هل نثق في نتائج الاستبانات التي تنشر على وسائل التواصل الإجتماعي؟
يجب أن لا نثق في نتائج الدراسات التي تعتمد على نشر روابط الاستبانات والإستطلاعات على منصات التواصل الإجتماعي مثل تويتر والفيس بوك أو عبر مجموعات الواتساب وذلك لعدة أسباب تتعلق بأساسيات البحث العلمي وجودة المنهجية العلمية وأخلاقيات البحث العلمي
كي أختصر عليك الوقت في حال كنت تبحث عن إجابة سريعة على السؤال:
هل نثق في نتائج الإستبانات التي تنشر على وسائل التواصل الإجتماعي؟
فالإجابة بشكل عام: لا
في حال كنت تبحث عن الأسباب والمبررات العلمية والطرق السليمة لإستخدام منصات التواصل الاجتماعي استمر في القراءة.
يجب أن لا نثق في نتائج الدراسات التي تعتمد على نشر روابط الاستبانات والإستطلاعات على منصات التواصل الإجتماعي مثل تويتر والفيس بوك أو عبر مجموعات الواتساب وذلك لعدة أسباب تتعلق بأساسيات البحث العلمي وجودة المنهجية العلمية وأخلاقيات البحث العلمي.
- لنبدأ بالأسباب المتعلقة بأساسيات البحث العملي:
1- من أبجديات فهم المنهجية العلمية
أن العينة العلمية يجب أن تكون معرفة ولها إطار واضح ومحدد. فعلى سبيل المثال تعرف العينة في بحث ما كالتالي: "تم تحديد العينة المستهدفة لتشمل البالغين من النساء في مدينة الرياض" ومن ثم يجب أن نحدد مصدر الوصول لهذه العينة أيضا فنذكر في نفس البحث أنه "سيتم الوصول للعينة عبر اختيار طالبات جامعة الملك سعود" أو بشكل أدق "طالبات كلية العلوم في جامعة الملك سعود". ونضمن بذلك أن المشاركين في الدراسة ضمن الإطار العام لتعريف العينة ويمنع دخول أي شخص من خارج الإطار العام في الدراسة كمشارك. مثلا لن نجد في الدراسة مشاركة من مدينة جدة أو أقل من الفئة العمرية المستهدفة.
وهكذا يمكن لقارئ البحث أن يفهم مباشرة أن نتائج البحث قد تنطبق فقط على طالبات جامعة الملك سعود أو كلية العلوم بالتحديد. وقد يمكن في حدود ضيقة تعميمها على النساء من نفس الفئة العمرية في مدينة الرياض. وأنه لا يمكن تعيمها على أي منطقة أخرى خارج الرياض أو تعميمها لتمثل النساء في المملكة.
2- إمكانية تكرار البحث على نفس العينة للتأكد من النتائج أو ملاحظة التغييرات.
ونعني هنا أي باحث أخر بناء على التعريف الدقيق لإطار العينة ومصدرها كما ذكرنا في النقطة (1) يمكنه عمل نفس الدراسة على طالبات كلية العلوم في جامعة الملك سعود. والخروج بنتيجة مشابهة والتحقق من صحة البحث.
- اما بالنسبة لجودة المنهجية العلمية
تعتمد جودة الدراسات الاستطلاعية أو المسحية عبرالأستبانات على العديد من العوامل التي تتأثر بطريقة استقطاب العينة البحثية (المشاركين في البحث) وقدرة الباحثين على السيطرة عليها وقدرتهم أيضا على التحقق من جودة البيانات التي تم جمعها. وفي الغالب جمع البيانات عبر نشر رابط إلكتروني للإستبانة في منصات التواصل الإجتماعي مثل تويتر ومجموعات الواتساب تتنافى مع كل شروط جودة البيانات والتحقق منها.
