لماذا في الغالب لا تستفيد المنظمات من نتائج الأبحاث التي تنفذها أو تمولها؟
عند محاولة معرفة نوع الاستفادة التي تمت من نتائج الأبحاث، يبدأ الأمل من فائدتها بالتلاشي، حيث أن الأغلب يجيبون على هذا السؤال بأن المنظمة استفادت عبر بناء معرفة لها ولموظفيها من نتائج الأبحاث. وبينما تعتبر زيادة المعرفة مهمة فإنه يتضح للمسؤولين في هذه المنظمات أن التكاليف التي تم إنفاقها على تلك الأبحاث لا توازي حجم الاستفادة العملية أو الاقتصادية ....
هل تستفيد منظمتك من نتائج الأبحاث التي تنفذها داخلياً أو يتم تمويلها لتنفذ خارج المنظمة؟
هذا السؤال الذي نطرحه بشكل مستمر على جميع عملائنا في IDM.sa وفي الغالب تكون الإجابة لا أو نادراً جدا. وعند محاولة معرفة نوع الاستفادة التي تمت من نتائج الأبحاث يبدأ الأمل من فائدتها بالتلاشي، حيث أن الأغلب يجيبون على هذا السؤال بأن المنظمة استفادت عبر بناء معرفة لها ولموظفيها من نتائج الأبحاث. وبينما تعتبر زيادة المعرفة مهمة فإنه يتضح للمسؤولين في هذه المنظمات أن التكاليف التي تم إنفاقها على تلك الأبحاث لا توازي حجم الاستفادة الحقيقية الملموسة منها. وتكون دائما نتائج الأبحاث من أقل المخرجات التي تحقق عائد ملموس مقابل الاستثمار الذي تم وضعه فيها.
وقبل أن نتطرق لكيفية رفع مستوى الاستفادة من نتائج الأبحاث التي ننفذها أو نمولها في منظماتنا يجب أن نتعرف على المسببات الرئيسية لانعدام الفائدة من نتائج الأبحاث في أغلب المنظمات والتي استنتجناها عبر السنوات التي عملنا فيها في هذا المجال لمساعدة عملائنا في المملكة العربية السعودية للتحول من بناء المعرفة إلى استغلال المعرفة والحصول على عوائد تفوق التكاليف التي تم استثمارها.
أسباب الفشل في الاستفادة من نتائج الأبحاث داخل المنظمات وضعف أو انعدام العائد من الاستثمار في العالم العربي بشكل عام:
1- اختزال البحث العلمي في البحث الأكاديمي
البحث العلمي في نمطه الأكاديمي البحت يرتكز على نقطتين أساسيتين. الأولى هي أن الباحث الفرد هو من يحدد الأولويات البحثية حسب ميوله وقدراته وقد لا تعني أن الموضوع الذي يتم اختياره ونتائجه مهمه اقتصادياً أو للمنظمة ككل. كما أن الباحث الأكاديمي ليس لديه الخبرة أو المعرفة بالاحتياجات الاقتصادية أو التشغيلية وتحدياتها. ولذلك يركز البحث العلمي الأكاديمي بشكل كبير على اكتشاف معارف جديدة ونشرها بدون بذل الجهد أو التحقق من جدواها العملية أو الاقتصادية. ولذلك فإن استخدام النموذج الأكاديمي في المنظمات الاقتصادية والتشغيلية وحتى الحكومية يعد أحد أهم المسببات لفشل وحدات ومراكز الأبحاث في تحقيق عائد اقتصادي أو تشغيلي للمنظمة.
وقد نشرنا سابقاً أحد الحلول المهمة لهذه المشكلة وهي استخدام نموذج الأبحاث التشغيلي بدلاً من الأكاديمي. بالإمكان الاطلاع على الورقة البحثية لنموذج الأبحاث التشغيلي.
2- غياب سياسات العلوم والبحث والابتكار وحوكمتها
أغلب المنظمات التي تفشل في الاستفادة من نتائج البحوث التي تنفذها أو تمولها غالباً ليس لديها سياسات وحوكمة واضحة للعلوم والبحث والابتكار. وتعتمد غالباً على سياسات النموذج الأكاديمي التي لا تشمل في أساسها مراحل الاستفادة من نتائج الأبحاث وتطويرها وتحويلها لمنتجات اقتصادية، أو استخدامها في صناعة القرار.
3- ضعف أو غياب النموذج التشغيلي لوحدات البحث والابتكار
من أكثر معوقات الاستفادة من نتائج البحوث والتطوير هو عدم وجود نموذج تشغيلي يحدد العمليات وإطارها الزمني، ويخضع للتحسين والتطوير بناء على تجارب المنظمة حتى تصل لمرحلة نضج عالية تصبح فيها عمليات البحث والتطوير واضحة وبمسارات تشغيلية وزمنية محددة.
