الصحة النفسية: لوحات بيضاء متصبغه
"التعلم في الصغر كالنقش على الحجر" من الأمثلة الشائعة في مجتمعنا حيث أن الطفولة مرحلة عمرية حساسة وذات أهمية كبرى في تجسيد شخصية الطفل وصقلها، ومن المعضلات المنتشرة في وقتنا الحاضر، هي الأمراض النفسية التي تبدأ معالمها بالظهور في سن الطفولة، على سبيل المثال: اضطرابات القلق والتوتر، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب.
يولد الإنسان مع شغف كبير لاستكشاف المحيط من حوله. لماذا لا نستطيع إمساك الغيوم أو لمس القمر؟ أو لماذا يعكس البحر اللون الأزرق بينما لا لون للماء بحد ذاته؟ لنتخيل معًا أيها القارئ أن كل فرد منا عندما يولد يكون مثل لوحة بيضاء زاهية ومن ثم تبدأ هذه اللوحة بالتلون بألوان المحيط فيأخذ الطفل اللون الأزرق من والده واللون الأحمر من والدته واللون الأصفر من محيطه الاجتماعي واللون الأخضر من الطبيعة جميع هذه الألوان ارتطمت بهذه اللوحة البيضاء لتضفي عليها تضاريس خاصةً بها، هكذا هي شخصية الإنسان فتارةً يطغى عليها اللون الأحمر المليء بالحب والحنان وتارةً اللون الأصفر المشع بالروح ونبض الحياة وفي أحيان أخرى يعتري تلك اللوحة ما يعتريها من اللون الأسود و دوامة التفكير وتيه الذات. لذلك، لتكون اللوحة متناسقة المظهر لابد على الشخص نفسه أن يمسك بفرشاة لوحته ليعطي كل لون حقه بالكمية المناسبة لترتسم أمامه شخصية مستقرة سريعة التأقلم بكل الأبعاد، ومن هنا تأتي أهمية الصحة النفسية للأطفال.
قد يظن البعض أن الصحة النفسية ليست بذات القدر من الأهمية مقارنة بالصحة الجسدية، ولكن تم إثبات وجود علاقة وطيدة بين الأمراض النفسية و كونها من أهم العوامل المسببة للأمراض الجسدية المزمنة مستقبلًا و العكس صحيح، مثل مرض الاكتئاب يعتبر أحد أسباب الإصابة بمرض السكري أو مرض الذئبة، في حين أن المصابين بالسرطان معرضين بنسبة للإصابة بالاكتئاب. حيث يعتقد البعض أن المشاكل النفسية نادرة بسبب نظرة المجتمع الدونية لها ومعتقداتهم الدينية مثل كونه مصاب بالحسد وقلة وعيهم بأنواع الأمراض النفسية، بينما في الحقيقة هي شائعة بين كثير من أفراد المجتمع ومن بينهم الأطفال و المراهقين. للأسف أكدت أحد الإحصائيات أن ١٠٪ من الأطفال الذين تتراوح أعمارهم بين ٣-١٧ سنة حوالي ٣ أطفال من أصل ٤ يعانون من أحد المشاكل النفسية منها فرط الحركة وتشتت الانتباه (ADHD) والقلق.
"التعلم في الصغر كالنقش على الحجر" من الأمثلة الشائعة في مجتمعنا حيث أن الطفولة مرحلة عمرية حساسة وذات أهمية كبرى في تجسيد شخصية الطفل وصقلها، ومن المعضلات المنتشرة في وقتنا الحاضر، هي الأمراض النفسية التي تبدأ معالمها بالظهور في سن الطفولة، على سبيل المثال: اضطرابات القلق والتوتر، واضطراب ما بعد الصدمة (PTSD) والاكتئاب. تتعدد الأسباب المساهمة في الاضطرابات النفسية منها :
الإهمال العاطفي:
الإهمال العاطفي يمكن أن يكون مؤذي بقدر التعرض لشتى أنواع العنف، ويحصل ذلك عندما يهمل مقدمو الرعاية تشجيع الطفل في تنمية مهاراته واهتماماته المتنوعة مما يؤثر على تقدير الطفل لذاته وازدياد جوعه العاطفي الذي يقوده غريزيًا نحو البحث عن دعم معنوي خارج محيطه. في أحد اللقاءات شاركت طبيبة نفسية قصة لفتاة تعاني من الجوع العاطفي بسبب عدم دعم أسرتها لها عند رفض الجامعة طلبها بالالتحاق، ومع أول وظيفة لها تلقت أنواع المديح من مديرها بسبب جهدها وإخلاصها في عملها مما أدى في نهاية المطاف إلى إستغلال مديرها لها بجعلها تتولى مهام فوق طاقتها وخارج ساعات عملها الرسمي وبشكل لا واعي منها كانت تقبل بذلك غير مدركة لما تسببه من ضغط نفسي وجسدي على نفسها؛ ويرجع السبب في ذلك إلى عدم تلقيها الدعم الكافي من أسرتها و محيطها.
