تأثير الأفلام الرومانسية على نظرة المرأة للرجل: بين الحلم والواقع

تستكشف هذه المقالة تأثير الأفلام والمسلسلات الرومانسية على نظرة المرأة للرجل وتوقعاتها من العلاقة، وكيف تؤدي الأحلام السينمائية إلى مطالب غير واقعية تضع عبئاً على الشريك وتخل بالتوازن. تجمع المقالة بين استشهادات دينية وفلسفية ونفسية لتأكيد أهمية التبادل العادل والقيمة التي تضيفها المرأة للحياة الزوجية.

تأثير الأفلام الرومانسية على نظرة المرأة للرجل: بين الحلم والواقع
كيف تؤثر الأفلام الرومانسية على توقعات المرأة تجاه الرجل والفارس المثالي، وأهمية التوازن في العلاقة بين الرجل والمرأة


سحر الشاشة وحلم الفارس المثالي

الأفلام الرومانسية ليست مجرد قصص ترويها السينما، بل هي منظومة ضخمة من الصور والمشاعر تصنع خيالات في ذهن المرأة وتمنحها ما يشبه المخدر العاطفي. منذ طفولتها، تتعرض المرأة لهذا السيل من الأفلام والمسلسلات التي تزرع في داخلها صورة الرجل الذي يهبط على حصان أبيض ليحقق جميع أحلامها ويجعل حياتها كاملة بلا تعب أو تنازل. هذا الرجل الافتراضي يحارب من أجلها، يحقق لها الثراء، ويغفر كل عيوبها. لكن الشاشة التي تصور هذا العالم المثالي لا تعترف بتعقيدات الواقع ولا تتوقف عند حدود الحقيقة.  

في هذا المناخ، تُصبح التوقعات سطحية وساذجة: تطالب المرأة برجل كامل لا وجود له في العالم الواقعي، فتهمل القيم الحقيقية التي تجعل العلاقة متوازنة ومتينة. تستند هذه الرؤية الخيالية إلى سردية تغذيها صناعة الأفلام الحديثة وتدعمها الثقافة الاستهلاكية، بحيث تتحول العلاقة إلى صفقة: الرجل يدفع والمرأة تطالب دون أن تقدم ما يوازي ما تناله. إنَّ هذا الخلل بين ما يُطلب وما يُقدَّم يؤدي إلى انعدام التوازن ويفتح الباب للمشكلات والصراعات، كما نراه في العديد من الزيجات في مجتمعاتنا.  

حين تتحول الخيالات إلى مطالب

عندما تعتقد المرأة أنَّ الرجل الحقيقي يجب أن يكون نسخة من شخصيات الأفلام، فهي تدخل العلاقة وهي مزودة بحقوق مطلقة ومتطلبات لا حدود لها. تستدعي تقنيات علم النفس الاجتماعي هنا فهم ما يسمى "الاستحقاق المرتفع"، وهو شعور لدى بعض النساء بأنهن يستحقن أفضل شيء دون تقديم مقابل يوازي القيمة. في الإسلام، يذكر القرآن الكريم: { وَلَهُنَّ مِثْلُ الَّذِي عَلَيْهِنَّ بِالْمَعْرُوفِ }، أي أن العلاقة تقوم على مبدأ المساواة العادلة في الحقوق والواجبات؛ لكن الأفلام الرومانسية تُغيب هذا المبدأ وتعرض الرجل كخادم دائم لرغبات المرأة.  

الفيلسوف اليوناني أرسطو تحدث عن "الوسط الذهبي"، وهو فضيلة التوازن بين الإفراط والتفريط. فالمرأة التي تتعلق بالخيال وتطالب بالفارس المثالي تتجه نحو الإفراط في مطالبها، بينما تهمل القيمة التي يمكن أن تضيفها إلى الرجل. من جهة أخرى، تنسى أنَّ الحب ليس مجرد هدايا وكلمات معسولة، بل هو تفاعل متبادل وتناغم نفسي وروحي. علماء النفس يشيرون إلى أن الشريك الذي يضع توقعات غير واقعية يضع نفسه أمام خيبة أمل دائمة، مما يولد شعوراً بالظلم والعداء تجاه الطرف الآخر.  

في المجتمع السعودي، تتفاقم هذه الظاهرة مع انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تعزز صورة الرجل الثري والمتسامح الذي يغمر زوجته بالهدايا والمفاجآت. النساء الشابات يصبحن أكثر تعلقاً بقصص الخيال ويقل إحساسهن بأهمية الالتزام والصبر. لكن الواقع يختلف كثيراً عن الشاشة؛ فالحياة الزوجية تحتاج إلى صبر وتضحية متبادلة وتحمل للمسؤولية. وعندما تتحول خيالات الأفلام إلى مطالب يومية، يجد الرجل نفسه تحت ضغط يفوق طاقته، فيلجأ إلى البحث عن امرأة أخرى أو إلى الانسحاب العاطفي.  

العلاقة الصحية هي التي يكون فيها العطاء متبادلاً، حيث يُقدّر كل طرف قيمة الآخر. يجب على المرأة أن تسأل نفسها: "هل أقدم ما يعادل ما أطالب به؟". إن الجمال والأنوثة مكسبان طبيعيان، لكنهما لا يكفيان وحدهما لبناء حياة مشتركة. عليها أن تطور نفسها فكرياً وعاطفياً، وأن تدعم زوجها في محطات حياته، وأن تكون شريكاً حقيقياً لا مجرد متلقٍ للامتيازات. وعليها كذلك أن تتحرر من وهم الفارس المثالي كي لا تندفع نحو توقعاتٍ لن تتحقق، فالحياة ليست مسرحاً للفنتازيا بل رحلة مشتركة تتطلب من الطرفين نضجاً وعطاء.  

العلاقات الزوجية الناجحة تبنى على القيم والتفاهم وليس على المشاهد السينمائية. حين تنظر المرأة إلى الرجل كإنسان له تحدياته واحتياجاته، وتقدّر الجهد الذي يبذله، فإنها تفتح باباً للتوازن والاحترام. وفي المقابل، ينبغي للرجل أيضاً أن يظهر تقديره لزوجته وأن يتعامل معها كشريك يدعم مسيرته. هذه المعادلة العادلة، التي تجمع بين الرؤية الدينية والإنسانية والفلسفية، هي السبيل إلى إسعاد الطرفين بعيداً عن تأثير الأفلام الرومانسية.