الاستحقاق العالي لدى المرأة مقابل ضعف القيمة التي تستطيع تقديمها في العلاقة والنهاية المؤلمة
في هذا المقال نتناول ظاهرة الاستحقاق العالي لدى بعض النساء في المجتمعات العربية، وكيف أن المطالبة الدائمة بالماديات بدون مساهمة قيمة حقيقية في بناء العلاقة يؤدي إلى اختلال التوازن في الزواج. نناقش مفهوم القيمة التي تضيفها المرأة للرجل، والصراع بين المطالب وبين الواجبات، ونستشهد بالدين والعلم وعلم النفس لنبين أن الاستقرار العاطفي يتحقق بالعدل والتوازن.
في عالم تتحول فيه العلاقات إلى معادلات حسابية معقدة، يبرز مصطلح «الاستحقاق العالي» كقضية تلقي بظلالها على كثير من الشراكات الزوجية. عندما تتحدث بعض النساء عن حقوقهن، يختلط الحديث أحياناً بمطالبة لا تستند إلى واقع القدرة أو القيمة المضافة. في السعودية وغيرها، نشهد نقاشات يومية حول ما تستحقه المرأة وما يطالبها به الرجل، بين رغبة في الدعم المادي والتقدير المعنوي وبين غفلة عن الدور الحقيقي الذي تلعبه كل شريكة في تكوين بيت وشركة حياة. هذا المقال يستلهم روح المؤلفة المثيرة للجدل إستر فيلار، في نقدها لعلاقة الرجل بالمرأة، ولكن بصياغة عربية تسعى إلى تحقيق التوازن والإنصاف دون أن تفقد لمسة ليلى التي تميل إلى صوت الرجال حين يضيع التوازن. الهدف هنا ليس جلد المرأة أو تسطيح احتياجاتها، بل فتح حوار فلسفي ونفسي عميق حول قيمة كل طرف وما يترتب عليه من مسؤوليات.
ماذا يعني الاستحقاق العالي؟
الاستحقاق العالي يشير إلى شعور بعض النساء بأنهن يملكن الحق في الحصول على كل ما يرغبن فيه من شريكهن – مال، هدايا، سفر، وتلبية كل طلباتهن – من دون أن يرتبط ذلك بما يقدمنه من دعم وعطاء متبادل. ويختلف هذا الشعور عن المطالبة العادلة بالاحترام والمشاركة؛ إذ يركز على ما يُنتزع من الرجل دون مراعاة ما يقدمه الطرف الآخر. من منظور نفسي، قد يرتبط هذا النمط بحالات النرجسية أو بتربية زرعت في نفوس بعض الفتيات فكرة أن قيمتهن في ما يحصلن عليه وليس في ما يقدمنه. وتطرح الفلسفة المعاصرة تساؤلات حول تحول مفهوم الزواج إلى عقد خدمات بدل أن يبقى علاقة تكامل بين كيانين. عندما تتحول العلاقة إلى «صراف آلي» وخدمات جارية، يفقد الحب معناه الحقيقي ويضيع التقدير القائم على القيم الإنسانية المشتركة.
لماذا تقل قيمة المرأة في العلاقة؟
ليس المقصود بالحديث هنا الانتقاص من قدر المرأة أو تجاهل جهودها؛ بل تسليط الضوء على أن بعض النساء قد يركزن على المطالب المادية وينسين أن القيمة في العلاقة لا تقاس بالمال وحده. المرأة التي تمتلك علماً وثقافة وتربية وأخلاقاً وذكاءً عاطفياً تضيء حياة زوجها وتمنح بيتها معنى ودفءاً. الدين الإسلامي يشدد على حسن المعاملة ويحث على الإحسان، لكنه في الوقت نفسه ينبه إلى المسؤوليات المشتركة بين الزوجين. علماء النفس يشيرون إلى أن القيمة الحقيقية للشريك تظهر في قدرته على دعم الآخر نفسياً وعاطفياً، لا في حجم الهدايا أو المصاريف. عندما تقارن بعض النساء بين ما تحصل عليه صديقاتهن وبين ما تحصلن عليه هن، وتغفل عن النظر لما تقدمه هي من رعاية وتفهم، فإنها تعيش في حلقة مفرغة من المقارنات والاستياء. والنتيجة أن الرجل يشعر بأنه محاصر بمطالب لا تنتهي، بينما لا يجد المقابل العاطفي والروحي الذي يبحث عنه.
النهاية المؤلمة لعدم التوازن
التاريخ مليء بالقصص المؤلمة لزوجات جعلتهن مطالبهن المتزايدة يتجاهلن تطوير أنفسهن أو تعزيز علاقتهن بأزواجهن. بعض الرجال، عندما يشعرون بأنهم مجرد مصدر للمال، يبحثون عن امرأة أخرى تمنحهم التقدير والهدوء. هذا لا يعني أن الرجل دائماً على حق أو أن خيانته مبررة، ولكن من الخطأ تجاهل أن إهمال قيمة المرأة الذاتية قد يدفع العلاقة إلى نهايات مؤلمة. الباحثون في علم الاجتماع يرون أن ارتفاع معدلات الطلاق يرتبط أحياناً بتضخم التوقعات وعدم استيعاب الطرفين لدورهم في العلاقة. في السعودية، يتحدث البعض عن فتيات يطالبن بالقصور والسيارات دون أن يمتلكن قدرة على إدارة بيت صغير أو الاستماع إلى هموم أزواجهن. النتيجة تكون مأساوية للطرفين: زوجة فقدت استقرارها ورجل يشعر بالخداع، وأطفال يدفعون الثمن.
إعادة التوازن وإعادة النظر في أدوارنا
لا يمكن علاج هذه الإشكالية إلا بمراجعة الذات والعودة إلى أصل العلاقة: تكامل لا استغلال، مشاركة لا مطالبة، قيمة لا استحقاق. على المرأة أن تسأل نفسها: «هل لدي قيمة أقدمها لزوجي تعادل ما أطالب به؟» هذه الجملة المفتاحية ليست هجوماً، بل دعوة للتأمل. حين تستثمر المرأة في تعليمها، في تحسين مهاراتها، في بناء علاقات إنسانية صحية، وفي العطاء غير المشروط، فإنها تضمن مكانتها وقيمة لا يستطيع أحد نزعها. والرجل كذلك عليه أن يدرك أن الزواج ليس صفقة تجارية، وأن عليه توفير الأمن والحب والدعم. إذا عمل الطرفان على تحقيق التوازن بين الحقوق والواجبات، ستتحول علاقة الاستحقاق إلى شراكة حقيقية تستند إلى التكامل والرحمة كما أرادها الدين والفطرة. الفلسفة وعلم النفس يذكراننا بأن السعادة لا تتحقق عندما نأخذ فقط، بل عندما نعطي ونشعر بقيمة ما نعطيه.






