تلوث الهواء: أسبابه وآثاره وطرق الوقاية منه
وقد ثبت أن ملوثات الهواء تتسبب في موت حوالي 50,000 شخصا سنويا (تمثل هذه النسبة حوالي 2 % من النسبة الإجمالية للمسببات الأخرى للموت). وفي الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام العالمي بمشكلة تلوث الهواء وما يصاحبها من تأثيرات علي الصحة العامة من الباحثين في مجال الصحة العامة ومن منظمات وهيئات حماية البيئة والمصانع بالإضافة إلي عامة الناس وذلك للارتباط الشديد بين هذه المشكلة وبين انتشار أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب وحالات الوفاة الناتجة عنها
على مرّ التاريخ وتعاقب العصور لم يسلم الهواء من التلوث بدخول مواد غريبة عليه مما يهلك الحرث والنسل كالغازات والأبخرة التي تتصاعد من فوران البراكين أو تنتج عن حرائق الغابات سواء كان الحرق بعمد أو بغير عمد وارتفاع درجات الحرارة فـي بعض مواسم الصيف أو التي تنجم عن ورود الأتربة والكائنات الحية الدقيقة المسببة لمختلف الأمراض. لكن المشكلة الحقيقية لتلوث الهواء قد برزت مع التصنيع وانتشار الثورة الصناعية في العالم، ثم مع هذه الزيادة الرهيبة في عدد السكان، وازدياد عدد وسائل المواصلات وتطورها، واعتمادها على المركبات الناتجة من تقطير البترول كوقود. ولعل السيارات هي أسوأ أسباب تلوث الهواء بالرغم من كونها ضرورة من ضروريات الحياة الحديثة، إلا أنها تنفث كميات كبيرة من الغازات التي تلوث الجو، كغاز أول أكسيد الكربون السام، والمركبات العضوية المتطايرة المسببة لمرض السرطان وغيرها.
وقد ثبت أن ملوثات الهواء تتسبب في موت حوالي 50,000 شخصا سنويا (تمثل هذه النسبة حوالي 2 % من النسبة الإجمالية للمسببات الأخرى للموت). وفي الآونة الأخيرة، تزايد الاهتمام العالمي بمشكلة تلوث الهواء وما يصاحبها من تأثيرات علي الصحة العامة من الباحثين في مجال الصحة العامة ومن منظمات وهيئات حماية البيئة والمصانع بالإضافة إلي عامة الناس وذلك للارتباط الشديد بين هذه المشكلة وبين انتشار أمراض الجهاز التنفسي وأمراض القلب وحالات الوفاة الناتجة عنها. ويقصد بتلوث الهواء أية تغيرات يحدثها النشاط الإنساني بصورة مباشرة أو غير مباشرة، في الصفات الكيميائية أو الفيزيائية، أو الإثنين معا، والتي من شأنها أن تضر بصحة الإنسان والحيوان والنبات والبيئة بصفة عامة. ولتلوث الهواء مصادر عديدة بعضها طبيعي وبعضها بفعل الإنسان وينشأ عن هذه المصادر ملوثات كثيرة منها ما هو خطر على صحة الإنسان ورفاهيته والبيئة المحيطة به، فعلى سبيل المثال، في السنوات الأخيرة، وصل عدد السيارات في العالم إلى ما يزيد عن المليار (ألف مليون) سيارة تجوب الطرق وتنفث عوادمها إلى البيئة المجاورة والمحيطة وتؤثر بصورة سلبية ومباشرة على جودة الهواء وصحة الناس وكل عناصر البيئة الأخرى. وتختلف ملوثات الهواء المنبعثة من السيارة في نوعياتها وكمياتها حسب نوع الوقود المستخدم في السيارة. وتشمل أنواع الوقود المستخدمة في السيارات الجازولين (أو ما يسمى تجاريا البنزين 91 و95) والديزل. ولكل نوع من هذين النوعين طبيعته وصفاته الفيزيائية والكيميائية الخاصة به. ومن أهم ملوثات الهواء الشائعة التي تستحوذ على الاهتمام الشديد من كافة الأفراد والهيئات في العالم كله هي الجسيمات العالقة في الهواء (أو الأتربة) وغاز أول أكسيد الكربون وغاز ثاني أكسيد الكبريت وغاز ثاني أكسيد النيتروجين وغاز الأوزون والمواد العضوية