خمسة أشياء يجب أخذها في عين الإعتبار عند تصميم سياسة لقياس أثر البحث العلمي على المستوى الوطني
تزامنا مع إنشاء هيئة تنمية البحث والتطوير والإبتكار في المملكة يتطلع الباحثون لأن يمتد الإهتمام لمكافأة أصحاب الأبحاث التي حققت أثر مجتمعي أو إقتصادي، وفتح فرص أكبر للدعم لهم. ولذلك من المهم أن يتم تطوير سياسة وطنية لقياس أثر البحث العلمي على المستوى الوطني في السعودية.
تشجع العديد من الدول أهمية تقييم المشاركة المجتمعية والأثر للجامعات لضمان أن ينتج البحث الأكاديمي فوائد اقتصادية واجتماعية أوسع بما يتناسب مع الأجندة الوطنية للبحث والتطوير وللابتكار. ويتم ذلك عن طريق توجيه الدعم والمنح نحو الأبحاث التي سيكون لها تأثير مفيد في المستقبل على المجتمع.
يقدم هذا المقال خطوات لقياس التأثير غير الأكاديمي للبحث العلمي ويبرز العديد من التحديات الجديدة التي لم تكن ذات صلة في السابق عندما كان التقييم يركز فقط على الجدارة الأكاديمية. ونستند على أحد الأبحاث الحديثة التي سلطت الضوء على بعض القضايا الرئيسية التي يجب معالجتها عند تقرير كيفية قياس التأثير.
١- ماذا يجب أن يكون موضوع القياس؟
يحتاج تقييم أثر البحث العلمي إلى تتبع العلاقة بين البحث الأكاديمي وتأثيره في "العالم الحقيقي" خارج الحرم الجامعي. هذه العلاقات متنوعة للغاية ومحددة لسياق معين لذلك من الأفضل التقاطها من خلال دراسة كل حالة على حده.
عند تحليل دراسة حالة فإن القضايا الرئيسية هي: ما الذي يعتبر تأثيرًا وما الدليل المطلوب لإثبات ذلك؟
على سبيل المثال، في إطار التميز البحثي في المملكة المتحدة Research Excellence Framework الذي يقيم جودة البحث الأكاديمي - فإن التأثيرات الوحيدة التي يمكن حسابها هي تلك التي تتدفق مباشرة من المستفيد من البحث الأكاديمي المقدم إلى برنامج التميز البحثي.
ولتأكيد التأثير يُطلب من المستفيدين من البحث (مثل صانعي السياسات والممارسين) تقديم أدلة أو شهادة مكتوبة على استفادتهم من البحث. قد يؤدي ذلك إلى إنشاء تعريف ضيق للتأثير لأن تلك التي لا يمكن التحقق منها أو التي لا تستند إلى مخرجات البحث المقدمة لا يتم حسابها. وقد يكون هذا سببًا للإحباط بعض الباحثين، لكن المعايير العالية تضمن أن التأثيرات حقيقية وتتدفق من أبحاث عالية الجودة.
٢- كيف يفترض أن يكون الإطار الزمني؟
هناك فترات زمنية لا يمكن التنبؤ بها بين العمل الأكاديمي الذي يتم القيام به وتأثيره. قد يتم استيعاب بعض الأبحاث وتطبيقها بسرعة في حين أن التأثيرات الأخرى خاصة تلك الناتجة عن الأبحاث الأساسية قد تستغرق عقودًا لتظهر.
على سبيل المثال، وجدت دراسة تبحث في التأخر الزمني في الأبحاث الصحية أن الفارق الزمني من البحث إلى الممارسة هو في المتوسط 17 عامًا. وتجدر الإشارة مع ذلك إلى أن الفواصل الزمنية تختلف اختلافًا كبيرًا حسب التخصص.
فقط بعد فوات الأوان يمكن تقدير قيمة بعض الأبحاث بشكل كامل ومع ذلك يجب ضبط عمليات تقييم أثر البحث العلمي على إطار زمني معين.
هنا يمكن لواضعي السياسات التعلم من التجارب السابقة مثل تلك التي أجرتها شبكة التكنولوجيا الأسترالية ومجموعة الثمانية في عام 2012. سمح هذا المشروع بقياس التأثيرات المتعلقة بالبحوث التي حدثت خلال السنوات الخمس عشرة الماضية.
