تناقضات المساواة بين المرأة والرجل: عندما تطالب المرأة بالمساواة وتتمسك بالامتيازات التقليدية
تستكشف هذه المقالة التناقضات بين شعارات المساواة وتوقعات النساء في المجتمع السعودي، حيث تطالب بعض النساء بالمساواة مع الرجال في الحقوق والفرص بينما يصررن على التمسك بالامتيازات التقليدية التي تمنحها الثقافة للرجل. يناقش المقال هذه الظاهرة من منظور نفسي وفلسفي وديني ويحث على التوازن بين الواجبات والحقوق وقيمة المرأة الحقيقية.

في السنوات الأخيرة ارتفعت الأصوات المطالبة بالمساواة بين المرأة والرجل في الحقوق والفرص، وصار هذا الشعار جزءًا من الخطاب العام في المجتمع السعودي وغيره من المجتمعات العربية. غير أنّ هذه الأصوات غالبًا ما تُغيب جانبًا مهمًا من النقاش، وهو التوازن بين الحقوق والواجبات. فالمطالبة بالمساواة ليست مجرد ردة فعل على قرون من الهيمنة الذكورية، بل هي مشروع اجتماعي وثقافي يتطلب إعادة صياغة الأدوار وتوزيع المسؤليات على نحو عادل.
لكننا نلاحظ في أحاديث بعض النساء تناقضات واضحة؛ فمن جهة يُصررن على المساواة التامة مع الرجل في التعليم والعمل والقرار، ومن جهة أخرى لا يزلن يتمسكن بالامتيازات التقليدية التي تمنحها الثقافة للرجل كإلزامه بالإنفاق الكامل، وتحمل عبء المسؤولية المالية حتى لو كانت المرأة تعمل وتملك دخلاً جيدًا. هذه الازدواجية تخلق حالة من التوتر النفسي لدى الطرفين، لأن المساواة الحقيقية تستلزم استعدادًا للتخلي عن امتيازات قديمة مقابل مكتسبات جديدة.
في القرآن الكريم نجد توجيهًا واضحًا للعدل والتوازن بين الجنسين: "وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ" (البقرة: 228)، أي أن للمرأة من الحقوق مثل ما عليها من الواجبات. هذا النص يُلزم الطرفين بما هو عادل ومُتفق عليه عرفًا. كما أنّ النبي ﷺ أوصى الرجال بالنساء خيرًا، وفي المقابل أوصى النساء بطاعة أزواجهن في غير معصية. فالحقوق في الإسلام مقرونة دائمًا بالمسؤولية. عندما تطالب المرأة بالحرية أو بالاستقلال المالي، فإن ذلك ينبغي أن يُترجم عمليًا في استعدادها لتحمل نصيب من الأعباء لا أن تظل تلك الأعباء حكرًا على الرجل.
علم النفس الاجتماعي يفسر هذه المفارقات بما يُعرف بظاهرة "التنافر المعرفي"؛ حيث يحمل الفرد معتقدين متعارضين في الوقت نفسه، فيؤدي ذلك إلى حالة من عدم الاتساق الداخلي. المرأة التي ترفع شعار المساواة وتستفيد في الوقت نفسه من امتيازات نمطية قد تعاني هذا التنافر دون وعي. وقد بيّنت دراسات أن التنافر المعرفي يولد شعورًا بالقلق والضغط النفسي، وأن تجاوزه يتطلب إعادة النظر في المعتقدات أو تعديل السلوك لينسجم مع المبادئ المُعلنة. لذلك فإن المصارحة مع الذات والبحث عن اتساق بين ما نطالب به وما نمارسه ضروري للحفاظ على علاقات صحية.
من منظور فلسفي، تكلم أرسطو عن العدالة بوصفها إعطاء كل ذي حق حقه، والتمييز بين العدالة التوزيعية والعدالة التصحيحية. العدالة التوزيعية تتعلق بتوزيع الأعباء والموارد بحسب الاستحقاق والكفاءة، وليس بحسب النوع أو الصفة. فإن كانت المرأة تطالب بفرص متساوية في العمل والترقي، فمن العدل أن تشارك أيضًا في تحمل المسؤوليات المشتركة في الأسرة؛ كي لا تتحول العلاقة الزوجية إلى علاقة غير متوازنة يثقل فيها طرف واحد. هذا المنظور ينصف الرجل عندما يرى أنه يُعامل كمحفظة مالية لا أكثر، كما ينصف المرأة عندما تُقدر قيمة ما تقدمه من دعم عاطفي ورعاية وتفوق إبداعي.
إن شعار "القيمة" الذي يردده بعض المفكرين يعني أن لكل فرد شيئًا يقدمه للآخر، وأن العلاقات الناجحة تقوم على تبادل المنفعة والاحترام. عندما تسأل المرأة نفسها: "ما القيمة التي أضيفها لشريكي؟" فإنها تفتح بابًا مهمًا لفهم ذاتها وتعزيز موقعها في العلاقة. وإذا اكتشفت أن مساهمتها ليست متوازنة مع ما تطالب به، فذلك لا يعني التخلي عن حقوقها بل مراجعة أولوياتها وتطوير مهاراتها.
في النهاية، المساواة بين المرأة والرجل ليست شعارًا يرفع في المناسبات، بل عملية معقدة تتطلب صدقًا مع الذات واستعدادًا للتغيير. لا يمكن للمرأة أن تنال حريتها كاملة بينما تتمسك في الوقت نفسه بالامتيازات القديمة، ولا يمكن للرجل أن يطالبها بالمشاركة وهو لا يمنحها فرصًا حقيقية للمساهمة. إنّ بناء مجتمع عادل يبدأ من الأسرة، حيث يتعلم كل فرد أن حقوقه مرتبطة بواجباته، وأن التوازن هو السبيل الوحيد لخلق شراكة حقيقية تقوم على الاحترام المتبادل والقيمة المضافة من كلا الطرفين.