Data by Design: المفهوم الذي سيغير مستقبل الأنظمة الحكومية في السعودية
مقال تحليلي يسلط الضوء على خطأ شائع في المؤسسات الحكومية يتمثل في التعامل مع البيانات كمنتج جانبي، ويشرح كيف يمكن عبر منهجية "Data by Design" وخارطة بيانات استراتيجية تحويل الأنظمة التشغيلية إلى منظومات معرفية تقود القرار، مستعرضًا دور IDM في تمكين هذا التحول.

تبدو معظم الجهات الحكومية اليوم وكأنها تسبح في بحر من البيانات. تقارير شهرية، أنظمة تشغيلية، استبيانات، مستندات إدارية، نماذج إلكترونية… كلها تملأ الخوادم وقواعد البيانات، وتوهم القادة بأن “المعلومة متوفرة”. لكن الحقيقة التي تكشفها التجربة اليومية هي أن توفر البيانات لا يعني بالضرورة توفر المعرفة. فالبيانات التي تُجمَع دون تصميم مسبق لا تُصبح معرفة، والأنظمة التي بُنيت لإنجاز مهام تشغيلية فقط، لا تنتج رؤية استراتيجية مهما كثُر محتواها.
الخلل لا يكمن في ندرة البيانات، بل في غياب بنية معرفية مصممة عمدًا لتوليد الفهم. في كثير من المؤسسات، تُعامل البيانات كما لو كانت "منتجًا جانبيًا" – تظهر تلقائيًا مع كل إجراء إداري أو خدمة إلكترونية، دون تفكير في كيفية هندستها، أو جدوى تحليلها، أو حتى قابليتها للربط مع بيانات أخرى.
هذا الوهم مكلف. إذ يجعل المؤسسة تعتمد على ما هو متاح، لا على ما هو ضروري. وتبني قراراتها على بيانات غير مصممة أصلًا لدعم القرار. في هذا المقال، نكشف الفرق الجوهري بين البيانات المصممة والبيانات العشوائية، ونستعرض كيف يمكن للجهات الحكومية أن تتحول من بيئة "تراكم بيانات"، إلى بيئة "توليد معرفة"، باستخدام نماذج متقدمة، وخارطة بيانات استراتيجية، وهندسة مؤسسية تبدأ من التصميم، لا من التصحيح.
خطأ التصميم الشائع
في أغلب المنظمات الحكومية، تُبنى الأنظمة التشغيلية بهدف "أداء مهمة" لا بهدف "توليد معرفة". تُصمم المنصات الإلكترونية لتلقي الطلبات، تُجهز قواعد البيانات لحفظ المعاملات، وتُجمع النماذج والحقول لأغراض إجرائية بحتة. النتيجة؟ بيانات كثيرة… ولكنها غير قابلة للتحليل. هنا يقع ما يمكن تسميته بـخطأ التصميم الشائع: اعتبار البيانات نتيجة جانبية للنشاط الإداري، وليس عنصرًا استراتيجيًا يجب تخطيطه من البداية. وعندما تُبنى الأنظمة دون اعتبار لهذا البعد، تصبح البيانات الناتجة:
-
غير مترابطة بين الإدارات.
-
غير قابلة للتحليل التراكمي.
-
مليئة بالفجوات والتكرار.
-
غير مناسبة لاستخدامها في بناء نماذج أو لوحات.
هذا النوع من البيانات، حتى وإن وُجد بكميات ضخمة، لا يمكن استخدامه في فهم الاتجاهات، ولا في دعم القرار، ولا في بناء توقعات مستقبلية. الجهة التي لا تُصمّم بياناتها، تضطر لاحقًا إلى بناء تقاريرها عبر الاجتهاد والربط اليدوي والتفسير الظنّي. وهنا تصبح تكلفة التصحيح أعلى من تكلفة التخطيط. ببساطة: إذا لم تُصمم البيانات لتكون مفيدة، فلن تصبح كذلك لاحقًا مهما تم تجميلها. والحل؟ يبدأ بالانتقال من فكرة أن النظام "يعمل ويُخزّن"، إلى أنه يجب أن "يُنتج معرفة قابلة للتحليل والاستخدام".
