أربعة طرق لتعزيز البحث و التطوير والابتكار في المملكة العربية السعودية

تساءل أحد الصحفيين في أحد الصحف الغربيه " هل نريد حفر الأرض بحثاً عن الاستثمار والاستدامة لرفعة الاقتصاد أو نريد الحفر في العقول للبحث عن التطوير والابتكار؟" الجواب في المقال أدناه.

أربعة طرق لتعزيز البحث و التطوير والابتكار في المملكة العربية السعودية


 

على مدار الخمسة عشر السنة الماضية، منذ طفرة التعدين وإرتفاع أسعار واستخدامات البترول في العالم، كان التطوير والابتكار يحتل أهمية كبيرة في دول العالم الأوربي والغربي.

طبعاً هذا ليس حصرا على الدول الغربية، فالمملكة العربية السعودية لها تاريخ عظيم في كلا الامرين، فعلى سبيل المثال، هناك الكثير من المهندسين والقيادين يعملون على تطوير المنتجات البترولية واستخدامها بشكل أفضل واكثر اتقان، فعملهم لم يتركز فقط على مجال حفر الأرض واستخراج البترول، بل انهم يعملون على التطوير في المنتجات البترولية والمعدنية وابتكار منتجات جديدة وطرق مثلى للاستخدام الأفضل لها. نتائج هذه العمليات هي بيانات ضخمة، منتجات جديدة وطرق حديثة مبتكرة كل هذا يتم باستخدام اخر ما توصلت له التكنولوجيا الرقمية.

في ضل جميع هذه التطورات والتغيرات في العالم، علينا الاعتراف أن العالم يتغير بسرعة. جميع الأساسيات والمعلومات أصبحت واضحة ومتوفرة على الانترنت، لكن هناك عجز ظاهر حول الوصول الى خبراء حقيقيين ذي مهارات عالية في مجالات الابتكار والاستثمار. لذلك نلاحظ أن معايير كثيرة اختلفت، فعلى سبيل المثال تصنيف " المواهب" تغيرت كثير عن الماضي لذلك نلاحظ أن بعض ما كان يسمى "بالموهبة" سابقاً  أصبحت عمليات مؤتمتة أو تحولت الى مهارات عملية أو شخصية شائعة لدى الكثير لا تميز فيها.

لذلك نلاحظ أن العديد من الابتكارات والاستثمارات في المملكة تدار عن طريق رواد الاعمال لتدر أرباح واموال ضخمة تساعد على ارتفاع الاقتصاد الكلي للمملكة، ولكن يبقى السؤال هنا، ما هو دور متخذي القرار في المملكة لتعزيز التطوير والابتكار؟ يلخص هذا المقال أربعة طرق ساهمت فيها المملكة لدعم مجالات التطوير والابتكار:

١- توصيل أو ربط أنابيب الابتكار ببعضها

هذا التعبير المجازي فقط هو عبارة عن الإجراءات المفترض اتباعها لعملية إيصال الابتكار "الفكرة " الى مستوى الإنتاج النهائي. ولنفرض أن هناك فكرة، قابلة للتطبيق وتحمل جوانب فريدة " شركة ناشئة" تحتاج الى تمويل استثماري حتى تنتقل الى مرحلة الإنتاج " كشركة قائمة". نلاحظ أن كل مرحلة من مراحل تحويل الفكرة الى الناتج النهائي تعزز بدعم حكومي بهدف تطبيق أفضل الممارسات تحت إطار قانوني واضح. ولعلنا نشيد بدور " منشآت" في دعم الابتكار والمشاريع الناشئة والسعي في تطويرها في المملكة العربية السعودية. لذلك نلاحظ أن البحث والابتكار يلعب دور كبير في تطوير هذه المنظومة ودعمها بالأدلة والبراهين التي تخضع لسياسات قانونية كثيرة منها الملكية الفكرية، المنح البحثية، الدعم الاستثماري من صندوق الاستثمارات العامة و دعم لرأس المال من المستثمرين وغيرها الكثير.