المتطايرة. وتعتبر الأتربة من أخطر هذه الملوثات نظراً لتعدد مصادرها وسرعة انتشارها، وعبارة عن خليط بين العديد من المكونات الناتجة من الآليات والعمليات الطبيعية مثل حرائق الغابات والحمم البركانية أو المتعلقة بالنشاط البشري مثل المصانع وحركة السيارات، وعمليات الهدم والبناء وغيرها. وعندما يتنفس الإنسان يدخل الهواء من فتحتي الأنف فتقوم الشعيرات الدقيقة بترشيح الهواء وحجب معظم المواد العالقة التي يزيد قطرها عن 10 ميكرومتر، أما الدقائق (الأتربة الناعمة) التي تتراوح أقطارها من 0.1 إلي 5 ميكرومتر فإنها تدخل الرئتين وتترسب علي سطحها الداخلي وتتجمع في الجزء الأسفل من الرئة وتترسب علي جدران الحويصلة الهوائية مسببة مرض الحساسية والربو وانتفاخ الرئة. ويرتبط زيادة تركيزات الأتربة العالقة في الهواء ذات الأحجام الصغيرة بعدد من الدلائل والأعراض المرضية مثل الزيادة في دخول المستشفيات والوفيات والأمراض الصدرية والقلبية. وبالإضافة إلي تأثيرها السلبي علي الصحة، فإنها تؤثر سلبا أيضا علي مدى الرؤية والتي تتسبب في العديد من الحوادث وبخاصة في الطرق السريعة حيث لا يري سائقو السيارات من أمامهم إلا لبضعة أمتار فقط في بعض الأحيان نتيجة زيادة تركيزات الأتربة في الجو. كما أن تلوث الهواء بالأتربة والضباب والدخان والسناج (الهباب أو الأتربة السوداء) يؤدي إلى اختزال كمية أشعة الشمس التي تصل إلى الأرض، ويؤثر ذلك على نمو النباتات وعلى نضج المحاصيل، كما تقل كفاءة عملية التمثيل الضوئي، وتتساقط زهور بعض أنواع الفاكهة ومعظم الأشجار دائمة الخضرة. وتؤثر الأتربة أيضا على الطقس إما بطريقة مباشرة من خلال امتصاص أو تشتيت الأشعة، أو بطريقة غير مباشرة من خلال تغيير عمق وخصائص السحب. كما أن للأتربة الدقيقة أيضا تأثيرا فعالا على ظاهرة التدفئة الكونية والتي تؤدي إلى التزايد المستمر في درجة حرارة الكرة الأرضية. ويرجع تغير لون المباني والمظهر العام لها أساسا إلى ترسب الأتربة والجسيمات عليها وبخاصة السناج.
ويمكن تقليل تركيزات هذا النوع من الملوثات بالعديد من الوسائل والتوصيات العملية والتي تساهم بشكل كبير في الحفاظ على بيئة نقية وصحية لأي مدينة حضرية بشكل عام، ومن أهم هذه التوصيات ترتيب حملة توعية مكثفة على جميع المستويات وباستخدام كل الوسائل الإعلامية الممكنة لتبيان المخاطر والآثار السلبية الناجمة عن التعرض لملوثات الهواء بشكل عام والأتربة بشكل خاص ودور السلوكيات الخاطئة في انبعاث المزيد منها في الهواء الجوي. وتشمل التوصيات أيضا التوسع في بناء طرق جديدة تحتوي علي كباري وأنفاق وبخاصة عند الإشارات والتقاطعات الحيوية والتخطيط الجيد للمدن لمنع الازدحام المروري قرب التجمعات السكنية والمدارس والمستشفيات وزيادة عدد الأشجار والحدائق العامة التي تساعد في عملية اصطياد الأتربة وتخفيف تركيزاتها في الجو مع استمرار عمليات كنس وتنظيف الشوارع أولا بأول ورش الطرق الغير مرصوفة بالماء تجنبا لإثارة أتربة الشارع أثناء سير السيارات عليها إضافة إلى تشديد الرقابة على المصانع والمطاعم للحد من انبعاث الملوثات وعلى إجراءات فحص عوادم السيارات وتشجيع وإنشاء وسائل النقل العام والتي تساهم بشكل جيد في تقليل عدد السيارات وبالتالي تمنع أو تقلل من الزحام المروري.
بقلم
د. محمود فتحي الشرقاوي
أستاذ الصحة والسلامة المهنية – قسم صحة البيئة – كلية الصحة العامة
جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل