بناء الثقة في البحث العلمي والابتكار عبر الشراكة المجتمعية

في ظل سعي حكومتها الرشيدة لتنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة ووجود الدعم الحكومي الكبير يجب أن لا نغفل دور الشراكة المجتمعية الفعالة مع المجتمع السعودي كي لا نجد أنفسنا في نفس المأزق الذي تقع فيه اليوم العديد من الدول المتقدمة من فقد ثقة المجتمع في البحث والإبتكار بل ومقاومته. فخطورة فقد الثقة المجتمعية في البحث والإبتكار عالية وعواقبها وخيمة. 

بناء الثقة في البحث العلمي والابتكار عبر الشراكة المجتمعية


تسعى المملكة العربية السعودية لتنمية دورها الإقليمي والعالمي في البحث والتطوير والابتكار وقد ظهر مؤخرا أهتمام عالي المستوى بمواضيع البحث العلمي والابتكار وتشكلت العديد من المبادرات الوطنية للمساهمة في دفع عجلة التنمية في هذا المجال. ولكن كباحثين ومؤسسات بحثية يجب أن لا نكتفي بالحصول على الدعم الحكومي والمبادرات الحكومية في تطوير مجالات البحث العلمي والإبتكار. من المهم أيضًا أن يكون للمجتمع السعودي رأي في أولويات البحث العلمي وتطبيقاته حيث تعتمد المشاركة المجتمعية في العلوم على قدرة الباحثين على التعامل مع احتياجات المجتمع ومشاركتهم في اتخاذ القرار. بدون هذه الشراكة المجتمعية يخاطر العلماء والباحثين وغيرهم من الخبراء بفقدان ثقة الجمهور في منتجاتهم البحثية ونتائجها. ولعل كثير من المجتمعات حتى في الدول المتقدمة صدمت بالمعارضة القوية للقاحات كورونا-19 ومدى فقدان نسبة كبيرة في بعض الدول ثقتها في العلم والعلماء ونتائج الأبحاث. وما ذلك إلا نتيجة حتمية لإنعدام الشراكة المجتمعية في جوانب البحث العلمي والتطوير والإبتكار حيث في معظم الأوقات تسير عمليات البحث والإبتكار بعيدا وفي معزل عن المجتمع. 

قد يكون لغياب الشراكة المجتمعية في البحث والإبتكار آثار حقيقية على تحقيق المصالحة العامه عندما يتعلق الأمر بالتقنيات التجريبية الناشئة (مثل الروبوتات والذكاء الاصطناعي) والبيئة (بما في ذلك تغير المناخ) والتقنيات الصحية والعلاجية الجديدة، وغير ذلك.

ومن شواهد أن هذه المشكلة عالمية، قد أشار رئيس الوزراء الأسترالي السابق توني أبوت إلى التوترات بين الحكومة والمجتمع والعلماء قائلاً "إننا نتعاقد مع كثيرًا مع العلماء والخبراء ". كيف يمكننا بناء ثقة المجتمع بالعلماء والخبراء الوطنيون؟ 

إن بناء شراكة مجتمعية فعالة مع المؤسسات البحثية والباحثين يجب أن تركز على 3 محاور رئيسية:

  • الشفافية
  • معايير أخلاقية عالية
  • حوار ثنائي الاتجاه بين المؤسسات البحثية أو الباحثين والمجتمع.

ميثاق جديد:

مع ظهور التقنيات التجريبية وسرعة تطور العلوم وتغيرها وإنعدام ثباتها كما كانت في الماضي تحتاج المؤسسات البحثية إلى إعادة إشراك عامة الناس لفهم التوقعات والآراء المتغيرة حول العلم. كذلك يجب إشراك المجتمع وتوعيته في التحديات التي تواجه البحث العلمي والإبتكار مثل تحديات تكرار نتائج البحوث العلمية. في أحد المحاولات البحثية لدراسة العلاقة بين المجتمع والمؤسسات البحثية، وجدت بيانات المسح إلى أن غالبية المستجيبين يعتقدون أن العلم يجب أن يقوم على الشفافية والانفتاح والحوار الهادف مع المجتمع. كما يعتقدون أن السعي الأخلاقي للبحث والابتكار مهم. ومع ذلك، يشعر الغالبية أن الترتيبات المؤسسية الحالية لا تدعم هذه التطلعات. لذلك يجب أن يحدث ميثاق جديد بين المؤسسات البحثية والمجتمع يقوم على الشفافية والحوار في جميع مراحل البحث والإبتكار لكسب تأييد المجتمع من مراحل مبكرة ومعرفة المقاومة المجتمعية واسبابها لبعض الأبحاث والمشاريع الإبتكارية مبكرا لمعالجتها. 

كيف يمكن تنمية الشراكة المجتمعية في مجال الأبحاث والإبتكار بشكل أفضل؟

لعل أحد أهم النماذج الناجحة في المملكة العربية السعودية للشراكة المجتمعية في مجال الأبحاث هو نموذج جمعية شارك للشراكة المجتمعية. والذي صمم بعد مراجعة العديد من المبادرات لتحسين الشراكة المجتمعية في العديد من المؤسسات البحثية حول العالم. ويخلص النموذج كما في الصورة أدناه إلى أن الشراكة المجتمعية تتدرج في 7 مستويات، حيث أن المستوى الأول يعني عدم وجود أي شراكة والمستوى السابع يعني أن المجتمع هو من يقود المبادرات البحثية. بالطبع يمكن تطبيق هذا النموذج على كل مؤسسة بحثية على حدة ومن ثم جمع متوسط المؤسسات البحثية والخروج بالمستوى الوطني. ويصاحب النموذج خطوات تنفيذية وأدوات تقييم تحدد المستوى الذي وصلت إليه المؤسسة في الشراكة المجتمعية. وتعزوا جمعية شارك نجاحها في تنفيذ العديد من المشاريع البحثية الضخمة لشراكتها مع المجتمع بالرغم من أنها لا تزال في المستوى الرابع فقط من النموذج. 

نموذج شارك للشراكة المجتمعية في مجال البحث والإبتكار

وختاما في ظل سعي حكومتها الرشيدة لتنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة ووجود الدعم الحكومي الكبير يجب أن لا نغفل دور الشراكة المجتمعية الفعالة مع المجتمع السعودي كي لا نجد أنفسنا في نفس المأزق الذي تقع فيه اليوم العديد من الدول المتقدمة من فقد ثقة المجتمع في البحث والإبتكار بل ومقاومته. فخطورة فقد الثقة المجتمعية في البحث والإبتكار عالية وعواقبها وخيمة. 

تحرير:

د. ناصر فهد بن دهيم