دراسة جدوى مشاريع الطاقة المتجددة في السعودية: الشمس والرياح كمحرك للنمو المستدام
يقدم هذا المقال دراسة جدوى مفصلة لقطاع الطاقة المتجددة في السعودية، مسلطًا الضوء على الإمكانات العالية للطاقة الشمسية والرياح وأثرها على الاقتصاد ورؤية 2030، بالإضافة إلى تحليل العوائد والتحديات والاستدامة.

تعيش المملكة العربية السعودية اليوم تحوّلاً جذرياً في قطاع الطاقة، مدفوعة برؤية 2030 التي تسعى إلى تنويع الاقتصاد وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري. في هذا السياق، تعتبر مشاريع الطاقة المتجددة – وعلى رأسها الطاقة الشمسية والريحية – فرصة استثمارية واعدة تتطلب دراسة جدوى متأنية. هذا المقال ينسج قصة هذه الفرصة من زوايا مالية وبشرية، بأسلوب يرسم معاني الشجاعة والتعلم من خلال التجربة كما تتجلى في كتابات برينيه براون.
أول ما يلفت الانتباه هو الإمكانات الطبيعية الفريدة التي تمتلكها السعودية. تشير تقارير السوق إلى أن البلاد تتمتع بمتوسط إشعاع شمسي يصل إلى 250 واط/م² ومدة سطوع شمسية تبلغ حوالي 8.9 ساعات يومياً، فضلاً عن إشعاع شمسي أفقي يصل إلى 5600 واط ساعي/م². هذه الأرقام ليست مجرد معطيات علمية؛ إنها تعني أن الشمس تشرق علينا بسخاء يقدم مصدر طاقة مجاني يمكن تحويله إلى كهرباء نظيفة على مدار العام. وفي مجال الرياح، تصل سرعة الرياح في بعض مناطق المملكة إلى 7 أمتار في الثانية، كما يظهر في نجاح مشروع دومة الجندل الذي ينتج 400 ميغاواط من الطاقة ويغطي احتياجات 70 ألف منزل، مساهماً في تجنب انبعاث 988 ألف طن من الكربون سنوياً. هذا المشروع ليس مجرد محطة توليد، بل دليل على قدرة المملكة على تنفيذ مشاريع ريحية ضخمة توفر وظائف وتساهم في التنمية.
من الناحية المالية، تشير تقديرات السوق إلى أن القدرة المركبة للطاقة المتجددة في السعودية ستنمو من 10.27 غيغاواط في عام 2025 إلى 29.27 غيغاواط بحلول عام 2030، بمعدل نمو سنوي مركب يبلغ 23.3%. هذه الأرقام تعني أن المستثمرين الذين يدخلون هذا القطاع اليوم لديهم فرصة للاستفادة من النمو السريع في الطلب. الحكومة تدعم هذا التحول عبر برنامج “متجددة” التابع لصندوق التنمية الصناعية السعودي، والذي يوفر تمويلاً يصل إلى 130 مليون دولار للمشاريع السكنية والتجارية. كما تقدم NEOM نموذجاً لمدن المستقبل، حيث ستقام أنظمة هجينة تجمع مصادر متعددة للطاقة المتجددة لتوفير الطاقة بكفاءة وتقليل التكلفة. هذه المبادرات تخفف مخاطر التمويل المرتفعة وتشجع مشاركة القطاع الخاص.
لكن دراسة الجدوى لا تتوقف عند الحسابات الاقتصادية؛ فهي تستكشف أيضاً الجوانب الاجتماعية والبيئية. الاستثمار في الطاقة الشمسية أو الريحية يتطلب شراكات مع المجتمعات المحلية لتأمين الأراضي والبنية التحتية، ويتطلب توفير برامج تدريب لتحويل العمالة إلى مهارات جديدة في صيانة الأنظمة الكهربائية وإدارة الشبكات الذكية. ويجب تحليل تأثير المشروع على البيئة المحيطة، بدءاً من تقليل الانبعاثات وانتهاءً بالحفاظ على التنوع البيولوجي. إن التوازن بين الربحية والاستدامة يشبه التوازن بين الشجاعة والهشاشة الذي تصفه براون؛ فنجاح المشروع يكمن في جرأة اتخاذ القرار مع الوعي بالمخاطر والرغبة في التعلم من التحديات.
ومن منظور السوق، تتزايد الحاجة الداخلية للكهرباء في السعودية؛ حيث يستهلك القطاع السكني نحو 40–50% من الكهرباء الكلية وتستحوذ وحدات التكييف على ثلثي هذا الاستهلاك. الاستثمار في الطاقة المتجددة لا يلبي هذا الطلب المتزايد فحسب، بل يوفر حلاً اقتصادياً لإمدادات المياه عن طريق تحلية المياه باستخدام الطاقة النظيفة، إذ يستهلك التحلية حالياً 10–15% من الكهرباء الكلية. ومن ثم فإن توفير الطاقة بأسعار تنافسية يخلق أثراً مضاعفاً على الصناعات الأخرى ويجذب المزيد من المستثمرين الأجانب.
وأخيراً، يجب ألا تُغفل دراسة الجدوى المخاطر المحتملة: تقلب أسعار التكنولوجيا، الحاجة إلى تحديث الشبكات الكهربائية، وتحديات التمويل على المدى الطويل. غير أن وجود برامج حكومية وحوافز مالية يجعل هذه المخاطر قابلة للإدارة. يبقى العامل الأساسي هو القيادة الواعية التي تتبنى التغيير بجرأة وتبني شراكات مع جميع أصحاب المصلحة. إن دخول قطاع الطاقة المتجددة في السعودية هو رحلة تتطلب شجاعة واستعداداً للتعلم، لكنها تحمل في طياتها فرصة للمساهمة في مستقبل أكثر إشراقاً واستدامة لبلدنا ولأجيالنا القادمة.