حين يصبح الرجل مجرد محفظة: المادية وسوء فهم قيمة الرجل في العلاقات
تحذر هذه المقالة من اختزال الرجل في دوره المادي وتسليط الضوء على الأخطاء الشائعة التي ترتكبها المرأة عندما تركز على المال وتتناسى القيمة الإنسانية والعاطفية لشريكها، مع طرح رؤية متوازنة حول أهمية مساهمة المرأة في العلاقة مقابل ما تطلبه مادياً.

في مجتمعاتنا المعاصرة، تغلغلت ثقافة الاستهلاك في عمق العلاقات الإنسانية حتى صار بعض الأزواج يشعرون بأن دورهم قد اختزل في تلبية الاحتياجات المادية فحسب. يشتكي البعض من أنهم لم يعودوا يُقدرون كأشخاص لديهم روح وعقل بل كمصدر للدخل وهدايا. هذا الشعور له جذور فلسفية وسيكولوجية معقدة، ويتطلب تفكيراً جادًا حول معنى الشراكة وماهيتها.
إن النظرة التقليدية التي تصوّر الرجل كمعيل وحيد ليست بدعة معاصرة؛ لقد وجدت منذ قرون، لكنها اليوم اكتسبت بعداً جديداً بسبب تسارع الحياة ومتطلبات الرفاهية. في الوقت الذي تسعى فيه المرأة إلى تحسين مستوى معيشتها، قد تنسى أن هناك قيمة غير مرئية للرجل تتجاوز قدرته على دفع الفواتير. في الفكر الإسلامي مثلاً لا تقتصر القوامة على توفير المال بل تشمل الرعاية، والعطاء المعنوي، والقيادة الحكيمة. وكما يقول علماء النفس، يحتاج الرجل إلى الشعور بالتقدير والاحترام مثلما تحتاج المرأة إلى الشعور بالأمان والحب.
من الناحية الفلسفية، يشير الكثيرون إلى مفهوم "القيمة" باعتباره العنصر الأساسي في أي علاقة. يقول بعض المفكرين إن العلاقة الصحية هي تلك التي يضيف فيها كل طرف قيمة فريدة للآخر، سواء كانت قيمة روحية، أو فكرية، أو عاطفية. إذا كانت مساهمة أحد الطرفين تنحصر في المطالبة دون عطاء، فإن التوازن يختل ويصبح الاستمرار عبئاً. وهنا تظهر إشكالية التعامل مع الرجل علأنه مجرد محفظة: فبدلاً من أن يشعر بالشراكة، يشعر بالاستغلال.
هذا الواقع لا يعني أن المرأة لا يحق لها أن تطلب أو أن تبحث عن الاستقرار المادي؛ بالعكس، الاستقرار الاقتصادي حق طبيعي. لكن الفرق يكمن في طريقة الطلب ومقدار المشاركة. فحين تضحي المرأة بوقتها وجهدها لمساندة زوجها نفسياً أو عملياً، تشعر أنها تستحق المقابل ويحصل التوازن المنشود. أما إذا كان دورها يقتصر على الاستهلاك بينما تتركه يغرق في المسؤوليات المرهقة، فإن العلاقة تصبح غير عادلة.
يتفق علماء النفس على أن الرجل الذي يلقى الدعم المعنوي من زوجته يكون أكثر قدرة على العمل والإبداع. كلمة تشجيع أو مشاركة في تخطيط المستقبل لها أثر يفوق في بعض الأحيان الهدايا الثمينة. كذلك يشير خبراء العلاقات إلى أن الرجل يحتاج إلى مساحة للتعبير عن ضعفه وخوفه دون أن يوصم بالقصور. عندما تسمح الزوجة لزوجها بأن يكون إنساناً له احتياجات وليس صندوق أموال، فإنها تبني جسوراً من الثقة والالتزام.
من منظور ديني، تتحدث الآيات والأحاديث عن التكافل والتراحم بين الزوجين وليس عن معادلة نفعية بحتة. فكما تتحمل الزوج مسؤوليات النفقة، تتحمل المرأة مسؤولية السكن والرحمة. يقول الله تعالى: "ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجاً لتسكنوا إليها وجعل بينكم مودةً ورحمةً"، فالسكينة والعطاء المتبادل هما أساس العلاقة وليس المال وحده.
في الختام، قد يكون الرجل قادراً على شراء الهدايا وتوفير منزل فاخر، لكن إذا شعر بأنه غير مُقدّر كإنسان فسيبحث عن مكان يشعر فيه بقيمته. وعلى المرأة أن تتساءل: هل أملك قيمة حقيقية أضيفها لشريك حياتي تعادل ما أطلبه منه؟ الجواب الصادق على هذا السؤال هو مفتاح الحفاظ على العلاقة واستدامتها. إن التعاون والتعاطف والتقدير المتبادل تجعل الرجل أكثر استعداداً لتحمل الأعباء المادية، أما الإصرار على المادية وحدها فيؤدي إلى أن يصبح الرجل مجرد محفظة لا روح لها.