تسع قواعد لنجاح الشراكات المؤسسية في مشاريع البحث والابتكار
بغض النظر عن نوعية الشراكة في مجالات البحث والتطوير والابتكار فإن الشراكات بطبيعتها مشاريع مستقلة ونجاح الشراكة هدف استراتيجي للشركاء بغض النظر عن الفائدة المتفق عليها في الشراكة بين الطرفين. وحسب الإحصائيات العالمية فإن 50% إلى 75% من الشراكات بين المؤسسات تفشل وقد يكون ثمن الفشل غاليا خصوصا من ناحية الوقت المهدر. لذلك يجب أن تكون لدينا رؤية واضحة لماهية الشراكة واسباب الحاجة إليها وأهدافها ومتى ستنتهي كي نضمن نجاحها.
تسعى المملكة العربية السعودية للنهوض بمجال البحث والتطوير والابتكار إيماناَ بأهمية هذا المجال في تنمية النمو الإقتصادي والإجتماعي والوصول إلى الريادة العالمية عبر خلق الحلول المجربة لحل التحديات والمشكلات التي تواجه العالم. ونظرا للإتساع الشاسع لعالم البحث والابتكار والمخاطر العالية التي قد تواجهها المؤسسات التي تتبنى البحث الابتكار وتخطو فيه خطواتها الأولى، من الطبيعي أن تتجه الأنظار نحو بناء الشراكات وبدء التعاون مع مؤسسات أخرى قد تكون أكثر خبرة في مجالات البحث والتطوير أو تكون مؤسسات ذات مستقبل واعد في المجال. وبغض النظر عن نوعية الشراكة فإن الشراكات بطبيعتها مشاريع مستقلة ونجاح الشراكة هدف استراتيجي للشركاء بغض النظر عن الفائدة المتفق عليها في الشراكة بين الطرفين. وحسب الإحصائيات العالمية فإن 50% إلى 75% من الشراكات بين المؤسسات تفشل وقد يكون ثمن الفشل غاليا خصوصا من ناحية الوقت المهدر. ومن المعروف قطعيا أنه بالرغم من العدد الكبير من اتفاقيات التعاون التي تبرمها المؤسسات الحكومية والخاصة فإن نسبة تفعيلها ضئيلة جدا، ويبقى نمو الشراكة وتطورها وفتحها أفاق جديدة نادر جدا حتى على المستوى العالمي.
وبناء على ما ذكر أعلاه، تبقى الأسئلة الأهم متى نعرف أننا بالفعل بحاجة للشراكة في البحث والإبتكار؟ وكيف نحسن من إحتمالية نجاح الشراكات في مجال البحث والتطوير والإبتكار؟
القاعدة الأولى: متى نحتاج للشراكة؟
لنبدأ بتعريف التعاون أو الشراكة المؤسسية وهي مؤسستين أو أكثر يعملون بشكل تكاملي لحل مشكلة محددة من الصعب عليهم حلها منفردين. ومن هذا التعريف يمكن لنا بسهولة استبعاد أي شراكة يستطيع أحد الطرفين القيام بها بشكل مستقل، حيث أن الشراكة في هذه الحالة قد تكون عائقا وعامل بطئ للتقدم في المشروع. وفي الغالب يمكن العمل بقاعدة 50%-50% وهي أنه في حال كانت لدي القدرات لتنفيذ 50% من المشروع بشكل مستقل فمن المفيد البحث عن شريك يستطيع المساهمة في النصف الثاني من نطاق المشروع بشكل مستقل. إن من أكبر الأخطأ أن نبحث عن شريك ليساعدنا في تحقيق مشروع لا نمتلك من القدرات الداخلية لتحقيقه أكثر من 30%. في حال كانت قدرة مؤسسه ما على تنفيذ مشروع معين بشكل مستقل أقل من 30% فقد يشير ذلك لضعف في التخطيط واختيار مشاريع طموحة خارج حدود القدرات.
ماسيحدث حينما تدخل في شراكة لتنفيذ هذا المشروع الذي ليس لديك سوى أقل من 30% من القدرت لنجاحه أنك ستكون في علاقة خاسرة حيث أن الطرف الثاني الذي يملك 70% من القدرات سيكون في النهاية هو المالك للحصة الأكبر من المشروع وستبقى الطرف الضعيف في العلاقة دائما. الحل هنا في حال كان المشروع ضروريا هو التعاقد بعقد خدمي يضمن ملكية المخرجات بدلا من عقد اتفاقية شراكة عامة. وبشكل عام كلما قلت نسبة قدرة مؤسستك على تنفيذ المشروع بشكل مستقل كلما زادت مخاطر الشراكة وقدرتك على السيطرة عليها.
