كيف يهضم الجسم الطعام؟ رحلة الطعام داخل أجسامنا

يتناول كثير من الأطفال الطعام دون أن يعرفوا ما يحدث له داخل أجسامهم. يشرح هذا المقال رحلة الطعام من اللقمة الأولى في الفم إلى المعدة ثم الأمعاء، وكيف تعمل الإنزيمات والعصارات لهضم الغذاء وتحويله إلى طاقة تفيد الجسم. يقدم المعلومات بطريقة شيقة وبسيطة تناسب فضول العالم الصغير.

كيف يهضم الجسم الطعام؟ رحلة الطعام داخل أجسامنا
توضيح رحلة الطعام داخل الجهاز الهضمي وكيف يتحول إلى طاقة بشكل مبسط للأطفال


هل تساءلت يوماً، عند مضغ تفاحة أو قطعة من الشوكولاتة، كيف تتغير هذه اللقمة لتصبح جزءاً منك وتمنحك الطاقة والقدرة على اللعب والتفكير؟ ربما سألت نفسك أو سألك طفل صغير؛ أين يذهب الطعام بعد أن يختفي داخل أفواهنا؟ لقد صُمّم جسمك كآلة دقيقة تعرف ما تفعله حتى لو لم تدرك أنت ذلك. رحلة الطعام تبدأ في الفم، وأول محطة فيها تشبه بوابة المصنع التي تستقبل المواد الخام.

في الفم تعمل الأسنان مثل مجموعة من العمال المهرة بأدوات مختلفة؛ القواطع تقطع الطعام إلى أجزاء صغيرة، وبينما الأضراس تسحقه وتطحنه حتى يصبح طرياً. يمتلك اللسان غدداً تفرز اللعاب، وهو سائل يحتوي على إنزيمات خاصة مثل إنزيم الأميلاز تعمل كالعصا السحرية، تحول النشويات المعقدة إلى سكريات بسيطة يمكن للجسم استخدامها. اللعاب ليس فقط لجعل الطعام رطباً وسهل البلع، بل يحمي أيضاً الفم ويبدأ عملية الهضم الكيميائية مبكراً. كلما واصلت المضغ، يختلط اللعاب بالطعام فيتكون خليط لين يسمى اللقمة، جاهز للانتقال إلى المرحلة التالية من الرحلة.

عندما تبتلع، تنطلق العضلات داخل المريء في حركة إيقاعية تشبه موج البحر، تدفع اللقمة برفق نحو المعدة. هذه الحركة التي تُدعى بالتموج أو الحركات الدودية تعمل تلقائياً وتضمن وصول الطعام إلى المعدة حتى لو كنت واقفاً على رأسك أو نائماً. في طريقها، يحرس لسان المزمار الحنجرة فيغلق المسار المؤدي إلى الرئتين كي لا يذهب الطعام إلى مكان خاطئ. في هذه المرحلة يعمل جسمك مثل نظام نقل آمن وسريع يوجّه اللقمة إلى وجهتها الصحيحة دون أي ضجيج.

المراحل الخفية بعد المعدة

المعدة غرفة دافئة وعضلية تستقبل الطعام وتبدأ عملية تحويله جذرياً. تبلغ سعتها لترين تقريباً، وتعمل كخلاط قوي يطلق الجدار الداخلي للمعدة عصارة حامضية تحتوي على حمض الهيدروكلوريك وإنزيمات تهضم البروتينات والدهون. تتقلص عضلات المعدة وتتمدد، فتخلط الطعام بالعصارة، تماماً كما تدور الغسالة وتخلط الملابس بالصابون. في هذه البيئة القاسية، تتحول اللقمة إلى سائل سميك القوام يسمى الكيموس. وعلى رغم من قوة الحمض، فإن بطانة المعدة تفرز مخاطاً يحمي الخلايا من التآكل في توازن دقيق بين القوة والحماية.

بعد بضع ساعات من الخلط، يفتح صمام صغير في نهاية المعدة ويسمح للكيموس بالانتقال إلى الأمعاء الدقيقة، وهي أنبوب طويل ملفوف داخل بطنك يصل طوله إلى ستة أمتار، أطول من طولك عدة مرات. في هذا المكان، ينضم إلى الرحلة أصدقاء جدد؛ يقوم الكبد بإفراز العصارة الصفراوية التي تعمل كالمنظف وتساعد على تفتيت الدهون الكبيرة إلى قطرات صغيرة، بينما يضخ البنكرياس إنزيمات تكسر الدهون والبروتينات والكربوهيدرات إلى وحدات أصغر. كما يتم إطلاق البيكربونات من البنكرياس لمعادلة الحموضة القادمة من المعدة حتى لا تؤذي الأمعاء. تمتدّ على جدار الأمعاء الدقيقة زوائد صغيرة تشبه الملايين من الأصابع الدقيقة أو الشعيرات تُسمى الزُغابات والزوائد المجهرية، تزيد مساحة السطح بحيث يمكن امتصاص أكبر كمية ممكنة من المغذيات. من خلال هذه الأصابع الدقيقة، تمرّ السكريات والأحماض الأمينية والدهون والفيتامينات والمعادن إلى مجرى الدم، فتصل إلى كل خلية في جسمك لتمنحها الطاقة والمواد الخام للنمو والإصلاح.

كلّ ما لا يستطيع الجسم استخدامه يتجه إلى الأمعاء الغليظة. هنا يتم امتصاص الماء والأملاح مرة أخرى، وتعمل بكتيريا صديقة تعيش داخلنا على تفكيك بعض الألياف وإنتاج فيتامينات مثل فيتامين ك. كل هذه الكائنات الصغيرة تعمل معنا وليس ضدنا، فهي جزء من فريق الهضم الذي يحافظ على صحتنا. في نهاية الرحلة، يصبح ما تبقى من هذه العملية الطويلة جافاً ويتجمع ليخرج من الجسم على شكل فضلات. هكذا يحافظ الجسم على نظافته ويستعد لرحلة جديدة مع وجبة جديدة.

إذا تأملت هذه الرحلة بالتفصيل ستكتشف أن عملية الهضم ليست مجرد عمل ميكانيكي، بل قصة معقدة من التعاون بين أعضاء وإنزيمات وأحماض وبكتيريا وأجزاء دقيقة تعمل بلا توقف. كل لقمة تأكلها تدخل في سلسلة من الأحداث الكيميائية والفيزيائية التي تحوّلها إلى حياة داخل جسدك. عندما تختار طعاماً صحياً ومتوازناً وتتناول وجباتك بهدوء وتمضغ جيداً، فأنت تمنح هذه الأجهزة ما تحتاجه لتعمل بسلاسة. لذا في المرة القادمة التي تسأل فيها أو يسأل فيها طفل: كيف يهضم الجسم الطعام؟ يمكنك أن تشرح له هذه الحكاية العلمية الشيقة، وتدعوه ليكون عالماً صغيراً يراقب ويستمتع بسحر العلم داخل جسده، فيدرك كيف تعمل الأشياء ويشعر بالامتنان لجسمه المذهل.