مدمنيّ العمل الذين لا يعرفون الراحة!

يميّز مُدمني العمل بتفانيهم الشديد واستثمار وقت أطول في العمل مقارنة بالآخرين، وقد يعتبر هذا الجهد الزائد إيجابيًا في بعض الشركات، ولكن الظروف العملية تلعب دورًا هامًا في تشكيل هذا السلوك.

مدمنيّ العمل الذين لا يعرفون الراحة!


إدمان العمل عُرِّف أولاً في سنة 1971 عن طريق عالم النفس الأمريكي "وأين إدوارد أوتس" كحاجة مفرطة للعمل تؤدي إلى تأثيرات سلبية على الصحة والسعادة الشخصية والعلاقات الاجتماعية، لا يزال محط جدل واسع في الأدب العلمي، حيث يتساءل الباحثون عن طبيعة هذه الظاهرة هل هي سلوك إيجابي يستحق التقدير أم سلوك سلبي يتطلب التدخل؟

يميّز مُدمني العمل بتفانيهم الشديد واستثمار وقت أطول في العمل مقارنة بالآخرين، وقد يعتبر هذا الجهد الزائد إيجابيًا في بعض الشركات، ولكن الظروف العملية تلعب دورًا هامًا في تشكيل هذا السلوك.

تعتبر الدراسات حول إدمان العمل خلال الفترة من عام 2012 إلى 2018مثيرة للجدل، حيث يُعرف إدمان العمل بأنه سلوك قهري يشبه الإدمان، ويُسلط الضوء على العوامل المتعددة التي تسهم في ظهور هذه الظاهرة مع التأكيد على أهمية اتخاذ إجراءات وقائية داخل بيئة العمل.

يؤكد العلم بأن منع الإدمان على العمل يتطلب التركيز على العوامل الشخصية والتنظيمية، وضرورة توجيه الشركات والأفراد نحو طرق الوقاية الفعالة والتصدي لهذه التحديات الصحية الناشئة. 

سنتحدث في هذا المقال عن كيفية المساهمة في الحد من هذه السلوكيات بشكل صحي على ثلاثة مستويات: 

1- الوقاية الأولية من إدمان العمل:

الوقاية الأولية هي كالدروع التي تحمي الموظفين من الاختلال بين العمل والحياة (WLB). تعزيز ثقافة التوازن بين الجوانب المختلفة وتنظيم استخدام تقنيات المعلومات بشكل صحيح يعتبران السبيل لتحقيق هذا الهدف. وعلى المنظمات أن تضع في اعتبارها التدريب على القيادة الأخلاقية كوسيلة لمنع المديرين من تشجيع سلوكيات إدمان العمل دون قصد. وقد تضمنت الأمور التالية: 

أولاً: التوازن بين العمل والحياة (Work–life balance)‏

التوازن بين العمل والحياة الشخصية هو مفتاح الوقاية من إدمان العمل، وهو ما أكدته الدراسات الجديدة. تظهر أهمية وجود سياسات تنظيمية واضحة لضبط الأنشطة خارج ساعات العمل وتحذيرات من التكنولوجيا المفرطة أثناء الراحة. برامج الدعم العائلي وتوفير عطلات كافية تُعتبر حلاً فعالاً لتقليل تأثير إدمان العمل على الصحة النفسية والأداء الوظيفي. 

ثانيًا: متطلبات الوظيفة (JDs) والموارد الوظيفية (JRs)

العمل الشاق يتعلق بالضغوطات في العمل مثل العبء الزائد وساعات العمل الإضافية، ولكن كيف يمكن تجنبه؟ إدارة هذه الضغوطات بذكاء خلال ساعات العمل العادية يمكن أن تقلل من تفاقم هذه المشكلة. بالإضافة إلى ذلك، الموارد الداعمة في العمل مثل الدعم الاجتماعي والملاحظات تلعب دوراً هاماً في تقليل الإرهاق والتعامل مع تحديات العمل بشكل صحي.

ثالثًا: أنظمة مكافآت المؤسسات

خلال دراستهما، حذر الباحثين ″ T. Huyghebaert و A. Falco ″ من التأثيرات الضارة للإدمان على العمل سواء على الشخص نفسه أو على المؤسسة بشكل عام. بدلاً من ذلك، اقترحوا عدم تشجيع هذا النوع من السلوك، واستخدام أنظمة المكافآت التي تعتمد على العمل الذكي، حيث يتم تقدير الإنجازات والكفاءة بدلاً من الجهد البدني الشاق. هذا النهج يهدف إلى تحفيز الإبداع وتعزيز الأداء الشامل في بيئات العمل الحديثة. 

2- الوقاية الثانوية من إدمان العمل:

تعتمد الوقاية الثانوية على تطبيق مكافآت تعزز الاحترام وتصميم وظائف بشكل منطقي لتجنب الضغوط الزائدة والمطالب المثالية. برامج المساعدة للموظفين والإرشاد المهني يمكن أن تلطف من العبء الشخصي وتحد من عدم الرضا في العمل، مما يقلل من نية الانتقال إلى الإدمان على العمل. خلال التالي:

أولاً: الذكاء العاطفي هو كنز ينبض بتوازن الروح، ينير العقل، ويبني جسراً قوياً مع الآخرين.

ثانيًا: الإرشاد المهني الـمُوصى به لمساعدة الموظفين المدمنين على العمل في العثور على وظيفة تروق لهم. أظهرت الأبحاث التي قام بها A. Mäkikangas” “ أن العمل الجاد يميل إلى الاستقرار مع مرور الوقت.

ثالثًا: تدريب الوعي بالتأمل (MAT) الذي يسهم في الوعي الذهني والتواصل مع الذات، مما يؤدي إلى تحسين التوازن بين العمل والحياة دون المساس بأداء العمل.

3- الوقاية الثالثة من إدمان العمل:

 تتمحور الجهود على العلاجات الفردية كـعلاجات الانتباه و العلاج السلوكي المعرفي (CBT) لتحسين التوازن العاطفي وتعزيز الابتعاد عن العمل. يعتبر التعاون مع الخبراء واستخدام الأدوات التقييمية أمرًا أساسيًا للكشف المبكر والمعالجة المناسبة لإدمان العمل. وتضمنت التالي: 

العلاج السلوكي التعاملي العقلاني (REBT) 

هو أسلوب فعّال لعلاج الإدمان على العمل، حيث يساعد في التخلص من القلق المتعلق بالعمل ووضع حدود صحيحة بين العمل والحياة الشخصية، بالإضافة إلى تعزيز أنشطة خارج العمل وتحسين النظرة نحو الذات. يقدم REBT أدوات لإدارة المشاعر السلبية وتعلم استراتيجيات التعامل مع التحديات بشكل أكثر مرونة وإيجابية.

دور الأطباء المهنيين

الأطباء المهنيون يلعبون دورًا حيويًا في الوقاية الثالثية للعاملين المدمنين على العمل، مركزين على استراتيجيات العلاج مثل التدخلات السلوكية المعرفية مثل REBT، غالبًا بالتعاون مع النفسانيين. يشمل ذلك إحالة الأفراد إلى مجموعات الدعم واستخدام علاجات مثل التدريب على الاسترخاء. كما أن جهود الوقاية الأولية والثانوية ضرورية أيضًا لمنع الإدمان على العمل ودعم استمرار العمل.

بشكل عام، تكييف ظروف العمل لدعم التوازن بين العمل والحياة ورفاهية الفرد أساسي لفائدة الموظفين والمنظمات على حد سواء.

في الختام، تسلط هذه المقالة الضوء على طرق مهمة لمنع الإدمان على العمل، مع التأكيد على أهمية هذه الطرق في مختلف المجالات. وعلى الرغم من استمرار النقاش العلمي لمدة 45 عامًا، إلا أن خطورة الإدمان على العمل تبرر الضرورة العاجلة لتبني إجراءات وقائية مدعمة بالأدلة. ومن منطلق الإخلاص بالعمل الذي حثّ عليه ديننا الإسلامي تأتي ضرورة الإنتباه لصحة الجسد والعقل معه، ما إن تبذل ما بوسعك وما يتطلب العمل الخاصبك يكفيك أن تفخر بما أنجزت وأن تكافئ نفسك بوقت مريح كافي لتستعيد قوتك ونشاطك!

بقلم/ امجاد الغامدي و سعد العباد

تدقيق و مراجعة : عهود عسيري

المصدر/ https://www.ncbi.nlm.nih.gov/pmc/articles/PMC8297306/