المقارنة بين شريك حياتك والآخرين تدمر العلاقة وتظلم الرجل
تلجأ بعض النساء إلى مقارنة أزواجهن برجال آخرين، لتسقط العلاقة في فخ السباق المحموم وتتحول الحياة الزوجية إلى ميدان للاختبار الدائم. يناقش المقال تأثير ثقافة الاستهلاك والمقارنات الصاعدة على رضا الزوجة وثقة الرجل بنفسه، ويقدم نظرة نفسية وإسلامية وفلسفية حول مخاطر المقارنة الدائمة وكيف تظلم الرجل وتقوض السعادة الزوجية. يدعو المقال إلى التقدير والرضا ووضع حدود حقيقية للعلاقة بعيداً عن ابتزاز المقارنة، ويسأل: هل لديك قيمة تضيفينها لزوجك تعادل ما تطالبينه به؟
لا يوجد ما يحطم قلب رجل ملتزم مثل أن تصبح زوجته آلة مقارنة. تراقب الآخرين وتعاير زوجها بما لديهم، فتتحول العلاقة الحميمة إلى سباق وهمي يخرج منه الخاسر الوحيد هو الرجل الذي يجتهد ليكون شريكاً صالحاً لكنه لا ينجو من ميزان منقوص. إن المرأة التي لا ترى في زوجها إلا ظل رجال آخرين تجعل حياتها ساحة اختبار دائمة، وتنسى أن قيمة الإنسان لا تقاس بأرقام ولا بألقاب.
ما الذي يدفع بعض النساء إلى هذا السلوك؟ ربما هو تأثير ثقافة الاستهلاك التي تقيس النجاح بالمظاهر وتدفع الناس إلى مقارنة أنفسهم بغيرهم. دراسة حديثة أشارت إلى أن الأزواج الذين يجرون مقارنات صاعدة مع علاقات أفضل يشعرون بسوء أكبر تجاه أنفسهم وشركائهم وأن هذه المقارنات المتكررة تنبئ بانخفاض رضاهم عن العلاقة بعد ستة أشهر. عندما تقارن المرأة زوجها برجال “أفضل” فإنها لا تخلق ضغطاً على نفسها فقط، بل تضرب ثقة الرجل في نفسه وتدفعه للشعور بأنه دائمًا أقل قيمة مهما قدم.
التأثيرات النفسية للمقارنة
المقارنة ليست مجرد فكرة عابرة؛ هي عملية نفسية معقدة تؤثر على تقدير الذات والشعور بالسعادة. علم النفس يشير إلى أن المقارنات الصاعدة تثير التشاؤم وتخفض الرضا، في حين أن المقارنات النزولية قد تخلق شعوراً زائفاً بالتفوق لكنها تقود إلى التراخي. في الواقع، إن ما يُفسد العلاقات هو عدم الرضا الدائم؛ فالمرأة التي ترى أن سعادتها رهن بما يملك الآخرون لا تشبع أبداً، والزوج الذي يجد نفسه دائماً في مقارنة مع غيره يفقد رغبته في العطاء.
في الثقافة الإسلامية نجد قيمة كبيرة للرضا والشكر. القرآن يذكر أن السكن والمودة والرحمة أساس العلاقة الزوجية، وليست المقارنة والغضب. وقد شدد الفقهاء على أن الزوج والزوجة كل منهما ستر للآخر، وأن النظر إلى محاسن الشريك خير من التحديق في نواقصه. الفلسفة اليونانية كذلك حذرت من الحسد بوصفه عدو السعادة، فكيف نبيح لأنفسنا أن نحيا على مفردات الحسد ثم نتوقع علاقة متوازنة؟
لماذا يدفع الرجل الثمن؟
تتبنى بعض النساء في مجتمعنا تصوراً بأن الرجل آلة تلبية رغبات. فهي تنظر إلى أزواج صاحباتها وتنسى ظروفها وظروف زوجها، وتطالب بما يفوق قدرته ثم تتهمه بالتقصير إذا عجز. هذه النظرة ليست عادلة ولا موضوعية، إنها شبيهة بما تحدثت عنه الأديبة الجدلية الشهيرة التي وصفت كيف تتحول المرأة إلى طفيلي اجتماعي يعيش على جهد الرجل دون أن تعترف بذلك. هنا يصبح الرجل محكوماً بمنطق لا عقلاني: مهما فعل فإنه سيبقى أقل من الآخرين، ومهما قدم فلن يُرضي. أي ظلم أكبر من هذا؟
الرجل حين يشعر أن ما يفعله لا يُقدّر ينكمش قلبه وينسحب. كما أن الضغوط النفسية الناتجة عن المقارنات تؤثر على صحته النفسية. أظهرت دراسات أن الرجال يتأثرون أكثر بتقلبات العلاقات من النساء وأن تعرضهم لانتقادات مستمرة يرفع مستويات التوتر والاكتئاب لديهم. لذلك فإن إصرار المرأة على المقارنة قد يدفع الرجل إلى الانعزال أو حتى البحث عن شريكة تقدر قيمته بعيداً عن تلك المقارنة المؤلمة.
ما الحل؟
الحل يبدأ من إدراك المرأة أن المقارنة سيف ذو حدّين يجرحها قبل أن يجرح زوجها. الحياة ليست مسابقة ولا علاقة الزواج منصة جوائز. على كل طرف أن يركز على تطوير ذاته وعلى بناء علاقة متوازنة تقوم على الاحترام المتبادل والتقدير. العدل يقتضي ألا تُحمّل الرجل ما لا يطيق، وألا يُقاس بما عند الآخرين، بل بما يستطيع أن يقدمه وبما يقدمه بالفعل. كما يجب على الرجل أن يكون صريحاً في وضع الحدود، فلا يسمح أن تتحول المقارنة إلى ابتزاز عاطفي.
أخيراً، دعينا نسأل: هل تريدين زوجاً حقيقياً يشاركك حياته أم تريدين قائمة مشتريات بشرية؟ هل تملكين قيمة تضيفينها لحياته تعادل ما تطالبينه به؟ إن لم يكن لديك ما تضيفينه فسوف تخسرينه حتماً، فلن يبقى رجل قلبه مثقوب بقائمة مقارنات لا تنتهي.






