تفضيل المنتجات الوطنية: ماذا تعني ولماذا نحتاج مؤشرات لقياسها

ومن هنا تتحتم أهمية التوعية المستمرة والنضج في الوعي لدى المستهلك باهمية دعم الصناعات الوطنية عبر تفضيلها عند الشراء بسبب الفوائد الاستراتيجية مثل دعم الاقتصاد وتوفر الوظائف أو الفوائد العاجلة مثل الجودة والمواصفات والمقاييس المحلية العالية.

تفضيل المنتجات الوطنية: ماذا تعني ولماذا نحتاج مؤشرات لقياسها


قبل عام 1815 ميلادي لم تظهر كلمة المنتج المحلي (local products) في أي من الكتب والمؤلفات المنشورة بأغلب اللغات وبقي استخدام المصطلح محدود حتى عام 1880م حيث بدأ المصطلح بالإنتشار بشكل متسارع في الكتب والمؤلفات حيث تضاعف استخدام المصطلح في عام 1900م ثم تضاعف مرة اخرى في عام 1913م ثم ازداد استخدامة بخمس أضعاف الاستخدام في عام 1937م واستمر بنفس المستوى تقريبا حتى اليوم. وتزامن مع ذلك حركات اجتماعية كثيرة لدعم المنتج المحلي والتسويق له عبر المنظمات التعاونية أو غير الربحية التي تدعم من قبل الحكومات والتجار المحليون.

في البدايات كان التركيز في محور تفضيل المنتج المحلي على الغذاء والمنتجات الزراعية حيث تسارعت الدول لحماية أمنها واقتصادها الغذائي بتشجيع المستهلكين على تفضيل المنتج الوطني على المستورد. واليوم في أغلب دول العالم توجد مبادرات لتمييز المنتج المحلي بل وحتى على مستوى المدن والولايات حيث أنه على سبيل المثال أغلب الولايات الأمريكية لديها برنامج مستمرة لتمييز المنتجات الزراعية التي تنتجها الولاية وحث المستهلكين فيها على شراء المنتجات التي تحمل شعار البرنامج. وهنا يتضح أنه في بعض الدول تحول دعم المحتوى المحلي من دعمه للمنافسة ضد المستورد من خارج الدولة إلى دعمه أيضا من المنافسة من قبل المنتجات التي تصنع أو تنتج في مدن اخرى داخل نفس الدولة.

ولأهمية هذا الموضوع مع تطور وسائل النقل وزيادة حجم الانتاج العالمي من كافة السلع أصبح من المهم لدى الكثير من الدول تطوير وقياس مؤشر لتفضيل المنتجات المحلية أو الوطنية لدى المستهلك. هذا المؤشر يهدف غالبا لمعرفة قدرة المنتجات الوطنية للمنافسة مع المنتجات المستوردة. ويكون مفيدا في حال رغبت الدولة في تطوير برامج لدعم مبيعات واستهلاك المنتجات المحلية بشكل عام أو لفئة معينة من المنتجات بشكل خاص مثل المنتجات الزراعية أو المنظفات.وتنعكس أهمية قياس المؤشر بشكل مستمر على حقيقة مهمه وهي أن المستهلك في الغالب يحدد خياراته على معطيات كثيرة منها الجودة والسعر والسمعة أو الإسم التجاري ونادرا ما يدخل عامل بلد المنشأ في تحديد تلك الخيارات. ومن هنا تتحتم أهمية التوعية المستمرة والنضج في الوعي لدى المستهلك بأهمية دعم الصناعات الوطنية عبر تفضيلها عند الشراء بسبب الفوائد الاستراتيجية مثل دعم الاقتصاد وتوفر الوظائف أو الفوائد العاجلة مثل الجودة والمواصفات والمقاييس المحلية العالية.