لكن هناك العديد من التسريبات في أنانيب دعم الابتكار المحلي ولعل من اهمها عدم الاستشهاد بقيمة البحث والتطوير والابتكار أو عدم تطبيق نتائج الأبحاث بمصداقية وحيادية. ومن الأمثلة على ذلك، عدم تطبيق سياسات الحماية الفكرية أو تسجيل بها وصعوبة رفع قضية اعتداء على الملكية الفكرية، التقديم العشوائي على المنح البحثية دون المعرفة الأساسية بأهمية الأبحاث والمخرجات والغرض الذي عملت من اجلها وكأن يكون الدافع الشهرة وراء الحصول على هذه المنحة. أو الدعم الخاطئ للأبحاث مثل التحيز للأبحاث والأدوات غير المناسبة فقط لأنها تؤيد اهتمام أو ميول المستثمر أو صاحب القرار دون الاخذ بعين الإعتبار خطورة مثل هذه القرارات على سوق العمل والمنشآت والشركات الناشئة وكمية الهدر المادي والمعنوي لها.

وحتى نكون منصفين، يوجد الكثير من التسريبات خارج إطار البحث والتطوير والابتكار والتي ممكن أن تؤدي إلى ثورات تجارية ضخمة  في حال دعمها بالسبل الصحيحة وتيسير عمليات الوصول للدعم. لذلك من الأولى دراسة هذه الابتكارات بتمعن من قبل متخذي القرار وإمكانية دعمها بالشكل الأمثل بالبحث والتطوير والابتكار ضمن إطار قانوني واضح ومنصف.

٢- توحيد الفكر ضمن الشبكة

الكثير من الابتكارات لا تمر خلال هذه الانابيب، بل تشكل شبكات تشبه الشبكات العنكبوتية ومن أشهر الأمثلة على ذلك هو ماقام به الموسيقي براين اينو حين ابتكر "مسرح الابداع الافتراضي" حيث يمكنك إيجاد الأفكار، الموارد، الشركات، الاقران في أي مكان في العالم ومن ثم بيع فكرتك في نسختها النهائية لأي شخص في العالم. ليس هذا فقط، بل إن المسرح الافتراضي يعمل على مستوى محلي يشمل المدن والمناطق الريفية ليشكل نشاط اقتصادي إيجابي كمسرع للمنشآت الناشئة. كما يوفر المسرح الافتراضي مساحة عمل مشتركة للأشخاص ذو الميول والفكر الإبداعي. وحتى نستطيع تبني هذا الفكر في المملكة العربية السعودية كان لابد أن نمزج المصادر المحلية المتوفرة بالمصادر العالمية وأن نستكشف المواهب والقوى المحلية وأن ننظر اليها نظرة تمعن لاستكشاف الافكار الإبداعية المحلية.

لذلك أرى انه مع تأسيس " هيئة تنمية البحث والتطوير والابتكار" فأنه لابد ان تكون هي مسرح الابداع البحثي في المملكة العربية السعودية والذي يدعم الابتكار في مجال البحث العلمي وذلك لتوحيد الجهود البحثية ضمن مجموعات موحده تفادياً للهدر المالي والوقتي في تعدد مراكز وكراسي الأبحاث أو التركيز فقط على الأبحاث التي قد تخدم المجال الأكاديمي وذات مخرجات محدودة والغفلة عن أهمية الأبحاث التشغيلية والتطبيقية على مستوى متخذي القرار. بل ونحتاج إلى إعادة تقييم الأبحاث وأولوياتها – والتقدم من مستوى تحديد الأولويات البحثية التقليدية التي كانت تأخذ سنوات دون جدوى الى مستوى التنفيذ -  وتقييم مخرجات الأبحاث الناتجة من المنح البحثية وإعادة جدولتها المالية والزمنية بما يخدم الوطن، وفتح مجال الابتكار في الأبحاث والخروج عن التقليدية لتنمية هذا القطاع.

