ريادة الأعمال: رحلة المهارات والخبرات والشجاعة
تتناول المقالة رحلة ريادة الأعمال من منظور إنساني، وتسلط الضوء على الشجاعة وبناء الشبكات والذكاء العاطفي وإدارة المخاطر لتحقيق النمو.

عندما نتحدث عن ريادة الأعمال، فإننا لا نتحدث فقط عن تأسيس شركة أو إصدار منتج جديد؛ نحن نتحدث عن رحلة إنسانية تتقاطع فيها المعرفة مع الشجاعة مع القدرة على التعلم من الفشل. تتداخل هذه الرحلة مع المشاعر التي تشكل حياتنا الشخصية؛ فالقيادة ليست مجرد مهارة إدارية بل عملية تتطلب التسامح مع الهشاشة. في تجربتي كباحثة في العلوم المالية والاقتصاد وكامرأة سعودية رائدة أعمال، وجدت أن النجاح في ريادة الأعمال ليس مجرد معادلة حسابية، بل هو انعكاس لرؤية شاملة تعتمد على إدراك الذات والتواصل مع الآخرين والقدرة على تحويل الأفكار إلى واقع ملموس.
أول درس تعلمته هو أهمية الاستعداد للفشل. معظم الناس يرون الفشل كعدو، لكنني أراه معلمًا كبيرًا. عندما نتحدث عن الشجاعة، فإننا نتحدث عن القدرة على اتخاذ قرارات صعبة مع إدراك احتمال الخطأ. لقد مررت بتجارب عديدة كان فيها الفشل حليفًا لي؛ لم أشعر بالحرج من مشاركة قصص الخسارة مع فريق عملي أو مع مجتمع ريادة الأعمال المحلي، لأن مشاركة هذه القصص تخلق مساحة للتعلم وتقوي الروابط بين أعضاء الفريق. هذا النهج يتوافق مع ما وجدته في أبحاثي حول القيادة؛ حيث إن القادة الذين يعترفون بحدودهم ويرون أنفسهم جزءًا من فريق، يصبحون أكثر تأثيرًا وقدرة على الإبداع.
من بين المهارات الأساسية الأخرى في مسار ريادة الأعمال: القدرة على بناء علاقات شبكية غنية. لا يمكن لأي مشروع أن ينمو بمعزل عن الآخرين؛ فالأفكار تحتاج إلى شراكات، والشراكات تحتاج إلى ثقة. لذلك تعلمت أن أستثمر في بناء علاقات مبنية على الاحترام المتبادل والدعم. مشاركة الأفكار والمخاوف مع رواد أعمال آخرين، وطلب المساعدة عند الحاجة، يعكس شجاعة وليس ضعفًا. الأبحاث في مجال رأس المال الاجتماعي تؤكد أن الشركات التي تستثمر في شبكاتها تزدهر وتحقق أداءً ماليًا أفضل.
هناك مهارة أخرى لا تقل أهمية وهي القدرة على إدارة المخاطر. يتخيل البعض أن المخاطرة تعني المغامرة دون حساب، بينما تتطلب إدارة المخاطر موازنة بين الرؤية والواقعية. لقد تعلمت من خلال عملي أن أضع خططًا بديلة، وأن أعد تقديرات مالية مبنية على بيانات حقيقية، وأن أتحلى بالمرونة إذا تغيرت الظروف. المرونة ليست تنازلًا عن المبادئ بل قدرة على تعديل الإستراتيجية وفقاً للمتغيرات.
كما أن القيادة في ريادة الأعمال تعتمد على الذكاء العاطفي. كثيرون يتجاهلون جانب العواطف في بيئة الأعمال، لكن الأبحاث النفسية توضح أن قدرتنا على فهم مشاعرنا ومشاعر الآخرين تؤثر في اتخاذ القرارات وحل النزاعات. عندما أقود فريقًا، أحرص على الاستماع الفعّال، وأمنح أفراد الفريق مساحة للتعبير عن مخاوفهم وأفكارهم. هذا الأسلوب يبني الثقة ويزيد من حس الانتماء وبالتالي ينعكس على إنتاجية الفريق.
بالإضافة إلى ذلك، فإن روح ريادة الأعمال تتطلب معرفة مالية واقتصادية؛ فالمؤسس عليه أن يفهم كيفية قراءة البيانات المالية، وتحليل السوق، وتحديد الفرص الاقتصادية. في هذا الجانب، ساعدني الخلفية العلمية في الاقتصاد والمالية على فهم العلاقة بين القرارات الفردية والتوجهات الاقتصادية الكلية. على سبيل المثال، عند التوسع في مشروع جديد، لا أنظر فقط إلى الربحية المباشرة، بل أدرس أيضًا التغيرات في السياسات الحكومية، والتحولات الاجتماعية، والحالة الاقتصادية العامة في منطقتنا. هذه القراءة الشاملة تساعد على اتخاذ قرارات أكثر استدامة.
وأخيرًا، أؤمن بأن ريادة الأعمال ليست غاية في حد ذاتها بل وسيلة لخلق تأثير إيجابي في المجتمع. لذلك فإن الالتزام بالقيم الأخلاقية والنزاهة أمر أساسي. لقد تعلمت من خلال مشاركتي في المبادرات الاجتماعية المدافعة عن حقوق المرأة أن نجاحنا كرواد أعمال يقاس أيضًا بمدى مساهمتنا في تمكين الآخرين. عندما نمنح النساء مساحات للتعلم والعمل، وعندما نعيد استثمار أرباحنا في التعليم والتدريب، فإننا نبني اقتصادًا أكثر شمولية واستدامة.
هذه الرحلة ليست سهلة، لكنها ممكنة وجميلة. الشجاعة في مواجهة المجهول، والمرونة في تغيير المسار، والتعلم المستمر، والاهتمام بالآخرين هي الركائز التي تبني ريادة أعمال ناجحة. إن الحديث عن هذه التجارب وتوثيقها يساعد الآخرين على رؤية أنهم ليسوا وحدهم، وأن الهشاشة جزء من القوة وليست عكسها. بهذا المعنى، تصبح ريادة الأعمال عملية إنسانية عميقة تتجاوز الأرقام، وتبني عالمًا يسعى إلى الابتكار والعدالة في آن واحد.