الرعاية الصحية المنزلية في المملكة العربية السعودية
الصحة، كما اعتاد الحكماء على وصفها، تاج على رؤوس الأصحاء، و لكنني لا أتفق معهم في مبدأ عدم رؤيته إلا من قبل المرضى. فقد أصبحنا و لله الحمد نعيش عصر نهضة في خدمات الرعاية الصحية، و الحافز الأكبر في الارتقاء في هذا العصر بمنظومة الخدمات الصحية يعود بالفضل لله سبحانه و تعالى، ثم للإمكانات العلمية و التقنية و البنيوية التي أتاحتها حكومة المملكة العربية السعودية لتوفير الحياة الكريمة لكل من
الصحة، كما اعتاد الحكماء على وصفها، تاج على رؤوس الأصحاء، و لكنني لا أتفق معهم في مبدأ عدم رؤيته إلا من قبل المرضى. فقد أصبحنا و لله الحمد نعيش عصر نهضة في خدمات الرعاية الصحية، و الحافز الأكبر في الارتقاء في هذا العصر بمنظومة الخدمات الصحية يعود بالفضل لله سبحانه و تعالى، ثم للإمكانات العلمية و التقنية و البنيوية التي أتاحتها حكومة المملكة العربية السعودية لتوفير الحياة الكريمة لكل من يجوب أرض هذا الوطن.مثلث الرعاية الصحية، للخبراء و المهتمين بالصحة، مبني على ثلاث عناصر أساسية؛ وجود خدمات الرعاية الصحية، مستوى جودة الخدمات المقدمة، و مدى إتاحة الوصول لها من قبل الشريحة المستهدفة. لكل من سبق له خوض تجربة الوصول لخدمات الرعاية الصحية المنزلية، أود أن أوجه رسالة من خلال هذا المقال، مبنية على تجربة شخصية، كانت بالنسبة لي بمثابة نقطة تحول حياتية.
تعرض أحد الوالدين، على سبيل المثال، لجلطة دماغية، أو فرد من أفراد العائلة لحادث مروري أليم، هو مم لا شك فيه أمر مؤلم بكل ما يمكنها أن تحمله الكلمة من المعاني الحسية و الشعورية. و بعد المرور بأطياف التقلبات النفسية المصاحبة لهذا الحدث، تبدأ الحالة بالاستقرار و تشرع أسرة المريض أو المصاب باستعادة التوازن و محاولة تجاوز الأمر و التطلع للعودة لشيء قريب، أو حتى نسبيا مشابه، للحياة الطبيعية كما كانت عليه. و تبدأ عمليات أفراد الأسرة في البحث و التحري عن ما إن كانت هناك خدمات رعاية صحية منزلية مناسبة لحالة مريضهم، كتلك الخدمات التي رأيناها و درسناها في مراحل الدراسة في الخارج. ثم بعد التقصي و الدوران في حلقات و أروقة المنشآت الصحية و الجهات الحكومية المختصة، تأتي الإجابة مطمئنة، "نعم، الخدمات موجودة"، فيطمئن الباحث عنها على ضلع المثلث الأول -وجود الخدمة-. و لأن أفراد العائلة أغلى ما يملك الإنسان، و لأننا كبشر نسعى إلى عدم خذلانهم في وقت المرض و الحاجة للمساندة، ليس بوسعنا "الاطمئنان" إلى أن الخدمات الحكومية "المجانية" ستكون حتما بمستوى الجودة المنشود. قد يحالفك الحظ، كما حالفني و لله الحمد، في هذه اللحظة من اليأس قبل التوجه لشبكات مقدمي الرعاية الصحية المنزلية الخاصة، أن تجد من ينصحك بتجربة الخدمات الحكومية، و إن لم تكن بالجودة المطلوبة، فحينها بالإمكان التوجه للقطاع الخاص المتاح بكل فئاته في كل وقت. و بعد خوض التجربة، يثلج صدري و صدر كل مواطن الاطمئنان إلى أن جودة الخدمات الصحية "المجانية"، في العديد من المناحي فاق جودة خدمات القطاع الخاص. و بذلك وصلنا إلى معرفة توفر الضلع الثاني للمثلث، و المتعلق بجودة الخدمات. الضلع الثالث، ألا و هو إتاحة الوصول للخدمة، هو ما دفعني لكتابة هذا المقال.
