الاستحقاق العالي لدى المرأة مقابل ضعف القيمة التي تقدمها في العلاقة والنهاية المؤلمة

يتناول هذا المقال ظاهرة الاستحقاق العالي لدى بعض النساء في العلاقات الزوجية وكيف يطالبن بمزيد من الحقوق المادية والعاطفية رغم أن القيمة التي يقدمنها ضعيفة مقارنة بما يطلبن، مستنداً إلى رؤية نفسية وفلسفية ودينية تبحث في جذور مشكلة الاستحقاق وتداعياته على العلاقة بين الرجل والمرأة في المجتمع السعودي. يطرح تساؤلاً أساسياً حول مدى عدالة التوقعات النسائية وكيف يمكن استعادة التوازن من خلال تقدير العمل غير المادي والأدوار المتبادلة.

الاستحقاق العالي لدى المرأة مقابل ضعف القيمة التي تقدمها في العلاقة والنهاية المؤلمة
صورة تعبيرية توضح ميزانًا يوازن بين القلب والمال لتجسيد موضوع الاستحقاق العالي لدى المرأة وضعف القيمة التي تقدمها في العلاقة


تنتشر في أحاديث الناس حول العلاقات الزوجية في السعودية ظاهرة يمكن تسميتها بـ"الاستحقاق العالي" لدى بعض النساء. في عيونهن يبدو أن الزوج مطالب دومًا بتقديم المزيد من المال والهدايا والاهتمام، بينما تخف مساهماتهن في بناء العلاقة إلى حد كبير. ليس المقصود هنا فضح كل النساء ولا الدفاع الأعمى عن الرجال، بل تسليط الضوء على سلوك اجتماعي يضر بالطرفين ويخلق إحساسًا دائمًا بعدم الرضا.

عندما نقارن بين توقعاتنا وما نقدمه فعلاً، يبرز سؤال فلسفي طرحه أفلاطون منذ قرون: هل العدل أن يأخذ كل طرف ما يطلبه أم أن العدل يقوم على توازن الحقوق والواجبات؟ في الأدب المعاصر، كتبت بعض الكاتبات نقدًا لاذعًا للنساء اللواتي يرين أنفسهن مركز الكون ويرفضن رؤية احتياجات شريكهن. إن قيمة الشراكة ليست في مقدار ما نحصل عليه، بل في قدرة كل طرف على العطاء.

من منظور نفسي، يشير علماء النفس إلى أن الشعور بالاستحقاق يخلق فجوة بين التوقعات والواقع. دراسة أُجريت في جامعة تورونتو وجدت أن الأشخاص الذين يتسمون باستحقاق عالٍ يميلون إلى الشعور بخيبة أمل مزمنة لأن توقعاتهم لا تُشبَع مهما قدم الشريك. هذا النوع من الشخصية لا يرى الجهود الصغيرة بل يقيس العلاقة بميزان الحسابات المالية. المشكلة أن قياس الحب والاحترام بأرقام يفرغ العلاقة من روحها ويحولها إلى صفقة تجارية.

في جلسات الرجال والنساء اليومية كثيرًا ما نسمع الرجال يتساءلون بمرارة: لماذا تطالبنا نساؤنا بالمزيد بينما لا يبذلن نفس الجهد في دعمنا أو تقديرنا؟ بعض النساء اليوم يعتبرن أن مجرد كونهن نساء يمنحهن حق الاستحواذ على جيب الزوج، وكأن لسان حالهن يقول: "أستحق كل شيء حتى وإن لم أقدم شيئًا ذا قيمة". وبينما تتغافل هذه النسوة عن مسؤولياتهن العاطفية والاجتماعية، يشعر الرجال بأنهم مجرد آلة للصرف. اللافت أن الكثير من النساء المثقفات والناجحات لا يقعن في هذا الفخ، فهن يفهمن أن القيمة ليست مرتبطة بكمية المال بل بعمق المشاركة.

وتبرز المشكلة بوضوح عندما تحصر بعض النساء دورهن في التفاصيل السطحية: التسوق، الاستعراض على وسائل التواصل، المقارنة مع غيرهن. بينما يغيب عنهن أن القيمة الحقيقية في إدارة منزل دافئ، تربية أبناء صالحين، الوقوف بجانب الزوج حين يضعف، وإعطائه الدعم والاحترام الذي يحتاجه ليواصل العطاء. إن التساؤل المحوري هو: هل تضيفين لزوجك نفس مقدار ما تطالبينه به؟ إن كانت الإجابة بالنفي، فلماذا تتوقعين نهاية سعيدة لعلاقة غير متوازنة؟

الدين الإسلامي وضع أسسًا واضحة في هذا الموضوع؛ فالقرآن الكريم يأمر بالمعروف والعدل ويحث على الرحمة والمودة بين الزوجين. يقول تعالى: «وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ» أي أن على الرجل أن يحسن معاملة زوجته، وعلى الزوجة بالمقابل أن تقوم بدورها في المنزل والأسرة بإخلاص. كما أن السنة النبوية تكرّر ضرورة حفظ كل طرف لحقوق الآخر وعدم تجاوز حدود المعقول. هذا التوازن الديني يغيب أحيانًا حين تستسلم المرأة لخطابات متطرفة ترى أن الاستحقاق ليس له حدود.

البعد الفلسفي والسيكولوجي يدعونا أيضًا إلى التفكير في مفهوم الشكر. علماء النفس الإيجابي يشيرون إلى أن الامتنان المتبادل يعزز الشعور بالسعادة لدى الطرفين. عندما تشكر المرأة زوجها على جهوده وتقدّر عمله، يشعر هو بالأمان والقبول، فيزيد عطاءه. وعندما يقدّر الرجل تضحية زوجته وحنانها، تشعر هي بأنها مهمة ومؤثرة، فتبذل المزيد من الحب. هذا التبادل لا يمكن تحقيقه بوسائل مادية بحتة، بل يحتاج إلى وعي داخلي بأهمية الشراكة وقيمة العطاء.

في النهاية، لا يعني نقد الاستحقاق العالي أن المرأة يجب أن تتخلى عن حقوقها أو طموحاتها، بل أن تعي قيمة ما تقدمه وأن تربط طلباتها بما تضيفه للعلاقة من دعم واحترام وعاطفة. المرأة التي تؤمن بأنها جديرة بالحصول على الحب والاهتمام يجب أن تسأل نفسها دائمًا: "هل لدي قيمة تضيفها لزوجي تعادل ما أطالب به؟" والزوج الذي يرى أن زوجته تستحق الأفضل يجب أن يُرِيها تقديره وامتنانه. حين تتوازن الحقوق والواجبات وينتبه كل طرف لاحتياجات الآخر، تختفي مظاهر الاستحقاق المزعجة وتتفتح أزهار المحبة الحقيقية في الأسرة.