فلسفه سين نو ريكيو وعلاقتها بعلم النفس والهندسه المعاصره

فلسفه سين نو ريكيو التي ظهرت قبل الاف السنين , ظاهريا كانت مراسيم لشرب الشاي ولكن جوهريا وبمفهومنا الحديث كانت دمجا واضحا للطبيعه لانشاء بيئه مغذيه وملهمه ومعززه صله الانسان العميقه بنفسه. فقد استخدم سين نو ريكيو الطبيعه لبناء غرفته المخصصه للشاي وللشعور بالسلام النفسي.والتي اثبتها علم النفس الحديث من خلال بيان تاثير الطبيعه على الصحه النفسيه للانسان. وهذه الفلسفه العميقه نجدها في الوقت الحاضر متمثله ايضا في التصميم البيوفيلي الهندسي والتصاميم المماثله والتي تدمج الطبيعه في التصميم والبناء, ليس لاضفاء جمالي فحسب بل لتحسين جوده الهواء وتقليل الضوضاء واتصالا منعشا بالطبيعه والذي يؤدي الى الهدوء والراحه النفسيه.

فلسفه سين نو ريكيو وعلاقتها بعلم النفس والهندسه المعاصره


مقدمه

فلسفة "سين نو ريكيو"  ظهرت قبل آلاف السنين، أي قبل تطور العلم وظهور الأبحاث والدراسات. إلا أنها أثبتت عمقها النفسي والصحي والمعنوي، وظهرت آثارها في عدة مجالات أبرزها المجال النفسي والمجال الهندسي. هذه الفلسفة، ببساطتها الظاهرية وعمقها المعنوي، أثبتت بحق أن الإنسان مُبدِع بفطرته، ولا يحتاج إلى تكنولوجيا متطورة لاكتشاف حقيقة علمية لها علاقة بفطرته. فالتصميم البيوفيلي الهندسي المعماري وغيره من التصاميم التي تدمج الطبيعة في البناء والتصميم في زمن التكنولوجيا المعاصرة، ما هي إلا امتداد لفلسفة ظهرت قبل آلاف السنين، فلسفة فطرية أثبتت إمكانيات الإنسان المعرفية وذكاءه وعمق تفكيره.

في هذا المقال سنتعرف على سين نو ريكيو وفلسفته وعلاقتها بعلم النفس والهندسة.

"سين نو ريكيو"

سين نو ريكيو هو أحد قادة تاريخ الثقافة اليابانية وأستاذ الشاي الياباني. عاش في الفترة (1522-1591 م). كان ذو تأثير كبير في المجالات الفنية والأدبية والاجتماعية. أتقن مراسيم إقامة حفل الشاي، ورفعه إلى مستوى الفن، حيث أعاد تعريف حفل الشاي بجميع جوانبه التي تتضمن القواعد الإجرائية. كما أسس مدرسة الشاي الخاصة به، وتحول مذهب الشاي بسببه من كونه وسيلة لإلهاء الأثرياء إلى وجهة نظر وأسلوب حياة في اليابان.

من أقوال سين نو ريكيو:

  • "الحرية لا تفوز دائماً، وهذا من أقسى دروس التاريخ."
  • "التاريخ لا يزيل المظالم، إنه يضعها كالألغام الأرضية."
  • "عندما يُفتح باب، يُفتح معه باب آخر."
  • "عندما تسمع تدفق قطرات المطر تسقط في الوعاء الحجري، ستشعر بأن كل الغبار في عقلك قد انغسل."
  • "إذا كان لديك إبريق شاي واحد ويمكنك تحضير الشاي فيه، فسيكون ذلك جيداً. فَكَمْ يفتقر إلى نفسه الذي لديه الكثير من الأشياء."

فلسفة سين نو ريكيو

ظاهرياً، تتمحور فلسفة سين نو ريكيو حول مراسم شرب الشاي اليابانية. لكنها في الواقع تجسد أربعة مبادئ أساسية في الحياة، وهي: الاحترام، والانسجام، والسكينة، والنقاء. وهي في الحقيقة امتداد لفلسفة "وابي وسابي" وهي فلسفة وجدت الجمال في البساطة وعدم الكمال. ركز سين نو ريكيو في مراسم حفل الشاي على طريقة تصميم غرفة الشاي، والتي حرص على أن تكون محاطة بالطبيعة، وبسيطة في التصميم، مستخدماً جميع الأدوات والمواد من الطبيعة، كجذوع الأشجار والقش. كما استخدم الأواني الريفية البسيطة. وسبب حرصه على أن تكون جميع الأدوات والمواد من الطبيعة، ذلك لأنها تبعث الهدوء والسكينة. بالإضافة إلى ذلك، حرص على أن يكون المدخل إلى غرفة الشاي صغيراً وقصيراً في الطول، وذلك حتى ينحني الجميع عند دخولهم الغرفة، مما يعزز مبدأ المساواة والتواضع. لقد استطاع تحويل فلسفته إلى ممارسة روحية تُمارَس حتى يومنا هذا. فمن وجهة نظره، الطبيعة هي المكان الأنسب ليحصل الإنسان على السكون. فمتى ما حصل عليه، سيتصل بذاته ويعيد ترتيب الأمور بداخله، فالطبيعة تساعد الإنسان على الشعور بالطمأنينة والصبر.