لكل أولئك الذين لا يعرفون ماهية الرعاية الصحية المنزلية، فقد قامت وزارة الصحة بتعريفها على أنها "سلسلة متصلة من الرعاية الصحية الشاملة التي تعزز الصحة أو تحافظ عليها أو تعيدها، أو تزيد من مستوى الاستقلالية، مع تقليل آثار الإعاقة والمرض". الفئات التي تحتاج خدمات الرعاية الصحية المنزلية قد تشمل مرضى السرطانات و القلب و الزهايمر و الاضطرابات العقلية، بالإضافة إلى المصابين جراء الحوادث المرورية و الحرائق و الجلطات، وصولا إلى طريحي الفراش و المصابين بالشلل الكامل. تشمل خدمات الصحة المنزلية العناية بالجروح، التأهيل النفسي، جلسات العلاج الفيزيائي الحركي، علاج النطق و التخاطب، العلاجات الوريدية، أنابيب التغذية عن طريق الأنف أو الفم أو المعدة، بالإضافة إلى تقديم الدعم و التوعية و التثقيف للمريض و عائلته و مقدمي الرعاية في المنزل. بشكل عام، فإن الهدف من الرعاية الصحية المنزلية هو علاجي، أو تأهيلي. تساعد الرعاية الصحية المنزلية على التعافي، واستعادة الاستقلالية، وتحقيق أكبر قدر ممكن من الاكتفاء الذاتي.
على الرغم من حقيقة أن هذه الخدمات موجودة في هذا الوطن المعطاء، بأرفع مستويات الجودة و الوفرة، إلا أن تنظيم وصول المستفيد لها بحاجة إلى إعادة تقييم. لقد أنعم الله علينا بقوى عاملة في المجال الصحي، حريصة على المريض و على راحة المريض و على استعادته لوظائفه المفقودة بعد تعرضه لأزمة صحية معقدة. و لكن قطاع الرعاية الصحية المنزلية هو قطاع مكلف ماديا و بنيويا. المنشآت الصحية بحاجة لممارسين خبراء في مجالات دقيقة لتعليم و تدريب و تهيئة كفاءات وطنية قادرة على توفير خدمات إعادة التأهيل الفيزيائي و المجتمعي و النفسي. كل من عاصر على صعيد شخصي أو عائلي هذا النوع من الأزمات الصحية يعلم يقينا أن رحلة إعادة التأهيل هي رحلة طويلة و شاقة و مكلفة، تستنزف الشخص على الصعيد المادي و الجسدي و الذهني. و لكن في جميع مراحل هذه الرحلة، و مع كل مبلغ مالي يتم دفعه للخدمات التكميلية للرعاية الصحية المنزلية (على سبيل المثال خدمات التمريض على مدار الساعة إذا استدعت حالة المريض ذلك، زيارات أخصائيي إعادة تأهيل البلع و النطق و التخاطب، الأجهزة و المعدات الطبية التي تساعد على تهيئة بيئة المنزل،...) يدور في الأذهان التساؤل عن الفئة من المجتمع غير القادرة على تحمل هذه النفقات، إما لأسباب مادية أو لعدم وجود الوعي الكافي بالاحتياج لها و بالوسائل المتاحة لتوفيرها. أضف إلى ذلك عدم وجود الشفافية المتكاملة من قبل الجهات المسؤولة عن خدمات الرعاية الصحية المنزلية، و انعدام الوضوح فيما يتعلق بما يمكن و ما لا يمكن توفيره للمريض. و في أغلب الأحوال، فإن المواطن العادي غير ملم بتوفر هذه الخدمات، أو حتى بالجهة الصحيحة للوصول لها، إلا عند حدوث أمر طارئ و غير متوقع يستدعي السعي وراء هذا النوع من المعلومات.
التوعية المجتمعية فيما يتعلق بخدمات الرعاية الصحية المنزلية تكاد تكون منعدمة، ولا يمكن حتى مقارنة ما يحظى به هذا القطاع من التوعية و التعريف بالموارد الموجودة كما في القطاعات الصحية الأخرى، كتلك الموجهة لذوي الأطفال المصابين بالتوحد، أو للراغبين في الإقلاع عن التدخين، أو المتضررين من العنف الأسري على سبيل المثال. ثم تأتي بارقة الأمل السعودية متمثلة في برنامج تحول القطاع الصحي، و المنبثق من برنامج التحول الوطني، الهادف إلى تطوير البنية التحتية اللازمة للارتقاء بالخدمات الصحية، سواء في القطاع العام أو الخاص أو غير الربحي كمحور أساسي من محاور رؤية المملكة 2030. و ختاما، أود أن أوجه للقراء الأعزاء الرسالة التي نوهت عنها في بداية المقال. نحن بحاجة إلى تثقيف أنفسنا بأنفسنا لتلبية الاحتياجات الخاصة الطارئة. نحن بحاجة إلى تعلم كيفية توظيف و استثمار مهاراتنا الكامنة للوصول للموارد المتعلقة بالرعاية الصحية بشتى أنواعها. كل سحابة عابرة، ابحث فيها عن بارقة الأمل. و لنكن نحن، الممارسين و الباحثين و المعلمين في المجال الصحي، من يأخذ بيد الآخرين لنصنع الفرق.
بقلم:
د.نوف النصاري
أستاذ مساعد بقسم الصحة العامة – كلية الصحة العامة – جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل
د. مهويش حسين
أستاذ مساعد بقسم الصحة العامة – كلية الصحة العامة – جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل