الطرق الكهربائية اللاسلكية: ثورة في شحن السيارات أثناء السير
تستكشف هذه المقالة مستقبل الشحن اللاسلكي للسيارات الكهربائية من خلال تقنية الطرق الذكية التي تنقل الطاقة إلى المركبات أثناء سيرها. نستعرض الفرق بين الشحن الساكن والديناميكي، ونسلط الضوء على مشاريع في كوفنتري ونوتنغهام، واستثمارات الشركات الكبرى، إلى جانب التحديات التي تواجه تنفيذ هذه البنية التحتية.
مع زيادة اعتماد السيارات الكهربائية، تبرز مشكلة توفير الشحن الكافي لهذه المركبات أثناء التنقل. الشحن السلكي التقليدي يعتمد على محطات ثابتة، ومع أن تقنية الشحن اللاسلكي تُستخدم منذ سنوات لشحن الهواتف الذكية، فإن تطبيقها على السيارات بدأ يصبح واقعاً. تعمل بعض الشركات اليوم على تطوير طرق إلكترونية لاسلكية تقوم بنقل الطاقة من البنية التحتية للطريق إلى البطارية أثناء حركة المركبة باستخدام الحث الكهرومغناطيسي. هذه الفكرة تَعِد بتقليل مخاوف المدى وتخفيف وزن البطاريات وتغيير الطريقة التي نفكر بها في البنية التحتية لشحن المركبات.
مبدأ عمل الشحن اللاسلكي الديناميكي يعتمد الشحن اللاسلكي على نقل الطاقة من ملف إرسال إلى ملف استقبال عبر مجال مغناطيسي متردد. في السيارات الكهربائية، يُثبت ملف الاستقبال في أرضية السيارة بينما توضع ملفات الإرسال داخل الطريق أو على منصات الشحن الثابتة. عندما تمر المركبة فوق هذه الملفات، يتولد مجال مغناطيسي عالي التردد يحفز تياراً في ملف الاستقبال، ثم يحول النظام هذا التيار إلى كهرباء تُخزن في البطارية. يعمل الشحن الديناميكي أثناء الحركة على نفس المبدأ مع اختلاف أن الملفات تكون موزعة في خطوط الطريق ومدمجة بالبنية التحتية وتعمل بصورة متتابعة. هذا النهج يعني أن السيارة تحصل على جرعات قصيرة من الطاقة عبر أجزاء متتالية من الطريق بدلاً من التوقف للشحن. الدراسة التي قادها باحثون في معهد ماساتشوستس للتقنية أسهمت في تطوير أنظمة الشحن بالمجال المغناطيسي الرنيني التي يمكنها نقل الطاقة بكفاءة لمسافات أطول مقارنة بالاقتران الحثي التقليدي، وتم تبني معايير من قبل جمعية مهندسي السيارات (SAE) لدعم الشحن اللاسلكي بقدرة تصل إلى 11 كيلوواط. الاختلاف بين الشحن الساكن والشحن الديناميكي يكمن في أن الأول يتطلب توقف المركبة فوق منصة محددة، بينما يسمح الثاني بإعادة شحن البطارية أثناء سيرها، مما يقلل حاجة المركبات إلى بطاريات ضخمة.
مشروعات وتجارب حول العالم
شهدت السنوات الأخيرة اهتماماً متزايداً من الحكومات والشركات بتجريب هذه التقنية على أرض الواقع. في المملكة المتحدة، يعمل مشروع "دايناكوف" في مدينة كوفنتري على اختبار مقطع من الطريق الدائري مجهز بشرائح شحن لاسلكي ديناميكي لتغذية الحافلات والشاحنات الثقيلة. يهدف المشروع إلى معرفة مدى قابلية التقنية للتطبيق في البيئات الحضرية وقياس تأثيرها على استهلاك الطاقة. مشروع آخر في نوتنغهام، المعروف باسم WiCET، يستهدف تزويد سيارات الأجرة بالحافز للشحن أثناء العمل. في الولايات المتحدة، تم الإعلان عن خطط لإنشاء أول طريق كهربائي لاسلكي عام في ولاية ميشيغان بالتعاون مع شركة إسرائيلية ناشئة، حيث سيتم تزويد شارع بطول كيلومتر واحد بملفات شحن تحت الأسفلت لتزويد الشاحنات بالكهرباء. الشركات المصنعة للمركبات مثل فولكسفاجن وتويوتا وستيلانتيس وجيلي أعلنت عن استثمارات في الأبحاث والتطوير لتبني الشحن اللاسلكي في سياراتها المستقبلية، وهناك اختبارات ميدانية في كل من ألمانيا وإيطاليا تبين أن التقنية قادرة على تقليل الوقت الذي يقضيه السائقون في محطات الشحن.
هذه التطورات تشير إلى أن الشحن اللاسلكي الديناميكي قد يصبح جزءاً من منظومة الشحن مستقبلاً. من مزايا التقنية أنها تسمح بتقليل حجم البطارية لأن المركبة يمكنها الاعتماد على شحن متقطع أثناء السير، وهو ما يوفر المواد الخام ويخفض السعر النهائي للمركبة. كما أن إزالة الكابلات والتوصيلات يقلل من المخاطر ويجعل تجربة الشحن أكثر بساطة للسائقين. في المقابل، يواجه هذا النموذج تحديات تقنية ولوجستية. يتطلب دمج الملفات في الطرق استثمارات كبيرة من السلطات المحلية والبنى التحتية، كما أن وجود معايير مختلفة بين المصنعين قد يؤدي إلى مشاكل في التوافق. إضافة إلى ذلك، ينبغي تقييم تأثير المجالات المغناطيسية على السلامة العامة وعلى الأجهزة الطبية المزروعة.
مع ذلك، فإن النظرة الطويلة الأمد تشير إلى أن الشحن اللاسلكي لن يحل محل جميع أشكال الشحن الأخرى، بل سيكملها. من المرجح أن تبدأ هذه الطرق في الطرق السريعة أو المسارات المخصصة للنقل العام أو الشحن الثقيل حيث يكون هناك استخدام كثيف ومستمر يبرر الاستثمار، وفي المناطق الحضرية قد يتم استخدامها في محطات النقل العام أو مواقف سيارات الأجرة. إذا نجحت هذه الاختبارات وأثبتت التكلفة والفعالية، فقد يتم دمجها تدريجياً في المدن الكبرى. الطريقة التي ستتطور بها هذه التقنية تعتمد على التعاون بين حكومات المدن وشركات الطاقة وصانعي السيارات، وكذلك على مدى تقبل المجتمع لأي تغييرات في البنية التحتية.
في نهاية المطاف، إن الطرق الكهربائية اللاسلكية تمثل مثالاً على كيفية استخدام التكنولوجيا لتجاوز قيود البنية التحتية التقليدية وتحقيق انتقال أكثر سلاسة إلى وسائل النقل المستدام. وتؤكد التجارب الحالية أن هذا المجال ما زال في بداياته، لكنه يحمل وعداً حقيقياً بتغيير مستقبل التنقل إذا تم التعامل معه بحكمة ومتابعة الاستثمارات طويلة الأمد.






