تأثير الثقافة الاستهلاكية على العلاقات الزوجية: السعي للكمال المادي ونسيان النمو الروحي

تستكشف هذه المقالة كيف تحولت الثقافة الاستهلاكية الحديثة إلى معيار لقياس نجاح العلاقات الزوجية في المجتمع السعودي، وكيف تدفع الأزواج لمطاردة الكمال المادي بينما ينسون القيم الروحية. يناقش المقال تأثير وسائل التواصل والإعلانات في خلق حالة من عدم الرضا، ويقدم رؤية معتدلة مستمدة من القرآن الكريم وعلم النفس والفلسفة لاستعادة التوازن بين الإنفاق الرشيد والنمو الداخلي.

تأثير الثقافة الاستهلاكية على العلاقات الزوجية: السعي للكمال المادي ونسيان النمو الروحي
صراع بين الحب والثقافة الاستهلاكية يكشف كيف يدفع السعي للكمال المادي إلى توتر العلاقات الزوجية في المجتمع السعودي


في عالم يتباهى فيه الناس بما يملكون، تحوّلت العلاقات الزوجية إلى ساحة يتصارع فيها الحب مع الاستهلاك. يتلقّى الزوجان يوميًا رسائل من الإعلانات ومؤثرين على شبكات التواصل الاجتماعي تقول لهم إن السعادة تُقاس بحجم المنزل أو ماركة السيارة أو قيمة الهدايا، وإن من لا يلبي هذه المقاييس المادية ينقصه شيء. هكذا يتسلل مفهوم الثقافة الاستهلاكية إلى عالم الأسرة، فيفرض عليه مقاييس لا علاقة لها بالقيم التي بُنيت عليها العلاقات الصحية.

لم يعد الحديث مقتصرًا على توفير الحاجات الأساسية، بل أصبح بعض الأزواج والزوجات يقيّمون نجاح العلاقة بناءً على القدرة على شراء الكماليات وتكريس صورة "الكمال المادي". في المجتمع السعودي، تتجلى هذه الظاهرة في حفلات الزفاف الباذخة، والسباق إلى أحدث الهواتف، والضغط لشراء مجوهرات وسيارات فاخرة. تنسى بعض النساء أن الرجل شريك حياة وليس صرافًا آليًا، في حين ينسى بعض الرجال أن المرأة ليست سلعة تضاف إلى قائمة الممتلكات. هذه الرؤية تجعل الطرفين أسرى لنزعة استهلاكية لا تشبع، فتذوب في ذهنية "أريد المزيد" و"أستحق الأفضل"، مما ينتهي إلى توتر وسخط دائمين.

هذا الانفصام بين الواقع والتوقعات مثير للتساؤل: ما الذي نبحث عنه حقًا في العلاقة؟ هل هي الراحة المادية التي تضمن حياة كريمة، أم أن هناك قيمًا أعمق؟ الثقافة الاستهلاكية تخلق وهمًا بأن السعادة يمكن شراؤها، لكنها تهمل حقيقة أن الأشياء تفقد بريقها سريعًا. علم النفس يتحدث عن "تأقلم المتعة"؛ أي أن متعة الحصول على شيء جديد تتلاشى بعد وقت قصير، فنبحث عن شيء آخر لنملأ الفراغ. أما الشعور بالحب والاهتمام والدعم فله طابع مختلف؛ فهو ينمو مع الزمن ويزداد عمقًا عندما يُروى بالرعاية والاحترام.

الإسلام كرؤية حضارية يواجه الثقافة الاستهلاكية بمنطق الوسطية والاعتدال. يقول تعالى في وصف عباد الرحمن: «وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا» (الفرقان: 67)، ويقول في آية أخرى: «وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا» (القصص: 77). هاتان الآيتان ترسمان معالم الاستهلاك الرشيد: ليست المشكلة في الإنفاق بذاته، بل في جعله هدفًا بحد ذاته وتعريض النفس للمهانة حين يتحول الإنفاق إلى استعراض. النبي محمد صلى الله عليه وسلم دعا إلى الاعتدال في المهر والنفقة، وامتدح المرأة التي تعين زوجها على نوائب الدهر وتقدر جهده، لأن ذلك يعبر عن فهم عميق لجوهر العلاقة.

من منظور فلسفي، الثقافة الاستهلاكية تزرع في الأذهان فكرة أن القيمة تُقاس بالمال. لكن المفكرين يؤكدون أن الإنسان يحتاج إلى ما هو أبعد من الأشياء؛ يحتاج إلى معنى يشعره بأنه جزء من شيء أكبر. الكتب والأفكار والسفر الروحي أكثر قدرة على بناء شخصية متوازنة من حقيبة فاخرة أو ساعة ثمينة. الفيلسوف الألماني إريك فروم ميّز بين "الوجود" و"الامتلاك": الأول يقوم على التجربة والعطاء والتفاعل، والثاني يقوم على جمع الأشياء وخزنها. من يعيش في الوجود، يجد السعادة في المشاركة والكرم؛ ومن يعيش في الامتلاك، يظل قلقًا من فقدان ما يملك.

إن المرأة التي تطالب زوجها بحياة مادية باذخة دون أن تسأل نفسها "هل لديك قيمة تضيفينها لزوجك تعادل ما تطالبينه منه؟" تقع في فخ الاستهلاك. فهي تطلب الكثير لكنها تقدم القليل من الدعم الروحي والمعنوي، فتتحول العلاقة إلى عبء ثقيل على الزوج. والرجل الذي يقيس نجاحه بما يشتريه لزوجته قد ينسى أن زوجته تحتاج إلى وقتِه وحنانه أكثر من هدية باهظة. هذه المعادلة الظالمة تسحق الطرفين وتدفعهما نحو صراع دائم.

لتجنب هذا المأزق، يجب إعادة تعريف النجاح في العلاقة الزوجية. النجاح لا يعني مسابقة جيرانك في عدد القوارب أو الهواتف، بل يعني القدرة على بناء بيت يُشعر الطرفين بالأمان والسكينة. يمكن للزوجين الاستثمار في التعليم والتجارب المشتركة مثل السفر لأداء العمرة، أو حضور دورات تطوير الذات، أو قراءة كتاب معًا، بدلاً من شراء أشياء ستُهمَل بعد أسابيع. هذه الأنشطة تبني الذاكرة المشتركة وتعزز التواصل.

ختامًا، الثقافة الاستهلاكية تشوه نظرتنا للعلاقات وتجعلنا نطارد سرابًا لا ينتهي. ما لم نتوقف عن مقارنة حياتنا بالصور البراقة على منصات التواصل الاجتماعي، ونعيد الاعتبار للقيم الروحية والإنسانية، ستظل العلاقة الزوجية عرضة للاضطراب. ليس المطلوب أن نتبنى الزهد المطلق، بل أن نوازن بين العمل للدنيا والدار الآخرة، وأن نتذكر دائمًا أن قيمة الإنسان تُقاس بما يقدمه من حب وإخلاص واحترام، لا بما يمتلكه من أشياء. من يدرك هذه الحقيقة سيجد أن القلب أثمن من أي سلعة، وأن شراكة الروح أقوى من أي صفقة مادية.