حين يصمت الأطباء: أخلاقيات غائبة في زمن "السمنة التجارية"

في زمن تتسابق فيه وصفات التنحيف وإبر إنقاص الوزن إلى الواجهة، يغيب السؤال الجوهري: لماذا يعود الوزن رغم كل المحاولات؟ هذا المقال يتأمل في صمت الأطباء عن فشل طويل الأمد لحلول قصيرة المدى، ويكشف الجانب الأخلاقي المغيّب في تسويق إبر مثل أوزمبك وسماجلوتايد، ويضع السمنة في سياقها الحقيقي كمعضلة تتجاوز الميزان نحو الوعي، والعادات، والعقل.

حين يصمت الأطباء: أخلاقيات غائبة في زمن "السمنة التجارية"
السمنة و أبر انقاص الوزن


في عالمٍ أصبحت فيه السمنة من أكثر الظواهر الطبية شيوعًا، لم تعد المعركة ضد الوزن الزائد مجرّد تحدٍّ صحي، بل تحوّلت إلى سوقٍ ضخم، وشهية مفتوحة، وصفقاتٍ لا تنتهي. ومع هذا التحوّل، نشأ سؤال أخلاقي حادّ لا يمكن أن يُؤجَّل: لماذا يصمت بعض أطباء السمنة عن حقيقة عودة الوزن بعد فقدانه؟ ولماذا يُبشّر المرضى بحلولٍ لا تدوم، بينما تُخفي الدراسات أن ما يقارب 60% من الحالات تستعيد الوزن المفقود في غضون أشهر من توقفها؟

الصمت ليس حيادًا.. إنه إخفاء للواقع

يُفترض بالطبيب أن يكون شريكًا في رحلة المريض، لا مُلقنًا له وعودًا مغلفة بالأمل الزائف. لكن في كثير من العيادات، يغيب النقاش الجاد حول المآلات الطويلة المدى، ويُستبدل بحوارٍ سريع، يتجه مباشرةً إلى خيار "سهل وسريع": إبرة أسبوعية، تقطع الشهية، وتُفرغ المعدة، وتُرضي المريض العجول.

والسؤال هنا ليس في جدوى الدواء وحده، بل في غياب الشفافية المصاحبة له.

لماذا لا يُقال للمريض إن الدراسات تشير إلى أن معظم من يتوقف عن هذه الأدوية يستعيد وزنه؟ لماذا لا يُشرح له أن الجسم، بعد فترة، يبدأ في مقاومة تأثيرها؟ ولماذا يتم التعامل مع هذه الإبر وكأنها حلٌ سحري دائم، بينما هي – في حقيقتها – تأجيلٌ مؤقت للمواجهة؟

من العلاج إلى الاستهلاك: حين تتحوّل الإبرة إلى وصفة تسويقية

في سياق مادي تسوده الضغوط التجارية، بات بعض الأطباء جزءًا من سلسلة تسويق أكثر من كونهم أمناء على الجسد والمعرفة. يُوصف الدواء، لا لأنه الحل الأنسب، بل لأنه الأسرع تسويقًا، الأكثر طلبًا، وربما الأكثر ربحًا. وتُقدَّم الإبر في "باقات"، كما تُقدَّم خدمات المنتجعات، تُرفَق بتوصيات سطحية، وتُسوّق في المنصات وكأنها نمط حياة، لا تدخلًا طبيًا محفوفًا بالمخاطر.

حين يتحوّل الخطر إلى نمط حياة

هكذا، يُحقن المريض كل أسبوع، يفقد الوزن، يحتفل، ينشر الصور، لكنّه لا يعرف أن جسده – في صمتٍ – يُعيد بناء شبكته الدفاعية ضد هذا النقص. يقلّل الحرق، يرفع الشهية لاحقًا، ويستعد للعودة. وما إن يتوقف، تبدأ الحلقة من جديد: يعود الوزن، لكن هذه المرة مصحوبًا بالإحباط، والفقد، وتَبدُّد الثقة في الذات.

إدمان النقص.. صناعة الوهم داخل العيادة

هنا يجب أن يُقال بوضوح: بعض الأطباء لا يصمتون بدافع الحياد، بل لأنهم أصبحوا جزءًا من صناعةٍ تقتات على إدمان الناس للنقص. إدمان أن يروا أنفسهم غير كافين، غير راضين، غير متصالحين مع أجسادهم. وبدل أن يعالج الطبيب هذا الإدراك المشوّه، يعزّزه بوصفة دوائية، ويُسكته بإبرة، ويُثبّته بمتابعة صامتة لا تقول شيئًا.

أخلاقيات مفقودة في وصفة تُحقن

من يُقدّم الإبر دون أن يعلّم المريض كيف يأكل، كيف يتحرّك، كيف يُعيد بناء علاقته مع الطعام، لا يعالج السمنة، بل يعالج مظهرها. ومن يضع وصفة دون خطة، لا يُعالج الإنسان، بل يُنقص الوزن على ورق التحاليل، ويُراكم خيبة طويلة على كاهل الجسد والنفس.

هل نعيد تعريف العلاج؟

في النهاية، المشكلة ليست في الإبر ذاتها، بل في الطريقة التي تُقدَّم بها. في غياب السياق، في تغييب المعلومة، في دفن الحقيقة. من حق المريض أن يعرف أن فقدان الوزن ليس دائمًا، وأن الجسم يقاوم، وأنه – بدون تغيير حقيقي في نمط الحياة، الغذاء، والنشاط – سيعود الوزن مهما كانت الحقنة فعالة.

فالصمت هنا ليس مجرد تقصير، بل خيانة لقَسَم المهنة.