أ. لنبدأ بمصطلح مهم في جودة البيانات واستقطاب العينة وهو ما يسمى علميا بـ "معامل الإستجابة" في الدراسات الاستطلاعية والمسحية. ويعرف "معامل الإستجابة" أنه نسبة الأشخاص الذين استجابوا للدعوة للمشاركة في البحث من العدد الكلي للأشخاص الذين تمت دعوتهم. مثلا في الدراسة التي قمنا بتنفيذها في جمعية شارك للأبحاث الصحية لمعرفة نسبة انتشار حساسية الطعام في المملكة تم الإتصال بـ 6239 شخص لدعوتهم للمشاركة في الدراسة وفي النهاية شارك منهم في الدراسة 4709 أي أن "معامل الإستجابة" في هذه الدراسة هو 75% تقريبا. في تويتر وعبر وسائل التواصل الإجتماعي كل من شاهد الدعوة يعتبر مدعو وقد يقوم أشخاص متحمسون أخرون بنشر الدعوة في حساباتهم أو في منصات اخرى مما يجعل التعرف على العدد الذي شاهد الدعوة للمشاركة مستحيل وبالإضافة إلى أن العدد الذي شاهد الدعوة ضخم جدا وقد يصل للملايين وحينما يشارك في الدراسة 1000 شخص من أصل مليون شاهدوا الدعوة فإن نسبة الإستجابة 0.1% وهو رقم ضئيل جدا يعبر عن ضعف في منهجية الوصول للعينة.
ب. من معايير الجودة العالية في اختيار العينة وجود المعلومات الأساسية عن العينة التي لم تستجب أو رفضت المشاركة في الدراسة. على سبيل المثال في المثال أعلاه عن اختيار طالبات كلية العلوم من جامعة الملك سعود ففي حال رفض أحد الطالبات المشاركة يمكن دعوة طالبة أخرى ينفس الصفات الأساسية التي تتطلبها العينة. ومثال أخر في دراسة حساسية الطعام في المملكة التي نفذتها جمعية شارك، تقوم شارك بإختيار العينة من قاعدة بيانات فيها الألاف من الأفراد المعرفين والتي تشمل معلوماتهم الأساسية مثل المنطقة والعمر والجنس, وفي حال رفض أحدهم أو عدم الرد يتم دعوة شخص اخر بنفس المواصفات الأساسية من نفس المنطقة ونفس الفئة العمرية ونفس الجنس. وهنا يمكن أن نفترض أن صفات من لم يشاركون في الدراسة مطابقة لصفات من شاركوا. وهذه العملية لا يمكن التحكم بها في حال نشر الاستطلاعات في تويتر والواتساب نهائيا.
ج. إمكانية التحقق من إنطباق إطار العينة مستحيلة على وسائل التواصل الإجتماعي. وهذا يتنافى أيضا مع معايير إمكانية التحقق من جودة البيانات. فعلى سبيل المثال حينما تتم عملية جمع البيانات وجها لوجه أو عن طريق المقابلات الهاتفية فجامع البيانات يمكنه التحقق بشكل جزئي أو كلي من هوية المشارك مثل الجنس ووجود المشارك في الدولة أو المدينة المطلوبة للعينة، ايجاد تصور عن صحة الفئة العمرية وهكذا. بينما في الدراسات التي تجمع عبر وسائل التواصل الإجتماعي فلا يمكنك تحديد هوية المشارك الحقيقية حيث لا يوجد ما يثبت الجنس أو الفئة العمرية أو الدولة للمشارك. وقد قمنا بتجربة نشر رابط في تويتر موجه للسعوديين وباللغة العربية وراقبنا مكان المشارك عبر خدمة تحديد الأماكن في جهاز المشارك ووجدنا أن نسبة كبيرة من العينة التي شاركت في الدراسة من خارج السعودية بل إن نسبة كبيرة من اسرائيل أو دول اوروبية. ومثل هذا الخلل يلغي قيمة البيانات المجموعة نهائيا بل قد تكون بيانات تؤدي بنا للقرار الخطأ في حال استخدامها لإتخاذ القرار. وقد تكون في حالات نادرة بيانات موجهه يقوم الإعداء بالعبث بها لتوجيهنا عمدا للمعلومة الخاطئة أو القرار الخاطئ.
بالرغم مما ذكر يبقى هناك العشرات من النقاط التي تؤكد ضعف بل إنعدام الفائدة من البيانات التي تجمع على منصات التواصل الإجتماعي. وأعتقد أن هذا القدر من الحجج البينة كافي لإقناع أي فرد بعدم جدوى هذا النوع من الأبحاث وأنها مضيعة للجهود والموارد.