الإفراط في التعمق في التخصص العلمي: العلوم بين التخصصية والعمومية

في عام 1998 حذر المفكر الرائد وعالم الأحياء البارز إي أو ويلسون من الإفراط في التعمق في التخصص العلمي محذرًا من أن مراكز الفكر "... يجب هدمها حتى تتقدم البشرية."  وجادلت عالمة الأحياء الاجتماعية ريبيكا كوستا في عام 2010 بأنه "كلما زاد عدد صوامع أو مراكز الفكر أكثر كلما تبتعد البشرية عن.............

الإفراط في التعمق في التخصص العلمي: العلوم بين التخصصية والعمومية


في عام 1998 حذر المفكر الرائد وعالم الأحياء البارز إي أو ويلسون من الإفراط في التعمق في التخصص العلمي محذرًا من أن مراكز الفكر "... يجب هدمها حتى تتقدم البشرية." 

وجادلت عالمة الأحياء الاجتماعية ريبيكا كوستا في عام 2010 بأنه "كلما زاد عدد صوامع أو مراكز الفكر أكثر كلما تبتعد البشرية عن نهج موحد ومنهجي".

تتطلب المشاكل الكبيرة التي نواجهها اليوم ابتكارًا متعدد التخصصات (العمومية العلمية). ومن أبرز هذه المشاكل محادثات المناخ الدولية في باريس للحصول على مثال لقضية يجب التعامل معها من قبل الأفراد ذوي الخبرة التخصصية العميقة وفي نفس الوقت يجب أن يتم التعامل معها أيضًا من منظور توسعي متعدد التخصصات. 

ليس من المستغرب أن الجامعات والمؤسسات البحثية ووكالات التمويل من جميع المجالات تدرك تمامًا الإمكانات الهائلة من التعاون المتعدد التخصصات حيث تروج بحماس لدعمها لجميع الأشياء متعددة التخصصات على سبيل المثال فكر في تقنية النانو التي تعتمد على الفيزياء والبيولوجيا والكيمياء. أو جهود مكافحة الأمراض التي تعتمد على مسؤولي الصحة العامة وعلماء السلوك والإحصائيين الحيويين وعلماء الأوبئة. 

مناهج البحث العميقة والواسعة لها مزايا وعيوب

لماذا نادرًا ما ينخرط الأشخاص في التخصصات العلمية المختلفة في مشاريع تعاونية هادفة؟ قام أحد الباحثين مؤخرا بدراسة أهداف الباحثين وأنماط عملهم مع التركيز على عمق إنتاجهم البحثي مقابل اتساع نطاقه.

الحقيقة هي أن معظم الباحثين يعملون ضمن السياقات المؤسسية والمهنية التي تفضل وتكافئ التخصص العميق. وضع في اعتبارك أسماء الأقسام والمجلات وكيف تتدفق الاتصالات داخل حدود الوحدة أو التخصص وليس عبرها وكيف يتم تخصيص أموال المنح والأجور بناء على المواضيع التخصصية بدلا من المشاريع واسعة النطاق وتشجيع تعدد التخصصات لدى الباحث نفسه (العمومية العلمية) أو في الفريق البحثي. 

في الواقع في استطلاع لأعضاء هيئة التدريس في الجامعات وافق 70٪ على قيمة العمل متعدد التخصصات. ولكن بخلاف المحددات الهيكلية في مراكز البحوث والأقسام الأكاديمية، ما هي الدوافع الشخصية والفردية التي تشكل العمق مقابل اتساع نطاق الإنتاج المهني للباحثين؟ أثناء التحقيق في هذا السؤال حدد بعض الباحثين تعريف البحث العميق على أنه يضيف إلى معرفتنا بطرق عالية وأكثر دقة في التخصص وقد بينما تعريف البحث الواسع بأنه ذلك الذي يشمل مجموعة أكبر من الموضوعات.

كيف صنف الباحثون العمق مقابل الاتساع؟

في دراستنا تجريبية على الباحثين في القطاع الصحي، تم في التجربة تصميم دراستين أحدها تخصصي عميق والأخرى عامة متعددة التخصصات. كلاهما له صلة بخبرة المشاركين وتم تمويل الدراستين بالكامل. وطلب منهم تقييم جاذبية الدراستين وفقًا لأبعاد تشمل المخاطر وأهمية الفرصة والأهمية المحتملة وما إلى ذلك.

كانت النتائج واضحة: إذا كانت كل الأمور الأخرى متساوية فقد نُظر إلى الدراسة الأوسع على أنها تمثل فرصة أكثر خطورة وأقل أهمية. كان الباحثين أقل احتمالا للمشاركة في البحث متعدد التخصصات. حيث رأى هؤلاء الباحثين أن الأبحاث الواسعة تقدم مستويات عالية من المخاطر المهنية مع مكافآت منخفضة وعوائد مهنية ضئيلة.

