العلاج السلوكي المعرفي كعلاج نفسي أمثل للاكتئاب
نظرًا لانتشار الاكتئاب وتأثيره الكبير على المجتمع، فإنه يتوجب على العاملين في مجال الصحة العامة منحه الأولوية عند التخطيط للحملات التوعوية و التدخلات المجتمعية الفعالة. و تأتي التوعية بدور العلاج السلوكي المعرفي و أثره كعلاج فعال للاكتئاب كأحد هذه الأنشطة المجتمعية الهادفة للحد من آثار الاكتئاب السلبية على الصحة النفسية و العقلية و الجسدية، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
الاكتئاب، أو ما يعرف بمشكلة الصحة العقلية الأكثر شيوعا على مستوى العالم، يعتبر واحدا من ضمن الأسباب الرئيسية لجعل الإنسان عرضة للإصابة بالعديد من الأمراض. تم تصنيف الاكتئاب من خلال دراسة العبء العالمي للأمراض (2017) ليكون ضمن الأسباب الثلاثة الأولى لمؤشر سنوات الحياة مع الإعاقة بين كلا الجنسين، مع احتلال اضطرابات الاكتئاب الرئيسية للمرتبة الثانية، و اضطرابات القلق في المرتبة الثالثة. كما تشير منظمة الصحة العالمية إلى الاكتئاب على أنه السبب الثالث لعبء المرض، مع توقعات بأن يحتل المرتبة الأولى بحلول العام 2030 (العبء العالمي للمرض، 2004). يتم فحص الاكتئاب من قبل أطباء الرعاية الصحية في منشآت الرعاية الأولية من خلال استخدام أدوات قياس معينة، وغالبًا ما تتضمن هذه الأدوات الاستبيان الذاتي لصحة المريض(PHQ). أعراض الاكتئاب متعددة و تتراوح في مدى سهولة الكشف عنها من عدمه، و لكنها في الغالب ما تتراوح بين الشعور المتواصل بتدني الحالة المزاجية و بين الشعور بالعجز و فقدان الاهتمام بالأنشطة الممتعة، وصولا إلى التفكير بالانتحار( (Ferrari et Al ، 2013.
نظرًا لانتشار الاكتئاب وتأثيره الكبير على المجتمع، فإنه يتوجب على العاملين في مجال الصحة العامة منحه الأولوية عند التخطيط للحملات التوعوية و التدخلات المجتمعية الفعالة. و تأتي التوعية بدور العلاج السلوكي المعرفي و أثره كعلاج فعال للاكتئاب كأحد هذه الأنشطة المجتمعية الهادفة للحد من آثار الاكتئاب السلبية على الصحة النفسية و العقلية و الجسدية، سواء على مستوى الفرد أو المجتمع.
العلاج السلوكي المعرفي (CBT) ، الذي يُنظر إليه عادةً على أنه نوع من العلاج بالكلام، يتبع منهجية نظرية منظمة. الهدف الرئيسي من جلسات العلاج السلوكي المعرفي هو استهداف وتوعية الأفراد بأفكارهم السلبية المستعصية، والتي غالبًا ما تكون ذات طبيعة يصعب معالجتها أو التعايش معها. الغرض الأساسي من العلاج السلوكي المعرفي هو تحديد الأفكار والمشاعر السلبية و المزعجة، ودراسة كيفية مساهمتها في ظهور أنماط السلوك السلبية (العلاج السلوكي المعرفي، 2019). جلسات العلاج المعرفي السلوكي تستهدف المشكلات الحالية بشكل كبير بدلاً من محاولة تخطي مشكلات الماضي. تساعد هذه الجلسات على تعطيل حلقة المشاعر السلبية، و التي بدورها تؤثر على السلوك، و ذلك من خلال تجزئة المشكلة إلى مشكلات أصغر، الأمر الذي يحول المواقف الصعبة و المنهكة إلى مواقف قابلة للتجاوز و التخطي (كيف يعمل العلاج السلوكي المعرفي، 2019).
يعتبر الكثير من الخبراء و الباحثين، بما في ذلك الجمعية الأمريكية لعلم النفس، العلاج المعرفي السلوكي على أنه "المعيار الذهبي" الأمثل لعلاج الاكتئاب و القلق، ويرجع ذلك إلى حد كبير لارتباطه القوي بالعقل والسلوك البشري. و مع ذلك فإن العديد من العوائق الاجتماعية والثقافية تحول دون الوصول إلى خدمات الصحة العقلية، بما في ذلك العلاج المعرفي السلوكي. تشير التقارير إلى أن 50٪ من مرضى الاكتئاب لا يستشيرون الطبيب أبدًا وأن 95٪ من المرضى لا يمكنهم الوصول للخدمات اللازمة لتلقي العلاج.
من العوائق الرئيسية الأخرى عدم القدرة على تحمل تكاليف جلسات العلاج السلوكي المعرفي وعدم القدرة على الوصول إلى المرافق التي توفر تلك الجلسات. كما أن الخلفية التعليمية و الثقافية تلعب دورا كبيرا في الدافعية للبحث عن القنوات المتاحة للعلاج و لخدمات الصحة العقلية بشكل عام. و تبقى المعتقدات الثقافية و التخوف من وصمة العار المصاحبة لاضطرابات الصحة العقلية من أهم الأسباب التي تحول دون طلب المساعدة أو العلاج. هذه العوامل تؤخر التشخيص السليم والإدارة.
من أهم المقترحات التي توصل إليها الباحثون للتشجيع على الاهتمام بالصحة النفسية و تقليص الفجوة بين المريض و مقدمي الخدمات الصحية العقلية و النفسية هو أنه يجب إحداث تحول و تعديل في السياق الثقافي لهذا النوع من الخدمات ليتناسب مع الخلفيات الثقافية الأقل انفتاحا تجاه الاضطرابات النفسية و العقلية (القحطاني ، 2019). كما يساهم أيضا نشر الوعي بطرق تقصي الاضطرابات النفسية بين ممارسي الرعاية الصحية في منشآت الرعاية الأولية، باعتبارها نقطة الاتصال الأولى للمريض في بيئة الرعاية الصحية. علاوة على ذلك فقد أثبت العلاج المعرفي السلوكي فعاليته في البيئة السريرية العادية، أي أنه لا يقتصر على المراكز المتخصصة، مما يسمح بتطبيقه في أماكن مختلفة من قبل العديد من ممارسي الرعاية الصحية (النظرية الأساسية، التطور والحالة الحالية للعلاج المعرفي السلوكي، 2010( . و أخيرا، فإنه يجدر الإشارة إلى أن العلاج المعرفي السلوكي، بالرغم من فعاليته المبنية على الأدلة، إلا أنه لا يجدر بالممارسين الصحيين المختصين في المجال الاعتماد عليه بشكل انفرادي و تجاهل الجانب الدوائي و دوره في إدارة الحالة بالشكل الصحيح. فقد أكدت الكلية الملكية للأطباء النفسيين (2009) على أهمية الالتزام بمضادات الاكتئاب، والجمع بينها و بين العلاج النفسي للحصول على أفضل تشخيص و علاج، لا سيما في حالات الاكتئاب الشديدة.
بقلم:
د.نوال حرزالله
محاضر بقسم الصحة العامة – كلية الصحة العامة – جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل.