كيف يتكون البرق والرعد؟
مقال يشرح للأطفال كيف يتكون البرق والرعد من خلال تفاعل الشحنات الكهربائية داخل السحب ويبين سبب صوت الرعد بطريقة مبسطة وممتعة.
في ليلة عاصفة، سألني ابني الصغير: "لماذا تضيء السماء فجأة ثم نسمع صوتًا مخيفًا؟" لم يكن السؤال مجرد فضول عابر، بل كان نافذة تُطل بنا على واحدة من أعظم مظاهر القوة في الطبيعة. البرق والرعد ليسا مجرد عرض ضوئي وصوتي يزخرف السماء؛ إنهما نتيجة عملية معقدة من الشحنات الكهربائية وحركة الهواء، ويمكن أن يكشف لنا فهمهما الكثير عن عالمنا وعن أنفسنا.
شرارة السماء
كل شيء يبدأ داخل السحب الركامية، تلك التشكيلات الضخمة التي تمتد لعدة كيلومترات في السماء. داخل هذه السحب، تصطدم قطرات الماء وبلورات الجليد بعضها ببعض أثناء حركتها بفعل التيارات الهوائية الصاعدة والهابطة. هذه الاصطدامات تُحدث فصلًا للشحنات الكهربائية؛ فتصبح بعض أجزاء السحابة مشحونة بشحنات موجبة بينما تتجمع الشحنات السالبة في أجزاء أخرى. هذا الانفصال يجعل السحابة أشبه ببطارية عملاقة تشحن نفسها باستمرار. عندما يصبح الفرق في الجهد بين هذه المناطق كبيرًا، يحدث التفريغ، فيندفع تيار قوي من الإلكترونات عبر الهواء ليعادل التوازن. هذه الشرارة الهائلة هي ما نراه كبرق يضيء السماء لجزء من الثانية. والأمر المدهش أن البرق لا يقتصر على السحب نفسها؛ ففي بعض الأحيان يحدث تفريغ بين السحابة والأرض، مما يخلق مسارًا ضوئيًا يمتد من السماء إلى الأرض. يشبه الأمر أن تمد الطبيعة يدها لنا، تذكيرًا بقوتها وبتوازنها الدقيق.
لفهم ذلك بعمق، جرّب تجربة بسيطة مع طفلك: افرك بالونًا بقطعة قماش صوفية، ثم قرّبه من شعرك أو من قصاصات ورقية خفيفة. سترى كيف تجذب الشحنات الساكنة الورق أو تجعل شعرك يقف. هذا المثال الصغير يوضح نفس المبدأ الذي يحدث على نطاق أكبر بكثير داخل السحب.
صوت الرعد وتفسيره
بعد أن يضيء البرق، يصلنا بعد ثوانٍ صوت الرعد. ذلك الصوت ليس سوى نتيجة مباشرة للحرارة الهائلة التي يولدها البرق في مساره. فالبرق يسخن الهواء من حوله إلى درجات حرارة تتجاوز ثلاثين ألف درجة مئوية في أجزاء من الثانية، مما يجعل الهواء يتمدد بسرعة كبيرة. هذا التمدد المفاجئ يخلق موجات ضغط تتحرك في كل الاتجاهات، فتسمعها آذاننا كصوت الرعد. إذا كان البرق قريبًا، ستسمع الصوت كدوي مفاجئ. وإذا كان بعيدًا، يتحول إلى هدير طويل لأن الموجات الصوتية تنعكس وتتشتت عبر الوديان والأبنية. هذه الظاهرة تعلمنا درسًا مهمًا: حتى الأحداث السريعة لها عواقب تمتد في الزمن، مثل القرارات التي نتخذها في حياتنا؛ قد تبدو ومضة عابرة لكنها تخلق دوامات من التأثيرات.
يمكن للأطفال إجراء تجربة أخرى لفهم سرعة الصوت مقارنة بسرعة الضوء: اطلب من طفلك مراقبة بُرْقٍ بعيد ثم عدّ الثواني حتى يسمع صوت الرعد. كل ثلاث ثوانٍ تقريبًا تعادل كيلومترًا واحدًا من المسافة بينكما وبين العاصفة. سيتعلم الطفل أن الضوء يسافر أسرع بكثير من الصوت، ولهذا نرى البرق قبل أن نسمع الرعد.
إن فهم البرق والرعد ليس مجرد دروس في الفيزياء، بل هو دعوة للنظر إلى السماء بعين جديدة، لنسأل عن الأسباب ونربط بين الظواهر الصغيرة التي تحدث حولنا والعمليات الكبرى التي تتحكم في الكون. عندما نمنح الأطفال فرصة لاكتشاف ما وراء المشاهد الطبيعية المدهشة، فإننا نزرع فيهم حب المعرفة ونبني معهم جسورًا من التساؤل والدهشة تدوم مدى الحياة.






