المرأة العاملة ومسؤولية الأسرة: هل يمكن التوفيق دون تحميل الزوج فوق طاقته؟

المرأة العاملة وتساؤلاتها حول الحقوق والواجبات تستحق نظرة متوازنة، فالتوقعات المالية والاجتماعية من الزوج لا يجوز أن تطيح بالعدالة في تقسيم المسؤوليات. هذا المقال يناقش كيف يمكن للزوجين التوفيق بين العمل وحياة الأسرة، وما إذا كان من المنصف مطالبة الرجل بتحمل خدمات الخادمات والحضانات، ويركز على أهمية القيمة التي تضيفها المرأة في حياة الرجل وأن تمنح الزوج اهتماماً ودعماً عاطفياً بدلاً من تحويل العلاقة إلى صراع مادي.

المرأة العاملة ومسؤولية الأسرة: هل يمكن التوفيق دون تحميل الزوج فوق طاقته؟
بين تحقيق الذات وتحمل المسؤولية، المرأة العاملة تطالب بالإنصاف دون أن تتحول الحياة الزوجية إلى عبء مالي ونفسي على الرجل


مقدمة: بين الذات والمسؤولية

فى ظل التحولات الاجتماعية المتسارعة أصبحت المرأة السعودية فاعلاً أساسيا في سوق العمل. هذا التحول لم يأخذ دائماً فى الاعتبار توزيع الأدوار داخل الأسرة. فمع خروج المرأة للعمل لم ينخفض حجم المسؤوليات المنزلية أو التربوية، بل بقيت قائمة وغالباً ما تُنقل إلى الخادمة أو الحضانة. هذا الانفصام بين الذات المهنية والواجبات المنزلية يخلق توتراً لدى كلا الطرفين، وقد يسيء فهم قيمة الرجل ودور المرأة في الأسرة.

الحقوق والواجبات بين الشركاء

تأخذ كثير من النساء العاملات اليوم من أزواجهن موقف «الداعم المالي»، فهن يطالبن بأن يتحمل الرجل تكاليف الخادمة ورعاية الأطفال إضافة إلى كافة النفقات الأخرى. هذا الموقف يجعل الرجل يشعر وكأنه مجرد صرّاف، بينما يكاد يغيب السؤال الأهم؏ ما هي القيمة التي تضيفها المرأة لحياة زوجها وأسرتها مقابل ما تطالبه به؟ عندما نسأل هذا السؤال بصدق نجد أن المشاركة ليست مجرد تقسيم للفواتير بل هي إحساس بالمسؤولية والالتزام المتبادل. في التراث الإسلامي الحديث الشريف «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» يؤكد المسؤولية المشتركة، ويشير إلى أن كل طرف يجب أن يعتني بدوره تجاه الآخر دون تعسف أو إفراط.

الاستقلالية الاقتصادية لا تعني التنازل عن الأسرة

يرى بعض علماء الاجتماع أن النساء العاملات في العصر الحديث يتبنين خطاباً يقوم على الاستحقاق الكامل: «أنا أعمل إذن يجب على زوجي أن يعوضني عن كل شيء آخر». بينما يبين علم النفس أن هذا الاستحقاق يقود إلى شعور مزمن بالظلم وعدم الرضا، لأن العلاقة الزوجية تتحول إلى علاقة تجارية تقوم على العطاء المادي فقط. يساعدنا الفقه على فهم أن النفقة واجبة على الرجل، لكن ذلك لا يعني أن المرأة لا تساهم بقيم معنوية وعملية في الأسرة. فالعطاء لا يقتصر على المال بل يتعداه إلى الاهتمام والتعليم والعاطفة والمساندة. عندما تدرك المرأة ذلك ستحافظ على أسرتها وتكسب احترام زوجها دون صراع.

بين التوازن والتفريط

عند الحديث عن المرأة العاملة يجب أن نميّز بين الطموح المشروع والتفريط فى واجبات الحياة الزوجية. ليس من العدل أن تتحمل المرأة أعباء العمل والمنزل وحدها، كما ليس من العدل أن يطالب الرجل بدفع تكاليف إضافية لتغطية كل شيء دون أي تقدير لقيمته الإنسانية. الحل الوسط يكمن في الحوار الصريح ووضع جدول للأولويات يراعى احتياجات الأطفال ودعم الزوج، مع إمكانية تقليل ساعات العمل أو البحث عن حلول أكثر إبداعًا مثل العمل الجزئي أو العمل من المنزل. من المنظور الفلسفي فإن قيمة الإنسان تقاس بما يقدمه للآخرين، وليس بما يحصل عليه منهم. إذا كانت المرأة تضيف لأسرتها الحكمة والرعاية والعاطفة إضافة إلى مساهمتها المالية فستزداد قيمتها ويتعزز استقرار الأسرة.

الشراكة الحقيقية طريق الاستقرار

إن خروج المرأة للعمل فرصة للتعبير عن ذاتها وتحقيق طموحاتها، لكنه لا يبرر إهمال دورها في البيت أو تحميل الرجل فوق طاقته. الشراكة الزوجية الناجحة تقوم على توزيع الأدوار بإنصاف، والاعتراف بأن كلا الطرفين لديه مسؤوليات وحقوق. على المرأة أن تسأل نفسها: هل تضيف قيمة حقيقية لحياة زوجها وأسرتها؟ فإذا كانت الإجابة بنعم فإن مطالباتها ستبدو منطقية، وإذا كانت الإجابة بلا فإن استمراريتها في العمل على حساب بيتها قد يؤدي إلى نتائج مؤلمة. الاختيار بين الذات والمسؤولية ليس معادلة صفرية، بل يمكن للمرأة أن تحقّق ذاتها وتسهم في استقرار أسرتها في آن واحد.