بنية البيانات الذكية: Data by Design
في عالم متسارع قائم على المعلومات، لم يعد كافيًا أن تمتلك المؤسسة قاعدة بيانات ضخمة. ما تحتاجه فعليًا هو قاعدة بيانات ذكية – مصممة مسبقًا لتوليد المعرفة، لا فقط لتخزين المعاملات. هذا هو جوهر مبدأ "البيانات حسب التصميم" (Data by Design): أن تكون البيانات جزءًا من التصميم الهيكلي للنظام، لا مجرد نتيجة عرضية له.
ما معنى Data by Design؟
يعني أن تُفكّر في نوع البيانات التي تحتاجها المنظمة قبل بناء النظام، وليس بعد تشغيله. أن تُربط كل خانة إدخال وكل نموذج إداري بهدف استراتيجي، لا إجراء روتيني. أن تُصمم آليات جمع البيانات وهيكل تخزينها ومنطق تصنيفها بما يخدم التحليل والقرار لاحقًا.
خصائص بنية البيانات الذكية:
-
مرتبطة بالأهداف: كل نقطة بيانات تُجمع لأجل غاية واضحة.
-
قابلة للتحليل الفوري والتراكمي: أي تُستخدم في مؤشرات لحظية ومقارنات زمنية.
-
مترابطة هيكليًا: يمكن دمجها بسهولة مع مصادر وملفات أخرى.
-
مُصممة وفق معايير الجودة: تضمن الدقة، الاكتمال، التناسق، والتوقيت.
لماذا تُحدث هذه البنية فرقًا؟
في المنظمات التي تتبنى هذا المنهج، يصبح:
-
النظام التشغيلي مُولدًا تلقائيًا للمعرفة.
-
كل عملية إدارية فرصة لفهم أعمق لسلوك المستفيد أو أداء الموظف.
-
القرار مبنيًّا على بيانات مصممة لدعمه، لا على اجتهادات تحليلية لاحقة.
وبينما يعاني الآخرون من فوضى البيانات أو نقصها، تمتلك هذه المؤسسات أداة تحليلية حية تنمو وتتحسن كلما توسعت الخدمة أو تعمق النظام.
خارطة البيانات كأداة استراتيجية
لا توجد بنية بيانات ذكية دون خارطة. كما تحتاج المدن إلى خرائط عمرانية لفهم شبكاتها، تحتاج المؤسسات إلى خارطة بيانات تُرشدها لما تملك، وما تحتاج، وما يمكن توليده. خارطة البيانات ليست ملفًا توثيقيًا تقنيًا، بل هي أداة استراتيجية تُظهر:
-
ما هي البيانات التي نملكها فعلًا؟
-
ما علاقتها بأهدافنا ومؤشراتنا؟
-
ما الفجوات التي تعيق التحليل أو اتخاذ القرار؟
-
ما مصادر الحقيقة (Single Sources of Truth) لدينا؟
-
كيف ترتبط الأنظمة ببعضها البعض داخل دورة البيانات؟
لماذا تحتاج الجهة الحكومية إلى خارطة بيانات؟
-
لفهم الواقع البياني بدقة:
كثير من الجهات لديها قواعد بيانات متعددة، لكن لا تعرف بدقة ما تحتويه، ولا ما إذا كانت محدثة أو متكررة أو متضاربة. -
لتقليل الهدر في الوقت والتكلفة:
عندما تُرسم خارطة البيانات بوضوح، يمكن تقليل التكرار في جمع البيانات، وتوحيد النماذج، وتحديد أفضل مصدر لكل معلومة. -
لتحسين تكامل الأنظمة الداخلية:
تساعد الخارطة على معرفة أين تحدث الانقطاعات في سلسلة تدفق البيانات، وأين يمكن بناء نقاط تكامل حقيقية بين الأنظمة. -
لتحقيق قابلية التحليل والتوسع:
بوجود خارطة واضحة، يصبح من الممكن بناء لوحات قياس متكاملة، وربط البيانات بتحليلات تنبؤية أو قرارات تشغيلية.