القاعدة الثانية: الشراكة في أصلها مخاطرة
يجب أن نقتنع أن الشراكة هي عملية مخاطرة في أصلها. يجب أن لا نغتر بعقد الشراكات لان كل الناس والمنظمات تقوم بذلك! فالشراكة لا تسير بالطريقة التي نريدها دائما وتتطلب طرق مختلفة في الإدارة ومهارات العاملين عليها والفرق التنفيذية. لذلك يجب أن نتأنى في مجال عقد الشراكات والتدقيق في عروض الشراكات وفهم الفائدة المرجوة منها وقدرتنا على الإلتزام بها. والأهم من ذلك وضوح العائد الإقتصادي من الشراكة. وقد يفيد في ذلك مراجعة تاريخ مؤسستك في نجاح الشراكات وأسباب أو عوامل النجاح أو الفشل والتكلفة المترتبة على فشل الشراكات السابقة. كما يجب النظر في تاريخ الجهة الأخرى التي نرغب في عقد شراكة معها ومدى نجاح شراكاتها على أرض الواقع. فوجود خبرة في نجاح الشراكات أمر مهم جدا لنجاحها في المستقبل وعدم وجود الخبرة زيادة في مخاطر فشل الشراكة.
القاعدة الثالثة: اختيار الشريك
تفشل الكثير من الشراكات لأننا أخترنا الشريك الأقرب. في الغالب حينما نعود لمراجعة أسباب فشل الشراكة نجد أن خطوة اختيار الشريك كانت الأسرع والأقل تخطيطا وتوثيقا، وفي الغالب يتم اختيار الشريك لأسمه أو علاقته بأحد القيادات أو لأنه من بادر بعرض طلب الشراكة. وكل ذلك يعطي تصور أن الشراكة لم تكن مدروسة ومحددة بل هي مبادرة من نوع (خلنا نشوف وش يصير؟). في الغالب هذا النوع من الشراكات أيضا يفتقر للأهداف المحددة وتكون أهداف الإتفاقية واسعة جدا. من أمثلة الأهداف الواسعة في هذا النوع من الشراكات: تبادل المعرفة بين الطرفين, الإستفادة من قدرات الطرفين، التعاون في المشاريع العلمية..... إلخ. بدون تحديد مشاريع واضحة بمخرجات واضحة.
القاعدة الرابعة: الخطة الإستراتيجية للشراكات
من أهم عوامل نجاح الشراكات وجود خطة استراتيجية للشراكات على مستوى المؤسسة. وتصف هذه الخطة نقاط الضعف لدى المؤسسة التي من المحتمل أن تكملها الشراكات ونقاط القوة التي تستطيع بها المؤسسة جذب الشراكات. وينبغي التنبيه هنا أن القدرة المالية ليست من مصادر القوة لجذب الشراكات حيث أنها ستجلب عقود خدمات وليس شراكات. ويكفي أن تستطيع المؤسسة أن تعطي انطباع بتوفر قدرة مالية لاستمرار مشاريعها ودعمها. كما يجب أن تحتوي الخطة الاستراتيجية للشراكات على إطار واضح لكيفية اختيار الشراكات أو قبول الدعوة للشراكات من مؤسسات آخرى.
القاعدة الخامسة: استثمر أكثر في الشراكات الناجحة
بعد مراجعة سجل الشراكات التاريخية للمؤسسة يفضل إعطاء أولوية للشركاء الذين بالفعل تمت شراكات ناجحة معهم في حال انطباق العوامل الآخرى لبناء شراكة جديدة. فاحتمالية النجاح ستكون أعلى بحكم وجود تجربة ناجحة سابقا ووجود العلاقات الجديدة بين فريق العمل من الطرفين الذي ساهم في نجاح الشراكة الأولى. لذلك الاستثمار في العلاقة مع المنظمات التي حققت الشراكات معها الهدف له عائد استراتيجي ايجابي مستقبلا.
وعلى العكس كن حذرا من تكرار شراكة جديدة مع جهة لم تنجح معها شراكة سابقة حيث أن احتمالية الفشل ستكون نفسها أو أعلى ونسبة المخاطرة والخسارة معروفة فلا مبرر لفشل أخر حينما يحدث مما يزيد من قيمة المخاطرة المحتملة.