علاقة فلسفة سين نو ريكيو بعلم النفس والهندسة المعاصرة

علاقتها بعلم النفس

في علم النفس الحديث، وجدت الدراسات والأبحاث بأن الوقت الذي يقضيه الإنسان في الطبيعة يمكن أن يؤثر إيجابياً على صحته البدنية والنفسية والعقلية. فالتنزه بين الأشجار أو الجلوس وسط الطبيعة له تأثير كبير على تحسين المزاج وخفض التوتر، وتحسين الانتباه، وتقليل خطر الإصابة بالاضطرابات النفسية. وأثبتت عدة دراسات أن الجلوس في الطبيعة بمثابة بَلْسَم للدماغ وله فوائد معرفية. فالطبيعة تعمل على تعزيز النمو المعرفي خاصة عند الأطفال، وتعمل على تعزيز سلوكيات ضبط النفس لديهم. لذلك نجد أغلب الدول الأجنبية تُحِيطُ المدارس بمساحات خضراء. ووجدت دراسات أخرى بأن سكان الأحياء السكنية المحاطة بالطبيعة والأشجار لديهم أداء انتباهي أعلى من سكان المدن الخالية من الأشجار أو أي مظهر من مظاهر الطبيعة والذين هم أكثر عرضة لاضطرابات الانتباه. حيث أثبتت هذه الدراسات بأن البيئة الطبيعية تعمل على تحسين الذاكرة المعرفية وزيادة الانتباه.

علاقتها بالهندسة

فسر عدد من الباحثين في علم النفس تأثير الطبيعة على الإنسان من خلال فرضية أو نظرية "البيوفيليا"، والتي وجدت  بأن الإنسان فطرياً قادر على التواصل مع الطبيعة. وأرجعت سبب هذا التواصل إلى أن أسلافنا قد تطوروا في بيئات برية معتمدين على الطبيعة للبقاء. لذلك فالإنسان بفطرته قادر على التواصل مع الطبيعة بطريقة تساعده فسيولوجياً على تخفيض مستوى التوتر واستعادة الانتباه، ذلك لأن الطبيعة قادرة على تجديد موارد الإنسان المعرفية والتي بدورها تعمل على تحسين التركيز والانتباه. نظرية البيوفيليا ألقت الضوء على استعداد الإنسان وراثياً للانجذاب والتواصل مع الطبيعة، فهو يتمتع بصحة أفضل عندما يكون محاطاً بها. فالطبيعة تعزز شعور الإنسان بالسعادة، وعلمياً تم إثبات أن التواجد في الطبيعة يساعد على خفض مستوى الكورتيزول (هرمون التوتر) في الجسم، وتعمل على تعزيز الإبداع. لذلك نجد بأن نظرية البيوفيليا والتي استمدت من حب الطبيعه وتأثيرها الإيجابي على الإنسان لعبت دوراً أساسياً في التصميم والهندسة المعمارية الخضراء والمباني الصديقة للبيئة. وظهرت مبادئ التصميم البيوفيلي و "التصميم البيوفيلي الهندسي" ، الذي دمج العناصر الطبيعية في البناء كالخشب المُعاد تدويره في الجدران والأرضيات،والتي لا تُضيف جمالية فحسب ، بل تُضيف رابطا ملموسا بالطبيعة وبالتالي تخلق بيئة تعزز الشعور بالهدوء والسكينة. وهذا التصميم تم تبنيه في المباني السكنيه وكذلك من قبل عدة شركات، والتي اعتمدت فكرة التصميم الطبيعي، لمساعدة موظفيهم على الشعور بالراحة النفسية والسعادة وبالنتيجة زيادة الإنتاج. 

وبالعودة إلى فلسفة سين نو ريكيو التي ظهرت قبل آلاف السنين، والتي ظاهرياً كانت خاصة بشرب الشاي ولكنها جوهرياً وبمفهومنا الحديث كانت دمجاً واضحاً للطبيعة والإنسان، لتوفير بيئة مغذية ومُلهمة ومُعزِّزَة لصلة الإنسان بنفسه. نجد ان نفس المبدأ يُستخدم في الوقت الحاضر في التصميم البيوفيلي الهندسي وغيره، ليس لإضفاء جمالية فحسب، بل لتحسين جودة الهواء وتقليل الضوضاء وتوفير اتصال منعش بالطبيعة يؤدي إلى الهدوء والراحة النفسية.

الخاتمة 

إن الفكرة الأساسية لفلسفة سين نو ريكيو تمثلت بضرورة تخصيص وقت لحياتنا الروحية ومنح النفس الطمأنينة لإعادة ترتيب الأفكار، والإحساس بقيمة الأشياء والأحداث التي تبدو صغيرة وتمر سريعاً خلال اليوم دون إعطائها أي قيمة. ومثال على هذه الأحداث الصغيرة التي تمر سريعاً دون الشعور بأهميتها وتأثيرها علينا، ركز سين نو ريكيو على الشاي ونظم طقساً خاصاً به. على الرغم من غرابة الطقس عند السماع به، إلا أنه من وجهة نظر ريكيو هو عبارة عن حالة سكون وهدوء واتصال بالطبيعة. فتناول الشاي في كوخ داخل غابة بعيدة عن الضجيج وزخم الحياة كفيل بتحرير الإنسان من ضغوطات الحياة. هذه الفلسفة التي اثبتت  عمقها واهميتها نفسيا وصحيا ومعنويا في وقتنا الحاضر .

المراجع

Sen no rikyū

Understanding Nature and Its Cognitive Benefits

A review of the benefits of connecting with nature and its application as a wellbeing intervention

Understanding the Biophilia Hypothesis

Sen no Rikyu, The Great Master of Japanese Tea Ceremony