المسؤولية الاجتماعية وتمكين المرأة

يستكشف هذا المقال كيف يمكن للمسؤولية الاجتماعية للشركات أن تخلق أثرًا إيجابيًا في تمكين المرأة وتعزيز المشاركة الاقتصادية، ويستعرض أمثلة من السعودية والمؤشرات العالمية على فوائد إدماج الاعتبارات الاجتماعية في الاستراتيجيات.

المسؤولية الاجتماعية وتمكين المرأة
المسؤولية الاجتماعية للشركات ودورها في تمكين المرأة وإحداث تغييرات اقتصادية واجتماعية مستدامة


عندما نتحدث عن المسؤولية الاجتماعية للشركات، قد يخطر في أذهاننا الأعمال الخيرية أو التبرعات، لكن الواقع المعاصر يتجاوز ذلك بكثير. توضح تقارير حديثة أن 77٪ من المستهلكين على استعداد لدفع أسعار أعلى لمنتجات الشركات التي تلتزم بجعل العالم مكانًا أفضل، وأن 92٪ من الدراسات تشير إلى أن المبادرات الاجتماعية تحقق عوائد مالية إيجابية. في عالم تعتمد فيه الثقة على ما تعكسه الشركات من قيم، يصبح دمج الاعتبارات البيئية والاجتماعية والحوكمة في الاستراتيجية ضرورة، لا خيارًا. هذه التحولات تعيد صياغة دور الشركة من مجرد منشأة اقتصادية إلى كيان يساهم في تنمية المجتمع، وتحمل في طياتها فرصة لتمكين النساء وإعادة تعريف أدوارهن الاقتصادية.

المسؤولية الاجتماعية تبدأ من الداخل؛ حين تدرك الشركة أن قيمها تُترجم إلى سياسات عملية، تصبح قدرة الموظفات على الازدهار جزءًا من صميم عملها. شهدت السعودية خلال السنوات الأخيرة تحولًا ملموسًا في مشاركة النساء في سوق العمل، حيث ارتفعت نسبة السعوديات العاملات أو الباحثات عن عمل من 17٪ في 2017 إلى أكثر من 36٪ في عام 2025. هذا الإنجاز لم يأتِ من فراغ، بل نتيجة مبادرات وسياسات مدروسة؛ فقد نفذت برامج تدريبية تجاوزت 800 برنامج وأصدرت أكثر من 280 ألف شهادة في مختلف القطاعات مما أسهم في توظيف أكثر من 120 ألف امرأة. كما دعمت وزارة الموارد البشرية والتنمية الاجتماعية برنامج "وصول" لأكثر من 307 آلاف امرأة لتسهيل التنقل وضمان الاستقرار الوظيفي، وأقرت سياسات تكفل المساواة في الأجور وتمديد إجازة الأمومة إلى 12 أسبوعًا. هذه المبادرات هي دليل على أن تمكين المرأة ليس مجرد شعار، بل رؤية تنسجها القرارات والسياسات اليومية.

لكن المسؤولية الاجتماعية لا تنحصر في القطاع العام؛ فالقطاع الخاص في السعودية يقدم نماذج ملهمة. على سبيل المثال، تدعم شركة سابك تمكين المرأة من خلال زيادة عدد النساء في مجالات العلوم والتكنولوجيا والهندسة والرياضيات، ووسعت منحة دراسية لتشمل خريجات المرحلة الثانوية، بحيث أصبحت النساء يشكلن 30٪ من المستفيدين. إن احترام حقوق الإنسان وتوفير بيئة عمل آمنة وأجور عادلة للجميع ليسا مجرد بنود في تقرير، بل أفعال تعيد تشكيل المشهد الاقتصادي والاجتماعي. عندما تلتزم الشركات بتطوير المجتمع من خلال التعليم والصحة والبيئة، فإنها تخلق فرصًا حقيقية للفتيات والنساء لاكتساب المعرفة وبناء مسار مهني مستدام.

في الوقت نفسه، تشير توقعات نمو سوق الاستثمار في المعايير البيئية والاجتماعية والحوكمة في المملكة إلى ارتفاعه من 673 مليون دولار في 2024 إلى 1.8 مليار دولار بحلول 2030. هذا النمو يعكس اتجاها عالميًا نحو دمج المسؤولية في قلب الاستراتيجيات والحوكمة، وهو ما يعني أن الشركات التي تركز على تمكين المرأة ستكون في موقع أفضل لاستقطاب المستثمرين والعملاء والموظفين. المبادرات المحلية والدولية، مثل برامج التدريب القيادي بالتعاون مع مدارس أعمال عالمية التي دربت 1700 امرأة في السعودية، تظهر أن الاستثمار في قيادات نسائية ليس فقط ضرورة أخلاقية بل استراتيجية نجاح.

باعتبارها رائدة أعمال في مجال النشر والتسويق وناشطة اجتماعية في حقوق المرأة، تدرك سمر العتيبي أن خلق قيمة حقيقية يتطلب شجاعة ووضوح رؤية. إن دمج المسؤولية الاجتماعية في عملها يعني توفير فرص عمل متساوية وتشجيع موظفيها على النمو الشخصي والمهني، ودعم مبادرات مجتمعية تُلهم الفتيات لتطوير مهاراتهن. هذا النهج يعكس فهمًا عميقًا بأن الربح والمعنى يمكن أن يسيرا جنبًا إلى جنب؛ فحين تضع الشركة قيمها الإنسانية في صلب أعمالها، لا تزداد قيمتها السوقية فحسب، بل تترك أيضًا أثرًا مستدامًا في حياة الناس.

إن مسؤولية الشركات تجاه المجتمع والبيئة ليست عبئًا، بل هي فرصة لإعادة صياغة النجاح الاقتصادي ليصبح أكثر شمولًا وإنسانية. تمكين المرأة ليس قضية فردية أو قطاعية، بل هو ركيزة من ركائز رؤية المملكة 2030 ورؤية مستقبل العالم. عندما تكون أفعالنا مدفوعة بالتعاطف والرغبة في العطاء، نصنع عالمًا يكون فيه لكل امرأة الحق في تحقيق أحلامها، ونبني شركات تفتخر بانتمائها إلى مجتمع يزدهر بقوة نسائه ورجاله معًا.