لماذا تطفو بعض الأشياء وتغرق أخرى؟
مقال يشرح للأطفال سبب طفو الأجسام مثل السفن والخشب وغرق الصخور والمعادن، ويربط ذلك بمبدأ أرخميدس وكثافة المواد بلغة بسيطة.

يفتح الأطفال أعينهم على مشهد مألوف: حصاة صغيرة تختفي في قاع البركة بينما يظل قارب خشبي صغير يطفو على السطح دون أن يغرق. هذه المفارقة الأولى تثير فيهم تساؤلات تشبه تساؤلات الفلاسفة، وتستحق إجابة تتجاوز الجواب السطحي بـ"هذا ما يحدث فقط". في داخل كل ظاهرة قانون خفي يشرح لماذا يحدث ما يحدث، وهذه القوانين هي التي تجعلنا نستطيع بناء سفن عملاقة تبحر في البحار وتترك الحجارة تغوص بصمت في القاع.
السائل الذي يحمل الأجسام
حين يضع أرخميدس نفسه في حوض الاستحمام منذ آلاف السنين ويلاحظ أن مستوى الماء يرتفع كلما غاص جسمه فيه، اكتشف مبدأً سيغيّر فهمنا للطفو إلى الأبد. يدفع السائل الجسم الذي يغمره بقوة تساوي وزن السائل المزاح. إذا كان وزن الماء الذي يزيحه الجسم أكبر من وزنه، فإن الماء يرفع الجسم ويبقيه طافيًا. أما إذا كان وزن الجسم أثقل من وزن الماء المزاح فيغلبه وزنه فيغرق. هذه الكلمات تبدو معادلة جافة، لكنها تصبح حية عندما نتخيل السفن وهي تشق طريقها عبر البحر بسبب تصميمها المجوف الذي يسمح لها بإزاحة كمية كبيرة من الماء. الحجر الصغير، بالرغم من صغره، كثافته كبيرة جدًا بحيث يزيح كمية قليلة من الماء مقارنة بوزنه، وبالتالي لا يجد السائل قوة كافية لتحمله.
حتى الأطفال يعرفون أن الزيت يطفو على الماء، لكن قليلين يربطون هذا بالكتلة والحجم. عندما تفكر في الكثافة — كتلة الجسم مقسومة على حجمه — تدرك أن كل مادة لها توقيعها الخاص. الخشب والزيت أقل كثافة من الماء، ولذلك يطفوان. الحديد والزجاج أكثر كثافة فيغرقان. لكن الجليد؟ إنه ماء أقل كثافة من الماء السائل لأنه يتمدد عند تجمده، ولذا يطفو قطع الجليد في كوب العصير مثل جزيرة صغيرة. هذا التناقض الجميل يجعلنا ندرك أن قوانين الطبيعة ليست مجرد قواعد صارمة، بل هي حكايات عن طريقة ترتيب الجزيئات وكيفية تفاعلها مع الوسط المحيط.
التجربة تغير فهمك
أفضل ما يثبت الأفكار هو التجربة. أعط طفلك إناءً شفافًا واملأه بالماء. اجمع أشياء صغيرة مختلفة مثل قطعة خشب، عملة معدنية، بلاستيك، حصى، وقطعة من الشمع. دع الطفل يخمن أيها سيغرق وأيها سيطفو، ثم جرب ذلك. سيلاحظ الطفل أن الشكل ليس هو ما يحدد المصير، بل المادة نفسها. خذ التجربة خطوة أخرى: أضف الملح إلى الماء وقلبه حتى يذوب. ضع حبة بطاطس أو بيضة في الماء المالحة وشاهد كيف تطفو بعد أن كانت تغرق. إن زيادة الملح زادت كثافة الماء فأصبح قادرًا على رفع أجسام أثقل. هكذا تعمل البحار المالحة مثل البحر الميت، حيث يكون الطفو أسهل من أي مكان آخر.
يمكنك أيضًا صناعة قارب ورقي صغير ومحاولة حمل أوزان مختلفة داخله لمعرفة متى يغرق. سيلاحظ الصغير أن القارب يستطيع حمل وزن حتى لحظة معينة، وبعدها ينهار. هذا الحد الدقيق هو ما يشغل بال مهندسي السفن عند تصميمهم لناقلات الحاويات والعبّارات. إن إدراك هذه المفاهيم البسيطة يمنح الأطفال شعورًا بأنهم قادرون على فهم العالم، ويزرع في نفوسهم فضولًا دائمًا: ماذا لو صنعنا جسماً من مادة جديدة؟ كيف سيطفو أو يغرق؟ لا يبقى الأمر مجرد تسلية، بل يتحول إلى مدخل لعالم الفيزياء.
الطفو ليس سحرًا، بل نتيجة توازن قوى متقابل. وهو يذكرنا بأن الأشياء التي نراها تطفو أو تغوص تخضع لقوانين يمكن تعلمها واستخدامها. عندما يستوعب الطفل أن الحجر يغرق لأنه كثيف وأن القارب يطفو لأنه يزيح كمية من الماء تعادل وزنه، يصبح السؤال التالي: كيف يمكنني استخدام هذا المبدأ في حياتي؟ ربما يصنع قاربًا أكبر، أو يبتكر لعبة جديدة تعتمد على الكثافة. وهكذا تتحول البركة الصغيرة التي بدأ منها السؤال إلى نافذة على محيط واسع من المعرفة.