٣- من يجب أن يكون المقيِّمون لأثر البحث العلمي؟
إنها اتفاقية راسخة حيث أن التميز الأكاديمي يقرره الزملاء الأكاديميون. عادة ما يتم إجراء تقييمات البحث من قبل مجموعات من الأكاديميين. ومع ذلك إذا تم توسيع هذه التقييمات لتشمل التأثير غير الأكاديمي فهل هذا يعني أن هناك حاجة لتضمين آراء المستخدمين النهائيين للبحث؟ قد يعني هذا أن أصوات الأشخاص خارج الأوساط الأكاديمية بحاجة إلى المشاركة في تقييم البحث الأكاديمي.
في عام 2014 في المملكة المتحدة (REF) تم تجنيد أكثر من 250 "مستخدم بحثي" (أفراد من القطاع الخاص أو العام أو الخيري) للمشاركة في عملية التقييم ومع ذلك فقد اقتصرت مشاركتهم على تقييم عناصر تأثير المخرجات.
يعد هذا الخيار بمثابة حل وسط فعال بين الحفاظ على مبدأ مراجعة الأقران الأكاديمي لجودة البحث مع تضمين المستخدمين النهائيين أيضًا في تقييم التأثير.
٤- ماذا عن التأثيرات المثيرة للجدل؟
في كثير من الحالات يكون تأثير البحث الأكاديمي إيجابيًا على العالم الأوسع. ولكن هناك بعض الآثار المثيرة للجدل مثل - المحاصيل المعدلة وراثيًا، والتقنيات النانوية في الغذاء، وأبحاث الخلايا الجذعية - والتي يجب أخذها في الاعتبار بعناية.
وقد يكون لمثل هذا البحث تأثير كبير ولكن بطرق تجعل من الصعب التوصل إلى إجماع حول كيفية تأثير التقدم العلمي على "الصالح العام". يمكن أن يؤدي مثل هذا البحث إلى توترات مجتمعية وأسئلة أخلاقية.
وهذا يعني أن تقييم الأثر يحتاج أيضًا إلى مراعاة العوامل غير الاقتصادية مثل: جودة الحياة، والتغير البيئي، والصحة العامة.
٥- متى يجب إجراء تقييم الأثر للبحث العلمي؟
يمكن أن يحدث تقييم الأثر في مراحل مختلفة من عملية البحث. على سبيل المثال، قد يدعو الممول إلى تقديم مقترحات بحثية حيث يتم تقييم الطلبات المقدمة بناءً على قدرتها على إحداث تأثير في المستقبل أو إعطاء دعم إضافي لأصحاب المنح الحالية لتحويل نائج البحث العلمي إلى تطبيقات عملية ذات أثر ملموس في المجتمع.
مثال على ذلك هو إثبات مجلس البحوث الأوروبي لمنح التجارب الأولية European Research Council Proof of Concept Grants حيث يمكن للباحثين الذين أكملوا بالفعل منحة ERC تقديم عطاءات للحصول على تمويل متابعة لتحويل معرفتهم الجديدة إلى تأثيرات.
وبدلاً من ذلك يمكن تقييم الآثار المتدفقة من البحث في عملية تقييم بأثر رجعي. يحدد هذا النهج التأثيرات ويتحقق من وجودها بالفعل ويكافئ الجامعات ومراكز الأبحاث التي حققتها. مثلا أن يتم النظر في أكثر الأبحاث تأثيرا في المجتمع أو التي ساهمت في حدوث تقدم اقتصادي خلال العشر سنوات الماضية ويتم مكافأه الباحثين أصحاب تلك الأبحاث. مما يشجع الباحثين على التفكير في الأثر المستدام لنتائج الأبحاث.
ومن الأمثلة على ذلك بروتوكول التقييم القياسي Standard Evaluation Protocol (SEP) المستخدم في هولندا والذي يقيم جودة البحث وأهميته المجتمعية.
واخيرا، إن بناء نموذج التجريبي - يختبر مدى ملاءمة مجموعة واسعة من المؤشرات وطرق التقييم لكل من المخرجات البحثية والأثر - يمكن أن يساهم بشكل كبير في تحديد توجه واستراتيجية وطنية لتقييم أثر البحث العلمي سواء كان أثر اقتصادي أو مجتمعي أو كلاهما .
تحرير:
د. ناصر فهد بن دهيم