لماذا لا نشعر بدوران الأرض؟
يتناول المقال تفسير السبب العلمي وراء عدم إحساسنا بدوران الأرض، موضحًا مفهوم العطالة وتأثير الجاذبية والغلاف الجوي بلغة مبسطة للأطفال.

في ليلة صافية يقف طفل صغير في الفناء الخلفي ويتساءل: "لماذا لا نشعر أننا ندور؟"، فيفتح والده ذراعيه وينظر إلى السماء ويبتسم. ربما نسير فوق كرة عملاقة تدور بسرعة هائلة، لكن حواسنا تخدعنا، فالصمت المحيط يجعلنا نظن أن الأرض ثابتة. هذه المفارقة تخفي وراءها قوانين فيزيائية دقيقة تحكم حركة كوكبنا وتفسر إحساسنا بالثبات رغم الدوران المستمر.
حركة دائمة لا تُشعر بها
تدور الأرض حول محورها مرة كل أربعٍ وعشرين ساعة تقريباً، وعلى خط الاستواء تبلغ سرعة الدوران أكثر من ألف وستمئة كيلومتر في الساعة. لو كنّا على متن طائرة تسير بهذه السرعة لشعرنا برياح قوية واهتزاز، فكيف لا نشعر بأي شيء؟ السر يكمن في أن الحركة المنتظمة لا يشعر بها الإنسان إلا عندما تتغير. نحن نشعر بالتسارع أو التباطؤ أو الهزات، لكننا لا نشعر بالحركة المنتظمة. عندما تركب قطاراً يسير بسرعة ثابتة وتشاهد المناظر تمر من نافذتك، تشعر بثبات مقعدك، ولا تدرك السرعة إلا إذا توقّف القطار فجأة أو تغيّرت سرعته. الأمر نفسه يحدث مع دوران الأرض؛ نحن وكل شيء من حولنا – الهواء، البحار، الأشجار وحتى الغلاف الجوي – نتحرك معاً بنفس السرعة وفي نفس الاتجاه، لذا لا يوجد تسارع مفاجئ يجعلنا نشعر بالحركة. يسمى هذا المبدأ "العطالة"، ويعني أن الأجسام تميل إلى المحافظة على حركتها ما لم تتدخل قوة خارجية تغير سرعتها أو اتجاهها.
هناك عامل آخر يجعل دوران الأرض غير محسوس، وهو اتساع حجم الكوكب مقارنة بأجسامنا الصغيرة. تدور الأرض حول نفسها في دائرة يبلغ نصف قطرها أكثر من ستة آلاف كيلومتر، ولذلك فإن مسار حركتنا كأفراد هو جزء صغير جداً من دائرة ضخمة، والتغير في اتجاهنا اللحظي صغير جداً لدرجة أن حواسنا لا تميّزه. حتى الرياح التي نشعر بها ليست بسبب دوران الأرض، بل نتيجة اختلاف درجات الحرارة والضغط. الغلاف الجوي يدور مع الأرض لأنه مرتبط بقوة الجاذبية والاحتكاك مع سطحها، لذلك لا نشعر بأي تدفق هواء ناجم عن دوران الكوكب.
العوامل التي تجعلنا ثابتين
تساعدنا الجاذبية أيضاً على الاستقرار. هذه القوة التي تشد كل شيء نحو مركز الأرض تبقينا متمسكين بسطحها وتمنعنا من الانزلاق أو الطيران بفعل الدوران. عندما تدور في لعبة دوامة بمدينة الملاهي، تشعر بالقوة التي تدفعك إلى الخارج، لكنك لا تطير لأن مقعد اللعبة يمسكك بقوة. على سطح الأرض، الجاذبية تقوم بهذا الدور وتغلب ما يسمى "القوة الطاردة المركزية" الناتجة عن الدوران. لذلك نبقى ثابتين على الأرض حتى مع سرعتها العالية.
بالإضافة إلى ذلك، لا نشعر بدوران الأرض لأننا نشأنا وتطوّرنا ضمن هذا النظام المتحرك. دماغنا وأعضاؤنا الحسية تكيفت مع هذه البيئة، فأصبح الثبات بالنسبة لنا هو حالة الأرض المتحركة نفسها. نحن نلاحظ التغيرات المفاجئة أكثر مما نلاحظ الحالات الثابتة، لهذا أصبح دوران الأرض جزءاً من "الخلفية" التي لا يدركها العقل الواعي.
السؤال الذي طرحه الطفل في بداية القصة يفتح باباً لتأمل أعمق: وراء هدوء صباحنا يكمن عالم من الحركة المستمرة. إن فهم هذا الأمر يمنحك نوعاً من السلطة على معرفتك بالعالم، كما يحرر خيالك من حدود الحواس. فكما يذكرنا روبرت غرين في كتبه بأن القوة تكمن في فهم ما لا يراه الآخرون، يستطيع العالم الصغير أن يدرك أن هناك قوى تعمل في الخفاء، تحرك كل شيء من حولنا رغم سكون الظاهر. وهذا الوعي هو بداية رحلة طويلة في استكشاف القوانين التي تدير الكون.