المخرجات تعكس العقلية:

في دراسة اخرى قامت بجمع بيانات استبيان من 466 باحثًا طبيًا حول أهدافهم وتوقعاتهم. ثم مقارنة إجاباتهم بالبيانات الأرشيفية التي سمحت لنا بإجراء تقييم موضوعي لعمق واتساع سجلات النشر العلمي لهم التي تبلغ مدتها 10 سنوات. حيث قدمت الاستبيانات رؤى مفيدة حول السلوكيات والمواقف الرئيسية المتعلقة بالعمل بما في ذلك السمات الشخصية مثل القدرة التنافسية والضمير.وخلصت الدراسة إلى ربط سلوكيات الباحثين وعقلياتهم كما ينعكس في درجات استبياناتهم بمدى عمق أبحاثهم المنشورة. اتضح أن أهداف الباحثين توقعت العمق مقابل اتساع حقائب النشر الخاصة بهم.

أظهر الباحثون الذين لديهم حافز قوي لإثبات أداء عالٍ (التوجه نحو الأداء) التوجه للبحوث العميقة بشكل أكبر. أما الذين اختاروا الاتساع بدلا من العمق في أبحاثهم العلمية كانوا ممن لديهم اهتمام كبير بتجربة أشياء جديدة وتعلمها حتى لو كان ذلك مكلفًا من حيث الوقت والتقدم المهني (التوجه نحو المعرفة).

هذه النتيجة منطقية عندما تفكر في أن الأداء غالبًا ما يتم الحكم عليه من خلال المنشورات في المجلات المتخصصة للغاية والتي تعمل على تعزيز المعرفة في حقل فرعي محدد للباحث.ولكن يجب أن يكون المرء مدفوعًا لتعلم أشياء جديدة ربما بتكلفة كبيرة لكي يخالف التوقعات عن طيب خاطر ويذهب إلى نهج أوسع لا يكافأ غالبًا. لذلك لا خلصت الدراسة أن اختيار البحث وموضوعاته لا يحدث فقط بسبب الهيكل التخصصي ولكنه أيضا مدفوع بما يجده الباحث الفردي جذابًا ومفيدًا في جوهره.

اختلف العلماء المشاركون لدينا أيضًا في المدى الذي ركزوا فيه جهودهم على استغلال معرفتهم الحالية مقابل استكشاف معرفة جديدة حيث أنه بشكل افتراضي يميل العلماء إلى الاستفادة من الخبرات المتخصصة الموجودة بدلا من تعلم معارف جديدة وهذا التوجه يقيد الكثير من الباحثين خصوصا في التخصصات الدقيقة ذات المنافسة العالية. وهذا يتوافق مع نظرية الإدارة والبحث والتي تشير أن الأفراد والمؤسسات يميلون إلى تفضيل الاستغلال الأكثر أمانًا للمعرفة الحالية على الاستكشاف للمعارف الجديدة، حيث أن العمل على تحسين النتيجة السابقة أكثر كفاءة وأقل إحباطًا. من التغيير لموضوع جديد والتحقيق في سؤال جديد تمامًا حول موضوع مختلف يتطلب تعلمًا جديدًا وأخطاء محتملة على طول مسار النشر. 

إليك نقطة مهمة ، لها آثار كبيرة: السلوكيات التي لاحظناها لا تشير بالضرورة إلى سمات شخصية متأصلة بعمق. إنها مجرد أنماط عمل يمكن تغييرها إذا اختار الأفراد تغييرها. بمجرد أن يدرك العلماء والباحثون ماهية ميولهم يمكنهم البدء في التفكير بشكل استراتيجي حول كيفية تغييرها. من خلال تغيير كيفية تخصيص الوقت والجهد والموارد يمكن للباحثين السعي لتحقيق اتساع (أو عمق) أكبر في المشاريع المستقبلية.

تعمل بعض الشركات بما في ذلك Apple و Unilever و Cleveland Clinic بجد لكسر التفكير المنعزل وتريد أن يكون المحترفون والمديرون لديهم "على شكل حرف T". العمودي في T هو تخصص. على سبيل المثال ، يصف الباحثان Uhlenbrook و de Jong ملفات تعريف الكفاءة على شكل حرف T باستخدام متخصصين في المياه علماء الهيدرولوجيا ، ومهندسي الهيدروليك ، واختصاصي استخدام الأراضي ، وخبراء اقتصاديات المياه ، وخبراء إدارة المياه الذين يحتاجون جميعًا إلى التعاون وتقييم خبرة بعضهم البعض وعبور حدود التخصصات الفرعية عن طيب خاطر.

لا يمكن إنكار القيمة الهائلة للبحوث التي تتميز بالتخصص الدقيق والعميق. ولكن كما تذكرنا الأحداث العالمية - بما في ذلك محادثات تغير المناخ في باريس - يوميًا فإنه فقط من خلال التعاون الفعال وعبور الحدود التخصصية الهادفة سنجد حلولًا للتحديات الضخمة والمعقدة التي تواجه العالم اليوم

المصدر:

https://theconversation.com/scientists-tend-to-superspecialize-but-there-are-ways-they-can-change-51644