علاقة خارطة البيانات بلوحة القيادة المركزية:
عندما تُبنى لوحة قياس دون خارطة بيانات، تصبح عرضًا بصريًا جميلًا لكنه هش. أما عندما تُبنى على خارطة واضحة، فإن كل رقم يظهر فيها يكون:
-
متصلًا بمصدر معروف.
-
قابلًا للتفسير والاستدعاء.
-
محدثًا بشكل حيّ أو تراكمي.
-
موثوقًا لاتخاذ القرار.
بمعنى آخر، خارطة البيانات هي العمود الفقري لأي تحول معرفي داخل المنظمة، ومن دونها يبقى التحليل مرهونًا بالاجتهاد والتخمين.
كيف نُحوّل النشاطات اليومية إلى قرارات ذكية؟
كل منظمة حكومية تدير عددًا هائلًا من العمليات اليومية: صرف مالي، ترخيص، تقديم خدمة، تقييم موظف، استقبال شكوى، إصدار تقرير…
لكن السؤال الجوهري هو:
هل تتحول هذه العمليات إلى معرفة قابلة للاستثمار؟ أم أنها تبقى مجرد سلوك إداري متكرر لا يُغذي أي قرار؟
في بيئات العمل المتقدمة، لا تكون العمليات مجرد أنشطة تشغيلية، بل مصدرًا مباشرًا لفهم الواقع وتوجيه المستقبل. ولكي يحدث ذلك، لا بد من تفعيل ثلاث طبقات رئيسية:
١. الهندسة التشغيلية الواعية بالبيانات
لا يُترك جمع البيانات للمصادفة، بل يُبنى ضمن كل عملية. كل إجراء إداري أو خدمة حكومية يجب أن يولّد أثرًا بيانيًا يمكن تحليله لاحقًا، ليس فقط لأغراض المتابعة، بل لفهم:
-
مستوى الأداء الفعلي.
-
جودة التفاعل مع المستفيد.
-
نقاط التعطل أو الهدر.
-
الاتجاهات والسلوكيات المتكررة.
٢. الربط التراكمي بين العمليات
العملية لا يجب أن تُقرأ بشكل معزول. مثال: طلب التوظيف، تقييم الأداء، الاستقالة، والبلاغات الداخلية… كلها يجب أن تُربط في نموذج متكامل يُحلل دورة حياة الموظف، لا كل جزء منها بشكل منفصل. هذا النوع من الربط يُنتج ما يسمى بـ السرد المؤسسي القابل للتحليل.
٣. التحويل اللحظي للبيانات إلى مؤشرات
عبر ربط العمليات بلوحات تحليلية تفاعلية، يصبح القرار أكثر دقة وزمن الاستجابة أسرع. عندما تتحول البيانات التشغيلية إلى مؤشرات لحظية، يمكن للمؤسسة أن:
-
تكتشف الخلل في نفس اليوم.
-
تعدّل الإجراءات قبل تفاقم المشكلة.
-
تتفاعل مع اتجاهات المستفيدين فورًا.
بكلمات أخرى، العمليات التي لا تتحول إلى معرفة… تبقى مجرد تكرار مكلّف. أما حين تُهندس من أجل المعرفة، فإن كل نشاط يومي يصبح لبنة في نظام اتخاذ قرار أكثر وعيًا وفعالية.
دور IDM في بناء بنية البيانات التحليلية
لا يكفي أن تُدرك الجهة الحكومية أهمية البيانات. الأهم هو أن تمتلك القدرة على تحويل هذا الإدراك إلى هندسة مؤسسية قابلة للتنفيذ. وهنا يأتي دور شركة IDM – Informed Decision Making، ليس كمزود تقني، بل كشريك استراتيجي يعيد هندسة البنية البيانية من الجذر إلى القمة.
١. اكتشاف الفجوات غير المرئية
في أغلب الجهات، البيانات تُجمع، لكن دون وضوح كافٍ حول:
-
مدى اكتمالها.
-
تناسقها بين الأنظمة.
-
قابليتها للتحليل.
-
علاقتها بالأهداف.
