مفهوم هندسة العوامل البشرية أو ما يعرف بالإرجونوميكس Ergonomics

أصبحت بيئات العمل أكثر تعقيدًا وتحديًا خاصة مع التطور التكنولوجي في جميع جوانب الحياة خاصة في مجال السلامة و الصحة المهنية في الصناعة و الذي يعتبر له دور مهم للغاية في تنمية اقتصادات الدول وهذا ما يحتم على المنشآت الصناعية أن تضع إستراتيجيات فعالة إلى تحسين ظروف العمل و التحكم في مخاطر العمل من أجل رفع معنويات العمال وكفاءتهم الإنتاجية.

هندسة العوامل البشرية أو ما يعرف بالإرجونوميكس أصبح مجالً من العلوم التي تهتم بدراسة الانسان والنشاطات التي يمارسها داخل بيئة العمل ومكوناتها والغرض الاساسي منها هو زيادة كفاءة أنظمة العمل من خلال تحسين العلاقة بين الانسان ومكونات نظام العمل في بيئة العمل، فكلما ازدت كفاءة نظام العمل ازدادت تبعا لذلك إنتاجيته، و لذلك يبرز علم الإرجونوميكس دوره من خلال اتجاهين هـامين: الأول يعنـى بالصـحة و السلامة المهنية التي تهتم بحماية العامل من الحوادث، في حين يكون الاتجاه الثاني في  كيفية أداء العمل  و الحماية  من مختلف المشكلات العضلية الحركية الهيكلية التي يعاني منها العديد العمـال من عوامل الخطر في بيئة العمل.

وتعرفه جمعية الإرجونوميكس الأوروبية بأنه التوافق والملاءمة والمطابقة بين العامل والاخطار المحيطة في البيئة المحيطة فالإرجونوميكس تطبيق للعلوم البيولوجية للإنسان والعلوم الهندسية على العامل وبيئة العمل المحيطة به بمعني اوضح ان الإرجونوميكس يعني الدراسة العلمية بين الإنسان وبيئة عمله كما أنه تصميم وهندسة نظم الإنسان والآلة بغرض تعزيز الأداء البشري وتحقيق الأمن والراحة وزيادة المردودية و تقليل الاخطاء.

تم اشتقاق مفهوم ارجونوميكس Ergonomics من لفظتيـن لاتينيتيـن همـا Ergo بمعنى العمل و Nomos بمعنى القواعـد والقوانيـن، و لا يعني المصطلـح قـواعد وقوانيـن العمل كما يتبادر إلى الذهـن من الترجمـة الحرفية اللفظية بل تطور مفهوم الإرجونوميكس حتى صار يعني هندسة النشاط البشري، وعلم يشارك فيه المهندسون وعلماء النفس و اخصائي السلامة و الصحة المهنية و اخصائي بيئة العمل  ويعنى بتصميمات المعدات والآلات والاجهزة وتهيئة الظروف الفيزيقية المحيطة بالعمل و التي تتم في ضوء المعرفة والامكانات الحسية و الجسدية للعامل ومقدرته على التعلم والفهم أي علم يعنـى بفن التعامل مع العنصر البشري .

و ان الهدف التطبيقي للإرجونوميكس هو تكييف مركز العمـل و الأدوات و الآلات وسـاعات العمـل والجـو الفيزيقي لمتطلبات الإنسان للحد من المخاطر المهنية وهي أي خطر مصدره نشاط مهني أو حدث يظهر فـي ميدان العمل يمثل خطر بالنسبة للإنسان والأخطار المهنية مرتبطة بالظروف العامة للعمـل وهي تهدد تدهور صحة العاملين سواء بالمرض أو الحادث ، وعلى العامل و صاحب العمل القضاء أو التقليص من هذه المخاطر من اجل ضمان امن العمال وحماية صحتهم الجسمية والعقلية.

والهندسة البشرية ذلك العلم الذي يهيئ الظروف الفيزيقية المحيطة بالعمل بحيث تتلاءم مع قدرات الإنسان في الإحساس والإدراك، وبحيث تتفق مع قدراته على التعلم نفسياً وحركياً وجسمياً وتهدف إلى تحقيق نوع من الراحة والأمان في بيئة العمل والرضا عنها.

 ويمكن اشتقاق تعريف للإرجونوميكس وهو: " العلم الذي يعنى بالبيئة الفيزيقية بكل ما تشمله من مكونات وعلاقتها بالإنسان من أجل تحقيق الراحة والأمان والرضا عن العمل فيها مستندة في تلك العلاقة إلى مجموعة من النظريات العلمية والمبادئ الحاكمة لتحقيق فعاليته

ولقد تمحورت أهداف الإرجونوميكس في التركيز على تخفيض مستويات التحرك الخاطئ والعمل على تقليل فرص حدوثها خاصة تلك المؤدية لمخاطر جسيمة ورفع مستوى السلامة وتقليل الحوادث والاجهاد والضغوط الواقعة على العاملين وتحسين مستوى الاداء ورفع مستوى الكفاية والفاعلية وتخفيض مفهوم ملائمة العمال والادوات والبيئات لمستخدميها وتعظيم مقدرة الانسان على التفاعل مع المنتجات والادوات وبيئات العمـل وزيادة رضا العاملين، والتقليـل من مستوى ضيـاع الوقت واستهـلاك المعـدات.

والمجال البدني هو مجال من مجالات الإرجونوميكس يبحث في الصفات البدنية والتشريحية والفسيولوجية لجسم الانسان وعلاقتها بتصميم الآلات والمنتجات وأنظمة العمل التي يتعامل معها الانسان بهدف توفير السلامة والبيئة المريحة والتخلص من أسباب الاجهاد البدني. ويأتي المجال الذهني وهو مجال يبحث في الصفات العقلية والمقدرات الذهنية للإنسان كالأدراك الحسي والمقدرة على الفهم والتذكر وإعمال المنطق في الاستنتاج والاستنباط والاستجابات الحركية وذلك من خلال التعامل مع تأثير هذه العوامل في التفاعل بين الانسان والمكونات الاخرى للنظم التي يتعامل معها مثل الآلات والمعدات في بيئة العمل.

ويعد الإرجونوميكس أحد المداخل التي تجمع بين البيئة الفيزيقية والبيئة البشرية فتجعل البيئة الفيزيقية والعاملين فيها محور الارتكاز وبؤرة الاهتمام في أبحاثها ودراستها لاعتنائه بهندسة البشر وتصميم بيئة العمل والعامل والأساليب والطرق التي يؤدَّى بها والأماكن التي يتم فيها هادفا إلى توفير بيئة عمل آمنة ومؤهلة وصحية ومستقرة على أعلى مستوى من الامان والسلامة من خلال تيسير كل الوسائل والأساليب وتذليل العقبات المعرفية والفيزيقية والتنظيمية والتحكم في مخاطر بيئة العمل.

بقلم

د. خالد فكري سلامة

أستاذ الصحة والسلامة المهنية -قسم صحة البيئة- كلية الصحة العامة

جامعة الامام عبد الرحمن بن فيصل