السعودية بحاجة لبناء مؤشرات متخصصة في قطاعات مختلفة لقياس تفضيل المستهلك للمنتج المحلي

وتركز الدول على قياس مؤشرات للصناعات الناضجة فيها أو بشكل عام لمعرفة قدرة المنتجات الوطنية الجديدة على المنافسة في المستقبل. على سبيل المثال فيما يتعلق بالمؤشرات الغذائية أو تفضيل المنتجات الغذائية الوطنية في بلجيكا يفضل 51% من السكان المنتجات المحلية ويستهلكونها غالبا وفي المقابل 40% من الفرنسيين يفضلون المنتجات الغذائية المحلية ويستهلكونها غالبا. وهنا تنعكس أهمية تفضيل المستهلك للمنتج المحلي في دعمه بقوة اقتصادية شرائية عالية وسريعة مقارنة بالتصدير. وفي بعض الدول التي لا يوجد بها مؤشر مستمر توجد بعض الأبحاث الأكاديمية التي تقيس تفضيل المنتج الوطني. على سبيل المثال دراسة في عام 1996م في ماليزيا وجدت أن تفضيل المنتج المحلي بشكل عام يشكل فقط 33% من نسبة المشاركين في الدراسة. هذه المؤشرات أيضا مفيدة في اصدار تحذير مبكر على انكماش المنتج المحلي وانقراضه.

في المملكة العربية السعودية وحتى اليوم لا يوجد أبحاث أكاديمية في موضوع تفضيل المنتج المحلي لدى المستهلك في السعودية سواء كان مواطن أو مقيم. وقد قام فريقنا البحثي بتطوير أول أداة لقياس تفضيل المنتج السعودي في المملكة وعمل الدراسات التأكيدية عليها، حيث شملت دراسات الموثوقية (Relaiability testing) ودراسات اكتشاف العوامل الاحصائية للأداة (Exploratory Factor Analysis) ومن ثم وبالتعاون مع جمعية شارك للبحوث والدراسات تم جمع البيانات من عينة احصائية موزونه من جميع مناطق المملكة بلغ حجمها ما يقارب 7000 مشارك وتم تحليل البيانات وتطويرها في لوحة بيانات تفاعلية من شركة IDM.ونعتزم على تنفيذ المسح بشكل سنوي بإستمرار في المستقبل.

أظهرت نتائج مؤشر تفضيل المستهلك للمنتجات السعودية أن نسبة تفضيل المنتج السعودي بشكل عام هي 47.7% وأن التذبذب بسيط جدا بين الفئات العمرية أو مستويات الدخل والتعليم. وقد حققت منطقتي الجوف وحائل أعلى نسب تفضيل المنتج السعودي. ويضم مقياس المؤشر 6 ركائز لقياس مستوى التفضيل وهي (الأفضلية بشكل عام، السعر, توصية الغير بتفضيل المنتج السعودي، الجودة، الثقة، التنوع) وقد تصدرت الثقة هذه الركائز بنسبة 55.7%.

تعتبر نتائج المؤشر جيدة جدا مقارنة بالدول التي تقيس هذا المؤشر حيث تعبر عن توازن مميز لدى المستهلك السعودية وفي المنافسة بين المنتجات المستوردة والمحلية. وهذا يعكس جهود المملكة في الإهتمام بالمنتج المحلي والدعم الكبير الذي تلاقيه الصناعات المحلية والتي خصصت أجهزة حكومية كاملة مثل هيئة المحتوى المحلي والمشتريات الحكومية والدور الكبير الذي تقوم به وزارة الصناعة والثروة المعدنية لدعم المنتج السعودي.

وحيث أن مؤشر تفضيل المنتج السعودي الذي طورناه يغطي تفضيلات المستهلك بشكل عام، من المهم أن تخرج مؤشرات ثانوية تركز على منتجات وقطاعات محددة ترتبط بالأمن والإقتصاد مثل تفضيل المنتجات الغذائية السعودية والدواء والأجهزة الكهربائية وغيرها من مناطق التركيز الاقتصادية ذات المنافسة العالية من قبل المنتجات المستوردة. ونطمح للحصول على دعم أكبر لمبادرة مؤشر تفضيل المنتجات السعودية لتنفيذها في المنتجات والقطاعات المختلفة وبشكل أعمق.