التحيّز الطبي: حيث تكون معايير الرعاية الصحية مصممة للرجال
تتمثل مهمة أبحاث صحة المرأة في تطوير منظومة الرعاية الصحية بما يتناسب مع المرأة وتحسين صحتها في جميع مراحل الحياة. كما أن لها دور كبير في تقدّم الطب الشخصي. لذلك سواء كانت الحجة علمية أو فكرية أو اقتصادية، شمول المرأة في الأبحاث الطبيّة مهم لصحة المجتمع والارتقاء بالمنظومة الصحية. ونحن هنا في المملكة العربية السعودية
ما نتمتّع به من رعاية صحية اليوم هو نتاج سنين طويلة وجهود عظيمة من الأبحاث الطبية، ولكن هناك معلومة لا يعرفها الجميع. النظام الصحي وإلى عهد قريب مصمم على معايير موجهة للرجال لأن الأبحاث الطبية والدراسات السريرية أُجريت وبشكل أساسي على الرجال حتى نتائج البحوث الأساسية اعتمدت على ذكور الحيوانات والخلايا ولم تأخذ في الاعتبار الاختلافات بين الذكر والأنثى.
جسد المرأة ليس نسخة من جسد الرجل فلكل جنس تركيب جيني وهرموني مختلف عن الاَخر لذلك أعراض الأمراض وطريقة تشخيصها والاستجابة للعلاج تختلف بين النساء والرجال.
لسوء الحظ، لم يتم التعرف على هذه الحقيقة بين المتخصصين في الرعاية الصحية الا في عهد قريب بعد أن تم ملاحظة العديد من الشكاوى النسائية لنساء تم تشخيصهن بشكل خاطئ أو معالجتهن بطريقة غير مناسبة لأن أعراض مرضهن لم تكون "نموذجية" للمتعارف عليه في العيادة.
سيناريو شائع نشرته جامعة ييل الأمريكية حيث تستيقظ امرأة في الخمسينيات من عمرها وهي تشعر بالغثيان. تحاول أن تنسى الألم وتمضي يومها كالمعتاد، ولكن مع نصائح الأهل والأصدقاء وشعورها بألم مفاجئ في إحدى ذراعيها تُقرر الذهاب للطوارئ ليستقبلها الطبيب ويجري العديد من الفحوصات العامّة ليخبرها أنه لا يوجد انسداد في الشرايين ولا ألم في الصدر إذن أعراضها بسيطة قد تكون أعراض قلق أو مشاكل في المعدة. ويتم طلب خروج لها من المستشفى مستبعداً اصابتها بنوبة قلبية!
لسنوات، لم يكن السيناريو أعلاه يستحق التفكير فيه مرة أخرى. ذلك لأن فهمنا للأزمات القلبية كان، حتى وقت قريب، يعتمد بشكل أساسي على الأعراض التي تصيب الرجال. لأنه عندما يصاب الرجال بنوبات قلبية، فإنهم يعانون من ألم في الصدر.
مع تقدّم السنين، بدأت تظهر هذه الفروقات بشكل كبير حيث بدأت تُلاحظ في أمراض المناعة الذاتية، السرطان، الاكتئاب، الأمراض الجنسية المعدية، البدانة، هشاشة العظام وغيرها. وهذا دليل على أن أبحاث صحة المرأة ليست فقط أبحاث الصحة الانجابية، ولكنها أشمل من ذلك فهي تتعلّق بصحة المرأة بشكل عام.
الاَن ومع التطور الهائل في مجال الرعاية الصحية سواءً كان على مستوى الأبحاث الطبية، وتحسين تجربة المريض، وتمكين المريض، أصبح هناك وعي ومشاركة في القرار بين المريض ومقدّم الرعاية الصحية. تقدّمت أبحاث صحة المرأة في مراكز بحثية عالمية وأصبحت شرط أساسي لكل باحث أن يضيف "الأنثى" في تصميم التجارب سواء كانت أبحاث أساسية على خلايا أو حيوانات تجارب أو دراسات سريرية (إذا كانت نتائج البحث تنطبق على الجنسين). مثلاً مكتب أبحاث صحة المرأة في المعاهد الوطنية للصحة في أمريكا NIH لا يدعم الأبحاث التي لا تشمل الأنثى. مستشفى مايو كلينيك أيضاً أسّس مركز أبحاث خاص بصحة المرأة حيث يوجد به الاَن أكثر من 1400 دراسة بحثية تتعلق بصحة المرأة لمعالجة المشكلات الصحية التي تصيب النساء باستمرار لتحسين صحتهن وجودة حياتهن.
إذن تتمثل مهمة أبحاث صحة المرأة في تطوير منظومة الرعاية الصحية بما يتناسب مع المرأة وتحسين صحتها في جميع مراحل الحياة. كما أن لها دور كبير في تقدّم الطب الشخصي. لذلك سواء كانت الحجة علمية أو فكرية أو اقتصادية، شمول المرأة في الأبحاث الطبيّة مهم لصحة المجتمع والارتقاء بالمنظومة الصحية. ونحن هنا في المملكة العربية السعودية ومع انشاء هيئة تطوير البحث العلمي والابتكار نطمح بأن تكون نوعية الأبحاث وجودتها تواكب المراكز البحثية العالمية. ونطمح أن تُضيف أبحاثنا معلومات قيّمة للمعايير الصحية العالمية.
رسالتنا للباحثين: احرص على الشمولية في تصميم التجارب كل ما أمكن
للسيدات: كوني واعية بجسمك، وبلّغي عن الأعراض التي تشعرين بها، واعرفي حقوقك الصحية والأهم كوني جزء من الأبحاث الطبية.
د. فاطمة سعيد ال هملان
عالمة أبحاث في علم الفيروسات، مستشفى الملك فيصل التخصصي ومركز الأبحاث
مؤسِسة جمعية رفيدة لصحة المرأة