4- غياب الرؤية الواضحة لدور وحدة الأبحاث في المنظمة وكيفية الاستفادة من نتائجها
تخطئ الكثير من المنظمات في التصور أن وحدة الأبحاث صندوق سحري يمكن أن يخرج لنا بكل ما نحتاجه وفي الحقيقة فإن سبب انشاء وحدات الأبحاث والرؤية الخاصة بها هي أحد أهم مسببات فشلها. فمثلا حينما يكون الغرض من إنشاء وحدة الأبحاث هو مساعدة المنظمة على اتخاذ القرارات، فإنه لا يمكن استخدام نفس الوحدة البحثية لتطوير المنتجات أو العمليات. والسبب بسيط جداً وهو أن المهارات والكفاءات والخبرات المكتسبة لكل من هذين الخيارين مختلفة تماما ومن المستحيل الجمع بينها في مركز واحد.
5- عدم ربط مدخلات ومخرجات وحدة الأبحاث مع العمليات التشغيلية والاستراتيجية في المنظمة
وهذا أمر شائع جداً، أن تكون وحدة الأبحاث منفصلة إداريا وتنفيذيّاً عن العمليات التشغيلية والاستراتيجية.
6- بطء عمليات الأبحاث وتأخر ظهور نتائجها
كثيراً ما يشتكي المسؤولون ويعتبون على وحدات الأبحاث في بطء مخرجاتها وعدم توافق سرعتها مع سرعة الحاجة لاتخاذ القرارات. ماهي فائدة نتائج البحث الجيد حينما تأتي متأخرة أو بعد أن يتم اتخاذ القرار! وهنا نعود لتطوير وتحسين النموذج التشغيلي وضبط توافقه مع السرعة المطلوبة للاستفادة من النتائج.
7- الضعف أو الخلل في المنهجيات العلمية
من المعروف لدى المختصين أن تطوير المنهجيات العلمية الرصينة من أصعب المهارات وأندرها حيث تتطلب معرفة وخبرة كبيرة لا يمكن نقلها بطرق التعليم التقليدية. وعندما نتبنى منهجيات خاطئة أو نطور منهجيات ضعيفة فبالتأكيد ستكون جودة النتائج ضعيفة، والثقة بها معدومة من المسؤولين ومتخذي القرار. فمن السهل معرفة الثغرات ومواطن الضعف في المنهجيات البحثية ولكن من الصعب جداً تطويرها لتخرج لنا نتائج عالية الجودة.
ومن الأسباب الأخرى المهمة أيضا عدم وجود آلية لتحديد الأولويات البحثية والاعتماد على رأي المختصين الأفراد في ذلك، وعدم وجود نموذج لاتخاذ القرار في المنظمة مع وضوح دور وحدة الأبحاث فيه، عدم وجود نموذج وآليات لتحويل النتائج إلى منتجات اقتصادية، عدم وجود آلية لقياس فعالية مخرجات ونتائج الأبحاث ومدى استفادة المنظمة منها، بالإضافة إلى الضعف في عمليات جمع البيانات وعدم شمولية قواعد البيانات على العوامل المهمة وضعف جودة البيانات.
ونستنتج من ذلك أن الحصول على فائدة أو عائد من الاستثمار من وحدات ومراكز الأبحاث خصوصا في العالم العربي ضئيلة جداً أو معدومة،
ولحل هذه المشكلة يجب أن نعامل الأبحاث كما نعامل أي عملية تطوير لأي منتج جديد، أو عملية تشغيلية في المنظمة و نبدأ بتطوير استراتيجية واقعية ورؤية واضحة تحدد لماذا نحتاج للأبحاث وكيفية الاستفادة من نتائجها ووضع نموذج تشغيلي وسياسات وحوكمة فعالة لتحقيق هذه الرؤية. ولتحقيق ذلك بنجاح يجب أن نختار شركائنا في تطوير هذه المرحلة بناء على خبرتهم في الأبحاث التشغيلية وتحويلها لعمليات اتخاذ القرار أو إلى منتجات اقتصادية. وأن نحذر من أصحاب المعرفة النظرية حيث سيدخلنا غياب الخبرة التنفيذية في مجال البحث والابتكار في دوامة تنفيذ الأبحاث كمخرج بحد ذاته يتراكم ويستهلك مواردنا بدون أن نحقق أي فوائد ملموسه منه.
ومن التجارب الناجحة التي قامت بها (IDM) في تحويل نتائج الأبحاث إلى مدخلات لاتخاذ القرار أو منتجات هو تحويل نتائج الأبحاث إلى لوحات اتخاذ القرار التي تبسط النتائج وتختصرها على الحد الذي يحتاجه متخذ القرار، ومن ثم أتمتة هذه التقارير لتحدث بشكل دوري وسريع لخدمة متخذ القرار في أي وقت ومكان، وعندها تتحول عمليات البحث إلى منتجات تشغيلية تساهم في صنع القرار. ولكي نصل إلى هذه المرحلة نحتاج إلى تنفيذ العديد من العمليات التي تساهم في تحضير المنظمة وتحديد أولوياتها وبياناتها لتصبح مدخل سهل ومستمر في عمليات اتخاذ القرار.