الرجل ليس آلة لتحقيق رغباتك: أثر التوقعات غير الواقعية على الشراكة الزوجية

تناول هذه المقالة العلاقة بين التوقعات غير الواقعية التي ترسمها بعض النساء للرجل ودورها في تحويله إلى آلة لتحقيق رغبات بلا نهاية، وكيف تؤدي هذه التوقعات إلى ضغط نفسي وعاطفي يمزق الروابط الزوجية، مع دعوة لإعادة النظر في مفهوم المشاركة والقيمة المتبادلة.

الرجل ليس آلة لتحقيق رغباتك: أثر التوقعات غير الواقعية على الشراكة الزوجية
حين تتحول التوقعات غير الواقعية إلى عبء يدفع الرجل بعيدًا ويحول العلاقة الزوجية إلى معركة بين الواقع والحلم


في عالم اليوم المزدحم بالصور المثالية والقصص الخيالية، تصطدم العلاقات الواقعية بجدار التوقعات غير المنطقية. كثيرات يتصورن أن الرجل يجب أن يكون ذلك البطل الخارق الذي يوفر كل شيء بلا تعب: أن يكون شهماً وحنوناً وصبوراً وصاحب مال وسلطان في آن واحد. هذا المزيج من الصفات يصعب أن يجتمع في إنسان واحد، ومع ذلك يتحدث البعض عن "الرجل الكامل" وكأنه معيار لا يقبل التفاوض. حين تُبنى العلاقة على هذه الصورة، يتحول الرجل إلى آلة هدفها إرضاء رغبات لا تنتهي.

إن الأساطير التي نشأنا عليها، من قصص الأمير الذي يتخلى عن كل شيء لينقذ الأميرة، إلى السينما التي تروج لفكرة الرجل الذي يتحمل كل الضغوط في سبيل إسعاد شريكته، ترسخ صورة غير واقعية عن طبيعة العلاقة. فلسفياً، يشير بعض المفكرين إلى الفرق بين المثال والواقع: المثال هو حالة مثالية يستخدمها العقل للإلهام، بينما الواقع يتشكل من البشر بضعفهم وقوتهم. عندما نخلط بين المثال والواقع، نصاب بالإحباط الدائم ونظل نطالب بأشياء قد تكون فوق طاقة الآخر.

من منظور علم النفس، فإن التوقعات غير الواقعية تعد أحد أهم أسباب الشعور بعدم الرضا في العلاقات. الشخص الذي يعتقد أن شريكه قادر على قراءة الأفكار وحل كل المشاكل وتلبية كل الحاجات دون خطأ، يخلق بيئة من الضغط والتوتر. الرجل الذي يعيش تحت سقف من المطالب الكثيرة سيشعر أنه مهما فعل فلن يكون كافيا، وهذا يؤدي إلى انخفاض تقديره لذاته أو إلى رغبة في الهروب من العلاقة. إن النظريات المعرفية تؤكد أن تعديل التوقعات يساعد على بناء علاقات أكثر صحة واستقراراً.

في سياقنا الاجتماعي والديني، هناك توازن بين الحقوق والواجبات. الإسلام يشجع على أن يكون الرجل مسئولاً عن نفقة البيت ورعايته، لكنه في المقابل يجعل الرحمة والمودة والسكينة وظائف مشتركة بين الزوجين. لا يُطلب من الرجل أن يحمل كل الأعباء العاطفية وحده، ولا من المرأة أن تكتفي بالمشاهدة. يقول الله تعالى: \"وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ\" أي المعاملة الحسنة المتبادلة. والحديث النبوي يُذكّر بأن خير الناس خيرهم لأهله، أي أن العطاء متبادل وليس أحادياً.

عندما تواجه المرأة شريكها بقائمة طويلة من الأحلام والمتطلبات دون أن تسأل نفسها عما يمكن أن تقدمه، فإنها تضعه في موقف صعب. يشعر الرجل أنه مهما حاول فلن يرقى إلى المستوى المطلوب. بعض الرجال يستجيبون بمحاولة مضاعفة الجهد، لكن ذلك يرهقهم جسدياً ونفسياً. آخرون قد يختارون الانسحاب، سواء بالانغماس في العمل أو بالبحث عن علاقة يشعرون فيها بالتقدير. إن الضغط المستمر يجعل الرجل يفقد حماسه ويقلل من رغبته في التواصل.

الحل لا يكمن في التخلي عن الأحلام، بل في إعادة تعريفها ضمن حدود الواقع وتعزيز الشراكة. المرأة التي ترغب في علاقة ناجحة عليها أن تنظر إلى الرجل كإنسان يحتاج إلى الدعم والحب، وأن تقدّر ما يقدمه سواء كان مالاً أو حضوراً أو كلمة طيبة. كما يمكنها أن تسهم في تخفيف الأعباء، فالإدارة المشتركة للميزانية، وتقديم الدعم النفسي، وتحمل جزء من المسؤوليات الأسرية يجعل العلاقة أكثر توازناً. كذلك، التواصل المفتوح حول التوقعات والاحتياجات يساعد على تجنب سوء الفهم.

في النهاية، لا يمكن لأي إنسان أن يكون آلة لتحقيق رغبات الآخر، سواء كان رجلاً أو امرأة. العلاقات المتوازنة تقوم على العطاء المتبادل والشعور بالقيمة المشتركة، وليست على قائمة من الطلبات. قبل أن تطالب شريكك بكل شيء، اسأل نفسك: ما الذي أقدمه في المقابل؟ هل أضيف قيمة تمكننا من بناء حياة مشتركة أم أنني أركز على ما ينقصني؟ الإجابة الصادقة تعيد الأمور إلى نصابها وتمنح العلاقة فرصة للنموّ. لقد آن الأوان لإعادة صياغة أحلامنا بحيث تستند إلى الواقع وتنحاز إلى مفهوم الشراكة العادلة، حتى لا يتحول الرجل إلى آلة وتتحول العلاقة إلى مسرح دائم للصراع.