لماذا يجب على الرجل الإنفاق والمرأة تصرف راتبها على صديقاتها وقريباتها؟ قراءة فلسفية وسيكولوجية للأدوار المالية بين الجنسين
مقال يناقش سؤالاً مثيراً حول الأدوار المالية بين الجنسين في المجتمع السعودي: لماذا يُتوقع من الرجل أن ينفق وتحتفظ المرأة براتبها لنفسها وصديقاتها؟ يستعرض المقال أبعاداً دينية ونفسية وفلسفية وثقافية لهذا الصراع المالي، ويقدّم رؤية متوازنة تميل لحقوق الرجل مع الحفاظ على العدالة والرحمة.

في المجتمع السعودي والخليجي عامةً، يُفتح النقاش مراراً حول طبيعة الأدوار الاقتصادية بين الرجل والمرأة: لماذا يُتوقع من الرجل أن يَنفِق بشكل كامل على المنزل والزوجه، بينما يحتفظ بعض النساء برواتبهن لأنفسهن أو يصرفنها على صديقاتهن وقريباتهن؟ هذا السؤال لا يظهر من فراغ، بل ينبع من احتكاك بين تقاليد دينية وثقافية عميقة وبين واقع اجتماعي واقتصادي يتغير بسرعة.
من المنظور الديني، يتفق الفقهاء على أن النفقة واجبة على الرجل «بما فضل الله بعضهم على بعض وبما أنفقوا من أموالهم»، وهذا التشريع يحمّل الزوج مسؤولية توفير الغذاء والمسكن والملبس. وقد وضعت الشريعة حصانة كاملة لذمة المرأة المالية؛ فراتبها وممتلكاتها لا تلزمها شرعاً بالإنفاق على البيت. هذه القاعدة تكرّس استقلالية المرأة الاقتصادية، لكنها أيضاً تجعل المسؤولية المالية على الرجل ثقيلة في زمن تزداد فيه التكاليف المعيشية.
لا يمكن فهم هذه الآية دون النظر إلى الجانب الاجتماعي والنفسي. فقد كشفت الدراسات النفسية أن كثيراً من الرجال يبنون جزءاً من هويتهم ورجولتهم على القدرة على الإنفاق والشعور بأنهم مَن يؤمّنون الحياة الكريمة لعائلاتهم. الإنفاق يعطي الرجل إحساساً بالقوة والجدوى، بينما يُعطي المرأة شعوراً بالأمان والاعتماد على الآخر، ما يحقق لها استقراراً عاطفياً. لكن هذه الثنائية قد تتحول إلى صراع عندما تستخدم بعض النساء رواتبهن بشكل منفصل تماماً، فتتجاوز معنى الحماية إلى تأكيد سلطة موازية. إن العطاء للآخرين، وخاصة للأصدقاء والقريبات، قد يكون تعبيراً عن التعاطف أو رغبة في بناء شبكات دعم خارج نطاق الزواج، لكنه أيضاً قد يُشعّر الزوج بأنه يُستغل مادياً.
من زاوية فلسفية، تطرح قضية الإنفاق أسئلة حول العدالة والشراكة. هل العدالة تعني المساواة التامة في الموارد، أم توزيع الأدوار بحسب قدرات واحتياجات كل طرف؟ هناك حجج تقول بأن المرأة تساهم بعمل غير مدفوع داخل البيت من رعاية وتنظيم منزلي، وهذه مساهمة اقتصادية غير مرئية تستحق مقابلاً. في المقابل، يرى آخرون أن الإنفاق المتكرر من قبل الرجل من دون مساهمة أو تقدير من زوجته يشكّل إهداراً لطاقته وماله، ويؤدي إلى شعوره بالضغط والإرهاق. لذلك، ربما يكون الحل في توسيع مفهوم الشراكة ليشمل التشاور في كيفية إدارة الدخلين، بحيث تُخصص المرأة جزءاً من راتبها للادخار أو للاستثمار في مستقبل الأسرة، بينما يستمر الرجل في دوره كمُنفّق أساسي ولكن بطريقة أكثر توازناً.
الواقع الاجتماعي في السعودية اليوم يشهد تحولات، النساء يدخلن سوق العمل بأعداد كبيرة ويحقّقن دخلاً مستقلاً. لذا أصبحت المطالبة بأن تبقى المرأة خارج النقاش المالي غير واقعية، خصوصاً عندما تكون مشاركة في تأمين مستوى معيشي معين للعائلة. تجاهل هذا الواقع يُبقي الرجل والمرأة في حالة من التوتر المستمر، إذ يشعر الرجل أنه يحمّل الحمل وحده، وتشعر المرأة بأنها مخنوقة بين توقعات العائلة وحقوقها الفردية.
لا يعني ذلك أن يُلغى ما قررته الشريعة من التزام الرجل بالنفقة، بل يعني أن يُقرأ في ضوء المقاصد الكلية للشريعة التي تدعو إلى الرحمة والعدل. فالمرأة التي تحتفظ بكل راتبها لنفسها قد تكون مخوّلة شرعا، لكنها إذا رأت زوجها يتعب ليغطي مصاريف المنزل، فالأخلاق والوفاء يقضيان بأن تساهم بحب أو على الأقل تقدّر ما يفعله. والرجل الذي يصر على احتكار كل الموارد والسيطرة على راتب زوجته يتجاهل روح التعاون والشراكة التي تتطلبها الحياة الزوجية.
في النهاية، السؤال «لماذا يجب على الرجل الإنفاق والمرأة تصرف راتبها على صديقاتها وقريباتها؟» يكشف عن صراعات أعمق حول معنى الرجولة والأنوثة، وحول التوفيق بين النص الديني والحياة المعاصرة. لا توجد إجابة واحدة تصلح للجميع، لكن هناك مبادئ واضحة: المسؤولية المالية للرجل حق لا يجوز التخلي عنه، وذمة المرأة المالية حق لا يجوز الاعتداء عليه. وبين هذين الحقيقتين، توجد مساحة كبيرة للتفاهم والحوار، حيث يمكن للزوجين أن يصلا إلى ترتيب مادي يحقّق العدل ويعزّز الحب، بدلاً من أن يكون سبباً للنزاع. فالإنفاق ليس مجرد واجب، بل هو تعبير عن العطاء والرحمة، وإذا أُسيء فهمه فإنه يتحول إلى ساحة صراع تخسر فيها الأسرة كلها.