عندما تبحث عنه لا تجده: لماذا غياب الأدلة قد يكون شيئاً جيداً

هل غياب الادلة يعني عدم وجود الاصل؟

عندما تبحث عنه لا تجده: لماذا غياب الأدلة قد يكون شيئاً جيداً


تخيل ان تقوم بالبحث عن المفاتيح الخاصة بك، وتظن أنك تركتها على احد الرفوف في منزلك، لكن عندما تذهب لها لا تجدها! الاستنتاج الطبيعي في هذه الحالة هو ان المفاتيح ليست موجودة في الأصل في المكان الذي ظننت انك سوف تجدها به. لكن الان، تخيل انك عالم فيزياء فلكية وتعيش في أوائل القرن العشرين و تسعى الى اثبات الفرضية القائلة بوجود كوكب "فولكان" والذي يشكل اضطرابات في مدار عطارد والشمس، ولكن عندما تتعمق في البحث مع باحثين اخرين، تستنج ان كوكب فولكان غير موجود بالأصل. كلا الحجتين واضحة جداً، ومع ذلك فأنت تفترض ان عدم وجود شيء ما قد يكون سبباً جيداً ان ما تبحث عنه ليس موجوداً بالأصل! او بعبارة أخرى، عدم وجود شيء ما هو دليل اخر لغياب الاصل! ولكن لنفترض العكس ونسلم بحقيقته وهو ان عدم وجود شيء ما هو ليس غياب الاصل.

 

لنضع في عين الاعتبار التصريح الأخير للعالم الفيزيائي مارسيلو والفائز بجائرة تمبلتون لعام 2019 في الولايات المتحدة الامريكية، ان الالحاد يتعارض مع المنهج العلمي. فقد حاول مارسيلو ان يبرر ان الملحدين لا يستندون على حقيقة علمية واضحة لأنهم يفترضون ان غياب الدليل (وجودية الله) يعني غياب الأصل (الله).  مثال اخر وهو شركة غلايسير، حينما استخدم فيها العالم البريطاني مارتن ريس الحائز على جائزة تمبلتون لعام 2011 والرئيس السابق للجمعية الملكية، وهي اقدم اكاديمية مستقلة للعلوم والتي كان من ابرز نجومها إسحاق نيوتن و روبرت بويل وتشارلز داويت والبرت أينشتاين ، في كتابة الصادر عام 2011 " من هنا الى اللانهاية: الأفق العلمي" الى إمكانية وجود حيوانات فائقة او خارقة الذكاء في الأرض غير مكشوفه بعد. حيث كتب في كتابة " قد يكون هنا أكثر مما يمكننا ان نكتشفه، لن يكون غياب الاشياء، دليلاً على غياب الأصل".

وفي عام 2002 وخلال المؤتمر الصحفي للناتو، اعلن وزير الدفاع الأمريكي رونالد رومزفيلد ان الحرب على العراق كانت على أساس عدم وجود ادله على امتلاك العراق لأسلحة الدمار الشامل " ببساطة لأنك لا تملك دليلاً على وجود شيء ما يعني ان لديك دليل على عدم وجودة بالأصل". جميع ما سبق، الالحاد وعدم الايمان بوجود الله، و وجود حيوانات خارقة الذكاء و أسلحة الدمار الشامل جميعها تقود الى الايمان بحقيقة ان " غياب الشيء ليس دليلا على غياب الأصل"!

 

هل تشعر الأسماك بالألم؟

لنضع في عين الاعتبار كيفية استخدام كلمة " المختصر" في غياب الأدلة: جميع الحيوانات من حولنا تشعر بالألم ما إذا كانت تمتلك دوائر ومستشعرات عصبيه والتي بدورها تؤدي الى الشعور بالألم، لكن بالنظر الى الأسماك فإنه لا يوجد دليل علمي على ان الأسماك تمتلك هذه مستشعرات او دوائر  عصبية، فهل هذا يعني ان الأسماك لا تشعر بالألم؟ على العموم فأن الأدلة التي تزعم انها تدعم الحجة القائلة بان الأسماك تشعر بالألم قد شوهت من قبل علماء الاعصاب بل وحاربوها بشدة وتم تجاهلها بشكل كامل معللين بذلك عدم وجود الأدلة الكافية والتأكيدية على ان الأسماك على وجه الخصوص لا تشعر بالألم بسبب غياب هذه المستشعرات والأجهزة العصبية. ولكن بقدر ما يمكن للعلم ان يخبرنا، فإن اعداد المستشعرات العصبية وتركيبة الجهاز العصبي داخل دماغ السمكة معقدة جدا لدرجة انه يجعلها غير كافية لإجراء الحسابات العصبية الازمه لتكوين الجهاز العصبي المتعارف عليه في الحيوانات الأخرى. وحتى الان، أفضل ما يمكننا قولة في هذا الموضوع، ان العلماء لم يتمكنوا من اثبات ان الأسماك قد تشعر بالألم لغياب الدليل، وغياب الدليل هو غياب الأصل!

عندما "لا نجد الدليل" هذا لا يخبرنا " بوجود الشيء من الأصل"

كما هو الحال مع ضياع المفاتيح وحجج وجود كوكب فولكان التي ذكرناها في بداية المقال، يحق لنا استنتاج ان غياب الدليل قد يعني غياب الأصل في سياقات معينة. لكن ماهي هذه السياقات؟ قد تكون هذه السياقات حينما تكون فرضياتنا صحيحة ومبنية على منهجيات سليمة حيث من الممكن ان لا نحصل على نتائج إيجابية. فعلى سبيل المثال، إذا كانت الفرضية القائلة بأن الأسماك تشعر بالألم، فيمكننا بشكل معقول ان نتوقع العثور على دليل على ان الألم لا يحدث الا في الفقاريات، ولكن في حالة الأسماك، لا نجد هذا الدليل! لذلك نجد ان منتقدون حجة ان الأسماك تشعر بالألم، قد أفرغوا عبء اثبات نظريتهم لمؤيدين هذه النظرية ومن المحتمل انهم استبعدوا احتمالية ان ينتتج الألم عند الأسماك في مناطق غير معروفه لم يتم تحديدها بعد في دماغ السمكة. لذلك اذا كنت تشك في العراق انها كانت تملك أسلحة الدمار الشامل ( مع غياب الأدلة على وجودها) فأنك لن تتحمل عبء اثبات انك على حق ولن تتحمل عبء اثبات بحقيقة وجود حيوانات خارقة الذكاء بينما يكون العبء على أولئك الذين يدعون بوجود أسلحة الدمار الشامل او الحيوانات الخارقة الذكاء. كذلك هو الحال اذا قبلت بنظرية ان الأسماك تفتقر الشعور بالألم، فلماذا لا يكف المشككين بإثبات ان الأسماك تشعر بالألم؟

لذلك، يعتمد اختبار الفرضيات ومراجعتها او استبدالها بقابليتها لتزوير هذه الفرضيات العلمية والقدرة على افتراض انه في سياقات معينه تكون قابلة للتحقق وفي سياقات أخرى بغياب الالة تكون غير حقيقة او غير قابلة لتحقق.

ما يتجنبه العلم في هذه الأيام ليس النتائج السلبية فقط، بل اعتمادنا الكلي على خطط او حقائق مسلم بها.