صدمات نفسية:
روى أحد الأطباء النفسية أنه أتى إليه أحد المراجعين يشكو من خوف وقلق شديدين تجاه مديره دون أي مبرر مسبق، رغم عدم وجود خلافات سابقة بينهما. وبعد القيام بعدة جلسات تبين أن شخصية المدير وتعامله مع الآخرين يحاكي أسلوب والد المراجع العنيف في صغره . هذا يوضح كيف أن الإساءة البدنية والنفسية اللتين يتعرض لها الأشخاص في صغرهم تتركان آثارًا جسدية وعاطفي عميقة على الضحايا، قال طبيب نفسي يعمل في مصحة، نحن لا يأتينا المرضى النفسيين، بل يأتينا ضحاياهم .
مواقع التواصل الاجتماعي:
قضاء الأطفال وقتًا طويلًا على وسائل التواصل الاجتماعي يجعلهم أكثر عرضة إلى الاكتئاب والقلق، تدني مستوى التفاعل الاجتماعي المباشر، والتعرض للتنمر والمقارنات والخوف من تفويت شيئًا ما أو فقدان الفرص (FOMO).
كيمياء الجسم:
كيمياء الجسم تلعب دورًا حاسمًا في الصحة النفسية لأن التوازن الكيميائي في الدماغ يؤثر بشكل مباشر على السلوك والمشاعر. فهناك الكثير من المواد الكيميائية الرئيسية التي تؤثر على الصحة النفسية منها:
- السيروتونين، فهو مرتبط ارتباط كبير في الشعور بالسعادة.
- الميلاتونين يؤثر في المزاج فهو يفرز أثناء النوم ليلًا، لذلك ينصح بتجنب السهر والنوم ليلًا خصوصًا بين الساعة ١١ مساء إلى ٤ صباحًا.
- الكورتيزول، حيث يعرف بهرمون التوتر ويُفرز أثناء التعرض للمواقف المسببة للتوتر والضغط.
ولذلك، عند نقصان أو اختلال هذا التوازن الكيميائي تزيد احتمالية إصابة الشخص بالاكتئاب والقلق أو حتى بعض الاضطرابات مثل الإدمان والفصام.
إهمال الاعتناء بالجانب النفسي يؤثر بشكل سلبي على جودة الحياة وكفاءتها، فمن المهم الاهتمام به وإعطائه الأولوية دائمًا. من الاستراتيجيات التي يُوصى بممارستها لتحقيق الاستقرار النفسي: تشجيع بناء علاقات اجتماعية صحية، الحرص على القيام بأنشطة بدنية للطفل، تعليم الأطفال كيفية إدارة التوتر ومهارات حل المشكلات.
ختامًا ذكر الأستاذ أسامة الجامع في أحد اللقاءات على موضوع أثر الأسرة في تكوين شخصية الطفل حيث قال " الطريقة التي تتعامل فيها مع الحياة هي انعكاس للطريقة التي يخاطبك بها والديك في صغرك " لذلك يجب على الأسرة أن تكون واعية لدورها المهم في تشكيل شخصية الطفل، لأن الدعم النفسي والعاطفي في الطفولة يشكل الأساس في توازن واستقرار الفرد في مراحل حياته المختلفة.
بقلم : روان الشلالي و الهنوف الشهراني
تدقيق ومراجعة: رزان الشهراني