٣- تدريب المواهب

في مجال التطوير والإبتكار، يجب أن تتم الاستفادة من جميع الموهوبين والأشخاص الذين يحملون فكر استراتيجي وعدم الاعتماد على التكنولوجيا فقط لأننا لا زلنا بحاجه الى المبدعين والموهبين لألقاء المقترحات على الأنظمة حول ما يجب عملة. فالاكاديميا لا تخدم الجميع، لان هناك الكثير من الخريجين يفتقرون إلى اساسيات التسويق و الابداع و التدريب والتواصل الفعال لذلك لابد النظر إلى جودة المخرجات بشكل مقنن أكثر مما مضى. التعمق في العلوم الأساسية مثل الرياضيات ليست علوم كافية في عصرنا الحالي، إذا كان هناك أجهزة حاسوب تنفذها لماذا يجب أن نركز عليها بشكل كبير وإهمال الأساسيات الأخرى. فلا أقصد في حديثي هنا أنها ليست أساسية، بل هي أساسية، ولكن نحن بحاجه إلى شخصيات موهوبة تتوفر لديها المهارات العملية والشخصية بشكل أكبر من قبل. ولازلنا نحتاج الى مهارات بشرية وتجارية فريدة  مثل التمويل وريادة الاعمال و الابداع والقيادة والمرونة مع الاتساع التقني بدلاً من التعمق في العلوم الأساسية.

٤ -إعادة التفكير في الممكنات الحكومية

يجب علينا التفكير بعمق كيف يمكن للحكومات أن تخدم الابداع والابتكار وذلك لقدرتها على التأثير بشكل كبير على شعوبها. لذلك نرى أن المملكة العربية السعودية تقوم بدعم الابتكار والابداع بشكل كبير من خلال انشاء الهيئات والمراكز التي تمول الابتكار بشكل مادي أو معنوي. على سبيل المثال نرى " موهبة" كجهة غير ربحية حكومية تقوم بدعم المواهب وتنميتها لرعاية الموهبة والإبداع ودعم الابتكار"، استرشاداً بالتجارب الدولية وبمساهمة خبراء دوليين ومحليين، وذلك سعياً إلى المساهمة الفاعلة في تحقيق مستهدفات رؤية المملكة 2030.  ودعم وتمكين القيادة العليا للمنظمات والقطاعات الغير ربحية وتمكينها لخدمة الوطن. ومن الأمثلة العالمية في دعم الحكومات للابتكار هو عمل البوابة الموحدة للبيانات الموحدة الاسترالية للاستفادة من البيانات وعدم الهدر الأموال في إعادة جمع البيانات التي في الأصل متوفرة لدى عدة جهات.

مثال على المنظمات التي تبنت نهج التطوير والابتكار ودعم الابداع في المملكة العربية السعودية

"جمعية شارك للأبحاث" أحد المنظمات الغير ربحية في السعودية  في مجال البحث العلمي تبنت نهج الابداع والابتكار في عمل الأبحاث، ولم تقف خلف قلة الموارد المالية لإنتاج أبحاث ذات جودة عالية، بل قامت بتدريب المهتمين في مجال البحث العلمي وعمل الشراكات التي تخدم مخرجاته، و تكوين المجموعات البحثية سعياً لتوحيد الجهود في الأبحاث الصحية والمجتمعية لتكوين مخرجات ذات اثر عالي وفريد حيث أن البعض من هذه المخرجات ينشر لأول مرة في تاريخ البحث العلمي في المملكة العربية السعودية. ومن الأمثلة على تبنيها نهج الابتكار أنها لم تستخدم النهج التقليدي في عمل الأبحاث، بل بحثت عن أفضل السبل للاستفادة من التكنولوجيا للبيانات المتوفرة وعمل اللوحات الإحصائية وتحديثها بشكل مستمر وتقديمها للجهات الذات الصلة محاولة منها لفهم المتغيرات السلوكية والبيئية وأثرها على المجتمع وإتاحة البيانات وتوفير قواعد البيانات البحثية لجميع الباحثين للاستخدام الأمثل لها. كما عززت على أهمية البحث العلمي في عملية اتخاذ القرار عن طريق عمل الأبحاث السلوكية والمعرفية التي تخدم كل متخذي القرار من الجهات الحكومية والخاصة.

جميع هذه الجهود تحتاج الى دعم منظم وميسر، مرن وسريع لإستدامتها واستمرارها، حيث نطمح لأن يتم النظر للبحث والإبتكار في المملكة بواقعية وعملية أكبر لتمكينه التمكين الحقيقي الذي يرقى به إلى العالمية.

تحرير:

د. ناصر فهد بن دهيم