التنوع العصبي: فهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه وبناء مجتمع شامل
يتناول هذا الموضوع التنوع العصبي وفهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، ويستكشف أهمية الاعتراف بقدرات وتحديات هؤلاء الأفراد وتطوير طرق تعليمية وعملية واجتماعية شاملة. يوجه المقال القراء إلى كيفية بناء مجتمع يقبل الاختلافات العصبية ويعمل على تمكينهم، من خلال استراتيجيات دعم الأسرة والمدرسة والعمل.

كثيراً ما يُنظر إلى اختلافاتنا العصبية على أنها عيوب يجب معالجتها، غير أن مفهوم التنوع العصبي يدعونا لإعادة التفكير في هذه الرؤية والتعامل مع الاختلافات العصبية على أنها أشكال طبيعية من التنوع البشري، فالتنوع العصبي يشمل حالات مثل اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه، وطيف التوحد، واضطرابات التعلم، وغيرها من الأنماط العصبية التي تجعل من أصحابها يفكرون ويشعرون ويتصرفون بطرق مختلفة عن السائد، وإدراكنا لهذه الحقيقة يساعد في بناء مجتمع أكثر شمولاً وتقبلاً، إذ يكف الأشخاص عن محاولة تكييف أنفسهم مع معايير غير واقعية ويبدأون في استثمار نقاط قوتهم الفريدة.
فهم اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه
يعد اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه أحد أبرز مظاهر التنوع العصبي، حيث يعاني المصابون به من صعوبة في التركيز والاستمرار في أداء المهام، إضافة إلى نشاط زائد أو اندفاعية، وعلى الرغم من هذه التحديات، فإن كثيراً من المصابين يظهرون إبداعاً وقدرة على التفكير خارج الصندوق وطاقة عالية يمكن توظيفها بإيجابية، وتعتمد عملية التشخيص غالباً على تقييم سلوك الفرد في بيئات مختلفة ومقارنته بالمعايير التشخيصية، إلا أن فهم هذا الاضطراب يحتاج إلى تفهم بيئي وأكاديمي وعائلي يوفر الدعم بدل الحكم، فبدلاً من وصف الطفل أو البالغ بالكسل أو الفوضى، يمكن تهيئة بيئة تعليمية وعملية تركز على نقاط قوته وتستخدم استراتيجيات تَعلُّم بديلة تساعده على تنظيم وقته وتحويل انتباهه.
من المهم الاعتراف بأن اضطراب فرط الحركة وتشتت الانتباه ليس عائقاً أمام النجاح، بل هو طريقة مختلفة للتعامل مع المعلومات تحتاج إلى إدارة مناسبة، فوجود معلمين ومدربين يفهمون خصائص هذا الاضطراب يمكن أن يغير مجرى حياة الطالب، كما أن استراتيجيات مثل تقسيم المهام إلى أجزاء أصغر، واستخدام الأدوات البصرية، وتوفير فترات استراحة منتظمة، تعزز قدرة المصاب على الاستمرار في التركيز، إضافة إلى إمكانية الاستعانة بالعلاج السلوكي أو الدوائي تحت إشراف متخصص عند الحاجة.
نحو مجتمع يتقبل التنوع العصبي
قبول التنوع العصبي يتطلب تغييراً ثقافياً شاملاً يتجاوز الفصول الدراسية ليشمل بيئات العمل والأسرة ووسائل الإعلام، فوسائل الإعلام التي تبرز شخصيات ناجحة من ذوي الاختلافات العصبية تسهم في كسر الصور النمطية وإظهار أن النجاح لا يقتصر على قالب واحد من التفكير، كما أن أماكن العمل التي توفر سياسات مرنة وتكييفات معقولة تستطيع الاستفادة من المهارات الفريدة للأفراد ذوي التنوع العصبي، مثل التفكير الإبداعي والانتباه للتفاصيل.
كذلك ينبغي نشر ثقافة التعاطف والتفهم في المجتمع، بحيث يصبح السؤال ليس كيف يمكن للأفراد ذوي الاختلافات العصبية التكيف مع نظام صُمم لغيرهم، بل كيف يمكن للنظام أن يتكيف ليشملهم، وهذا يشمل تعديل المناهج التعليمية، وتدريب المعلمين على استخدام طرق تدريس متنوعة، وتوفير الدعم النفسي للأسر، إضافة إلى تشجيع الأفراد أنفسهم على التعبير عن احتياجاتهم وطلب المساعدة دون شعور بالعار أو الخجل.
عندما نتبنى مفهوم التنوع العصبي، فإننا نسهم في بناء مجتمع يحتضن الجميع ويعترف بأن لكل فرد طريقته الخاصة في التعلم والعمل والإبداع، وهذا لا يثري فقط حياة الأشخاص ذوي الاختلافات العصبية، بل يثري المجتمع ككل من خلال تعزيز الابتكار وتوسيع نطاق وجهات النظر، فمن خلال الاعتراف بالقدرات الكامنة خلف ما نعده اختلافاً، نفتح الأبواب أمام مستقبل أكثر إنصافاً وتنوعاً وشمولية.