IDM تبدأ بتشخيص شامل يحدد أين تتوقف البيانات عن خدمة القرار، وأين تُستهلك الموارد دون عائد معرفي حقيقي.
٢. تصميم مخطط بيانات قابل للتوسع والتحليل
عبر خبرتها في تصميم نظم البيانات، تُنشئ IDM مخططًا متكاملًا يربط:
-
المدخلات التشغيلية.
-
قواعد البيانات الهيكلية.
-
أدوات التصور والتحليل.
-
مؤشرات الأداء.
هذا المخطط لا يخدم فقط الاحتياج الحالي، بل يضع المؤسسة على مسار نمو معرفي طويل المدى.
٣. توحيد المدخلات وبناء قاموس بيانات موحد
أحد أكبر أسباب التشويش في المؤسسات هو تكرار البيانات بتسميات مختلفة، أو تسجيلها بصيغ متباينة. IDM تبني قاموس بيانات موحد (Data Dictionary) يضبط المصطلحات، ويوحّد المفاهيم، ويمنع الازدواجية، ما يسهم في رفع جودة التحليل وتقليل الوقت المهدور.
٤. بناء مستودع بيانات تحليلي وربطه بالأنظمة
IDM لا تكتفي بتحسين قواعد البيانات، بل تبني مستودعًا تحليليًا مركزيًا (Analytical Data Warehouse) يُغذى تلقائيًا من الأنظمة المختلفة داخل المؤسسة، ويُستخدم كأساس للوحات التفاعلية، التقارير الاستراتيجية، والنماذج التنبؤية.
٥. ربط البيانات بالأداء والنماذج التنبؤية
الميزة الجوهرية في حلول IDM أنها لا تترك البيانات في جداول جامدة، بل تُعيد توظيفها داخل:
-
لوحات تفاعلية حية مرتبطة بمصادر التشغيل.
-
نماذج تنبؤية تتوقع الاتجاهات قبل وقوعها.
-
منصات محاكاة تدعم اختبار السياسات والقرارات.
باختصار، IDM لا تقدم حلولًا تقنية، بل تبني الوعي المؤسسي الذي يجعل من البيانات أداة قيادة، لا مجرد توثيق. ففي كل مشروع، تُعيد IDM تشكيل العلاقة بين النظام، والقرار، والمعرفة.
من النظام إلى المنظومة
في عصر تُقاس فيه فاعلية المؤسسات بما تولّده من معرفة، لم يعد مقبولًا أن تبقى الأنظمة الحكومية مجرد أدوات لأداء المهام الإدارية. لقد آن الأوان للانتقال من النظام الوظيفي إلى المنظومة المعرفية، ومن جمع البيانات عشوائيًا إلى تصميمها عمدًا، ومن العرض التفاعلي إلى التحليل الاستراتيجي. الجهة التي لا تبني بنية بيانات معرفية، ستظل رهينة لقرارات مرتجلة، مبنية على تقارير مؤجلة، تُنتج استجابات بطيئة في بيئة متغيرة. أما الجهة التي تُصمم بياناتها لتكون أداة تحليل وفهم وتوقع، فهي تُرسّخ ثقافة جديدة تُحوّل كل عملية إلى مدخل في منظومة اتخاذ القرار، وكل رقم إلى سؤال ذكي، وكل نمط بياني إلى فرصة لتحسين الخدمة أو السياسة.
شركة IDM – Informed Decision Making تقود هذا التحول في البيئة الحكومية السعودية.
نساعد الجهات على:
-
إعادة هندسة أنظمتها لتوليد المعرفة لا مجرد تخزين الإجراءات.
-
بناء خارطة بيانات ترتبط بالأهداف، لا بالأقسام فقط.
-
توحيد المفاهيم والمصادر، وتحويل البيانات إلى نماذج، ولوحات، ومحاكاة.
في IDM، لا ننظر إلى البيانات كملف إكسل نحلله، بل كنظام حيّ يتنفس مع كل قرار. لماذا تفشل الجهات الحكومية في استخدام بياناتها؟ونؤمن أن الجهة التي تُدير بياناتها بذكاء، هي الجهة التي تبني مستقبلها بثقة.