لا تدرّب نفسك على أن تكون شخصية لا تريدها

ما نفعله في الخفاء لا يختفي، بل يبني في صمت ملامحنا الأعمق. كل تكرارٍ لسلوك أو فكرة هو تدريبٌ للعقل على نسخةٍ منّا، فاحذر أن تُدرّب نفسك على أن تكون الشخص الذي لا تريد أن تكونه.

لا تدرّب نفسك على أن تكون شخصية لا تريدها
هل أنت حاليا الشخصية التي تريدها وتمنيتها؟


إن ما نفعله في الخفاء لا يمرّ بلا أثر. ففي الساعات الهامدة، وفي لحظات الضعف والتردّد، تتكوّن اللبنات الأولى لذواتنا. تلك الأفعال الصغيرة التي نظنّها عابرة، هي ما يُشيّد جدران شخصيّتنا، وقد تكون هذه الجدران سياجًا يحمي أو قيدًا يَسجُن.

العقل لا ينسى ما نكرّره، بل يُكافئه. وكلّ مرة نختار فيها الضعف، أو نساوم على القيم، أو نرضى بالسكون بدلًا من المجازفة، فإننا نمنح النسخة الأضعف منّا صلاحية القيادة.

التكرار ليس فعلًا بسيطًا، بل نظام تشغيل متكامل. فالدماغ لا يميّز بين ما هو فضيلة أو رذيلة، بل بين ما يُمارَس وما يُهمَل. فكلّ ما تُكرّره – حتى إن كان حزنًا أو حسدًا أو تسويفًا – يصبح أكثر رسوخًا في الذاكرة، وأكثر قدرة على توجيه السلوك دون إذنك الواعي.

الخطورة لا تكمن في الهفوة ذاتها، بل في اعتيادها. في تطبيع الألم، وفي جعل الاستسلام عادة. نظنّ أننا قادرون على مجاراة أفكارنا السلبية دون أن ندفع الثمن؛ أن نسمح لأنفسنا بجرعة من الإنكار أو نغرق مؤقتًا في دور الضحية ثم ننهض، لكن الحقيقة أعقد من ذلك.

فالدماغ يبني على التكرار، لا على النوايا. وعندما تُمارَس فكرة ما أو شعور ما بشكل متكرّر، فإنه لا يبقى خيارًا، بل يصبح مرجعيّة. وكما أنّ الآلة القديمة تعود للعمل إذا ما انقطعت الكهرباء عن الجديدة، فإنّ العقل يعود إلى المسارات الأقدم حين تضعف الإرادة.

لهذا، لا خيار أمامنا إلا بناء ذاتٍ متفوّقة من خلال التصميم. ذاتٌ لا تتشكّل من ردود الأفعال، بل من الوعي بردّ الفعل. ذات تُهندسها القيم، وتُروى بالإصرار، وتُحمى بالانضباط.

فاحذر أن تدرّب نفسك – دون أن تدري – على أن تكون الشخص الذي تخشاه، لا الذي تطمح إليه.