الوقت نفسه يخرج من البذرة ساق صغير يتجه نحو الأعلى ويخترق سطح التربة بحثاً عن الضوء. هذا الساق هو اللبنة الأولى للجذع الذي سيحمل الأغصان والأوراق.

عندما تبدأ الأوراق بالتفتح، تبدأ عملية مذهلة تسمى البناء الضوئي. بفضل مادة الكلوروفيل الخضراء، تمتص الأوراق ضوء الشمس وتحوّل الطاقة الضوئية إلى طاقة كيميائية تخزن في جزيئات السكر. تقوم الأوراق أيضاً بامتصاص ثاني أكسيد الكربون من الهواء وإطلاق الأكسجين، وهذا ما يسمى بتنفس الأشجار. على الرغم من أن الأشجار لا تملك رئات مثل البشر، إلا أن الأوراق تحتوي على فتحات صغيرة تدعى الثغور تسمح بتبادل الغازات. ومع كل شروق شمس تقوم الأوراق بإنتاج الغذاء الذي يمر عبر أنسجة خاصة في الجذع إلى باقي أجزاء الشجرة. في المقابل تقوم الجذور بامتصاص الماء والمعادن وترسلها إلى الأوراق عبر أوعية خشبية تشبه الأنابيب. هذا التعاون بين الجذر والأوراق والجذع يشكل نظاماً دائماً للتغذية والتنفس.

تستمر الشجرة في النمو عاماً بعد عام. ومع مرور الوقت يتضخم الجذع ويضاف إليه حلقات سنوية تظهر عند قطع الخشب. هذه الحلقات تخبرنا عن عمر الشجرة وعن ظروف المناخ في كل سنة. كما أن الفروع تتشعب وتنتشر الأوراق، ويكبر نظام الجذور تحت الأرض ليدعم هذا النمو. الأشجار لا تحتاج إلى تناول الطعام من الخارج كما نفعل نحن، بل تصنع غذاءها بنفسها بفضل البناء الضوئي. ومع ذلك فهي تحتاج إلى العناصر المعدنية التي توجد في التربة كالكالسيوم والمغنيسيوم والحديد، وهذه تحصل عليها عن طريق الجذور. إذًا نمو الأشجار يعتمد على عاملين رئيسيين: الضوء والماء، بالإضافة إلى هواء نقي وتربة غنية.

هل الأشجار تشعر وتتواصل؟

قد يدهشك أن تعلم أن الأشجار ليست مجرد أجسام صامتة، بل هي كائنات حية تتفاعل مع بيئتها بطرق معقدة. صحيح أنها لا تمتلك أعصاباً أو دماغاً، لكنها تستجيب للمؤثرات الخارجية بذكاء. عندما تفتقر الشجرة إلى الماء، ترسل الجذور إشارات كيميائية إلى الأوراق لتغلق ثغورها حفاظاً على الرطوبة. وإذا تعرضت أغصانها لعاصفة قوية، تفرز هرمونات تزيد من قوة الخشب ليتحمل الرياح. بل إن الأشجار داخل الغابة تتواصل عبر شبكة من الفطريات الدقيقة تسمى \"\u0634\u0628\u0643ة الخشب العريض\"، حيث تتبادل الغذاء والرسائل مع أشجار أخرى. هذه الشبكة تسمح للأشجار الأكبر سناً بمساعدة الصغيرة من خلال إرسال السكر والماء عبر الجذور المتصلة بالفطريات.

أما عن شعور الأشجار، فالعلماء ما زالوا يبحثون في هذا المجال. لا يمكن القول إنها تشعر بالألم كما يشعر الإنسان أو الحيوان، لكنها تملك آليات تفاعلية معقدة تشبه النظام العصبي في بعض النواحي. يمكن للشجرة أن تميّز بين الضوء والظلام، وأن تتجه أغصانها نحو مصدر الضوء، كما يمكنها أن تفرز مواد كيميائية لطرد الحشرات أو جذب كائنات تساعدها. بعض الدراسات تشير إلى أن الأشجار تطلق مواد عطرية لتحذير جيرانها من الخطر، وهذا نوع من التواصل. بالنسبة للطفل، يكفي أن يعرف أن الأشجار كائنات حساسة تحتاج إلى احترام ورعاية.

عندما تسير في الحديقة أو الغابة وتلمس لحاء شجرة أو تستظل بظلها، تذكر أنها مرت برحلة طويلة منذ كانت بذرة صغيرة، وأنها ما زالت تعمل بلا توقف لتصنع غذاءها وتتبادل الغازات مع الهواء وتدعم الحياة على الأرض. فهم كيفية نمو الأشجار وتنفسها وتغذيتها يساعدنا على تقدير هذه الكائنات ويدفعنا إلى زراعة المزيد منها. فلا تنس أن الهواء النقي الذي نتنفسه والأخشاب والفواكه التي نستعملها والظل الذي نستمتع به كلها هدايا من الأشجار، وأنك عندما تعتني بشجرة صغيرة فإنك تشارك في قصة الحياة التي لا تنتهي.