القاعدة السادسة: حدد الأهداف والمخرجات النهائية من الشراكة
يجب أن تكون المشاريع التي ندخل للشراكة فيها في البدء مفيدة لنا من الناحية الإقتصادية وتتواكب مع التمركز الاستراتيجي لنا لذلك يجب أن تكون الشراكة محددة بتحقيق أهداف على المدى القصير أو المتوسط لمشروع معين. ومن المهم أيضا تحديد متى تنتهي الشراكة حيث أن الدخول في شراكات مفتوحة من أكثر الأخطاء شيوعا في بناء الشراكات. يجب أن يوضع في وثيقة الشراكة بند يحدد ماهي النقطة التي تنتهي عندها الشراكة وما هي حقوق كل طرف للخروج بها من الشراكة. فالشراكة المفتوحة في الغالب ليس لها عوائد اقتصادية وليست مرتبط باستراتيجية محددة وغالبا ما تموت من تلقاء نفسها بدون أثر أو صوت.
القاعدة السابعة: لا تدخل في شراكة مع طرف أكبر منك بكثير
في حال دخولنا في شراكة مع طرف ضخم في الغالب ستكون هذه الشراكة عقد خدمي ضعيف الملامح. حيث أن الجهة الأقوى ستفرض متطلباتها وستحاول الحد من تملكك للمخرجات المهمة من الشراكة. وبهذه المعادلة سيكون من الأفضل لو كانت وقعت عقد خدمي يضمن حقوقك من أن تقع ضحية لشراكة غير عادلة. لذلك يجب أن نختار شركاء في حجمنا أو أقل كي تكون شراكة تكاملية يتوقع كل الطرفين الحصول على فوائد ليس بقدرته تحقيقها منفردا. غالبا أسميها الشراكة الندية أن تكون نداَ يتوقع منك الشريك فوائد وإضافة ويجتهد في أن يثبت لك أنه قادر على الإضافة للشراكة وتقديم الفوائد لك.
القاعدة الثامنة: قياس الأثر
يجب أن نحرص على توثيق جميع مراحل وخطوات العمل في الشراكة بما يضمن لنا إمكانية قياس أثرها. وعليه يجب أن يتم تقييم أثر الشراكة بشكل مستمر يفضل ربع أو نصف سنوي. يساعدنا ذلك للتدخل في حال وجود مشاكل في سير الشراكة والمحافظة على سير الشراكة بالشكل المطلوب لكي تنجح في تحقيق أهدافها في الوقت المحدد والمتفق عليه.
القاعدة التاسعة: لا تتردد في إنهاء الشراكات المؤذية
في بعض الأحيان قد تتحول الشراكة إلى عبء بكثرة مشاكلها وعثراتها أو بمخالفة الشريك لنطاق العمل المتفق عليه وتغييرة من فترة لأخرى أو محاولة تملك المخرجات وإطالة عمر الشراكة للحفاظ على منفعة معينة يحصل عليها. في هذه الحالة يجب تصعيد المشلكة للإدارة العليا وطلب قرار إلغاء الشراكة مع تحديد المخرجات التي ستبقى والأخرى التي ستفقد عند إنهاء الشراكة. وغالبا يحدث ذلك حينما يكون عقد الشراكة مفتوح أو لا يحتوي على المخرجات النهائية ونقطة التوقف التي تم ذكرها في القاعدة السادسة. وفي حالات نادرة قد تضطر لإنها الشراكة حتى مع وجود عقد مكتمل الأركان لسوء العلاقة وتطلبها وقت وجهود أكبر لإستمرارها غير ما كان مخطط له سابقا.
واخيرا كما نلاحظ أنه من المنطقي أن تفشل معظم الشراكات لأنها بحاجة لجهود أكبر مما نتوقع لنجاحها. ولذلك يتطلع الباحثين في السعودية أن تتم الشراكات المؤسسية بواقعية أكبر مع وجود أهداف محددة. وقد تساهم هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار في المملكة في وضع دليل استراتيجية للشراكات يحدد متطلباتها ويساهم في حوكمة الشراكات المستقبلية في مجالات البحث العلمي والإبتكار بما يضمن للمؤسسات الوطنية الحصول على الفائدة المرجوة من الشراكات وتقليل فرص فشلها.