السجائر الإلكترونية: التكنولوجيا المضللة وتلاعب الشركات بعقولنا
التقنيات الحديثة الساعية إلى تبرئة تدخين النيكوتين من خطره لم تفعل سوى إخفاء السم في غلاف إلكتروني أنيق. السجائر الإلكترونية تسوَّق بوصفها بديلاً صحياً عن التدخين التقليدي، لكن الدراسات العلمية تكشف وجود مواد كيميائية مسرطنة ومعادن ثقيلة تؤذي الرئتين والقلب، بينما يتلاعب المصنعون بعقول الشباب بخطاب السلامة والحرية. نستعرض في هذا المقال حقائق مخفية عن هذا المنتج وأثره النفسي والجسدي.
منذ أن ظهرت السجائر الإلكترونية في الأسواق، قدمتها الشركات على أنها ابتكار تكنولوجي يحمي المدخنين من أخطار السيجارة التقليدية. تصميمها الأنيق وألوانها اللامعة، بالإضافة إلى أسماء النكهات المغرية مثل الفانيليا والفواكه، منحها هالة من البراءة. لكن داخل هذه الأجهزة الصغيرة يكمن مزيج من المواد الكيميائية والمركبات المعدنية التي تتحول إلى رذاذ يستنشق مباشرة في الرئتين. لقد حددت الدراسات مواد مثل الأسيتالدهيد والفورمالدهيد والبنزين، إلى جانب معادن ثقيلة مثل النيكل والرصاص والقصدير، وكلها مرتبطة بأمراض السرطان وأمراض الجهاز التنفسي.
يكمن الخطر الأكبر في الاعتقاد بأن استبدال التبغ بالسائل الإلكتروني يعني التخلص من السموم، في حين أن عملية التسخين التي تحدث داخل جهاز الفيب تنتج مركبات جديدة غير معروفة بالكامل حتى الآن. هناك أبحاث حديثة أظهرت أن بعض أجهزة الفيب تطلق آلاف المواد الكيميائية غير المحددة عند التسخين، وأن وجود مواد مثل الدياستيل قد يسبب التهابات خطيرة في الشعب الهوائية تُعرف باسم «رئة الفشار». إضافة إلى ذلك، تزداد مبيعات هذه الأجهزة بين المراهقين والشباب بشكل مقلق، حيث تشير الإحصائيات إلى أنها أصبحت المنتج التبغى المفضل لدى طلاب المدارس المتوسطة والثانوية منذ عام 2014.
النيكوتين الموجود في السجائر الإلكترونية لا يقل خطورة عن نظيره في السجائر التقليدية؛ فهو مادة إدمانية تؤثر على الدماغ، لا سيما عند المستخدمين الشباب الذين لا يزال نموهم العصبي في مرحلة التطور. تؤكد مراكز السيطرة على الأمراض أن التعرض للنيكوتين خلال فترة المراهقة يضر بمناطق الدماغ المسؤولة عن الانتباه والتعلم والمزاج والسيطرة على الاندفاع. كما يؤدي إلى تغيرات مزاجية وتوتر وقلق، مما يجعل المستخدمين يقعون في حلقة مفرغة من الاعتماد النفسي والجسدي.
الشركات التي تقف وراء هذه الأجهزة تستغل تشوق الشباب للتكنولوجيا وتقدم حملات تسويقية تصور الفيب كرمز للحرية والحداثة. وعندما تُحظر بعض المنتجات بسبب النكهات التي تستهدف القاصرين، تلجأ الشركات إلى إعادة تسمية منتجاتها وتغيير تفاصيلها لتبقى في السوق. تروج هذه الشركات لمنتجاتها بأنها أقل ضرراً، وتغض الطرف عن التحذيرات التي تربط الفيب بأمراض القلب، وأمراض اللثة، وتفاقم الربو، والالتهابات المزمنة. وفي وقت لم يمضِ سوى عقد واحد على انتشار هذه الأجهزة، يتفق الخبراء على أن الآثار الطويلة الأمد قد تستغرق سنوات أخرى للظهور، مما يجعل التجربة غير محسوبة العواقب.
إن الدور المنوط بنا كمجتمع هو كسر هذه الصورة الوردية ومواجهة الواقع. يجب توعية الشباب بأن ما يتم استنشاقه ليس مجرد بخار ماء، بل خليط من المواد الكيميائية والنيكوتين والمعادن الثقيلة. لا ينبغي أن نخدع أنفسنا بالشعارات التي تروج للأمان والحداثة، بل يجب أن نطالب بتنظيم صارم وإجراء أبحاث مستقلة تكشف عن المخاطر الحقيقية. في النهاية، الحرية الحقيقية هي في الابتعاد عن كافة أشكال الإدمان، أياً كان غلافها، والتحرر من تلاعب الشركات التي تبحث عن أرباحها على حساب صحتنا.






