القدرة على تكرار نتائج الأبحاث العلمية في أزمة عالمية – كيف يمكن أن نساهم بحلها؟
إن من أهم ما يميز النتائج المبنية على البحث العلمي الرصين هو وضوح وشفافية منهجية الوصول لهذه النتائج ولذلك تتميز المنهجية العلمية بأنها منظمة من حيث وصفها الدقيق لكافة العمليات والافتراضات التي تم من خلالها جمع البيانات وتحليلها وذلك لتتيح للباحثين في المستقبل فرصة إعادة نفس التجربة والوصول لنفس النتائج.
في العشر أعوام الماضية بدأ الوعي بأن بعض الحقائق العلمية المتعارف عليها لم يتم التوصل لها حينما تمت إعادة التجارب بنفس المنهجيات التي استخدمت في اكتشافها. في عام 2010 ميلادي نشرت صحيفة النيويورك تايمز مقال بعنوان "الحقيقة تتلاشى" وتبع هذا المقال العشرات من المقالات التي سلطت الضوء على أزمة "تكرار النتائج العلمية". وركزت تلك المقالات على بعض الفضائح أو الأوراق العلمية التي تم سحبها بعد نشرها من المجلات العلمية وخصوصا بسبب عدم قدرة الباحثين على تكرار النتائج حينما أتبعوا نفس المنهجية المذكورة في تلك الأبحاث المنشورة. كما للأسف تكاثرت المقالات الصحفية عالميا التي تركز على أن الباحثين يهتمون بالحصول على الدعم المادي عبر المنح البحثية والبريستيج المرتبط بها أكثر من اهتمامهم بالوصول إلى الحقيقة. خصوصا أولائك الباحثين الذين يترددون في مشاركة البيانات أو معلومات إضافية عن نتائج أبحاثهم العلمية المنشورة.
وعند التعمق في فهم أسباب هذه الأزمة سواء كانت لدراسة لم يتمكن العلماء من تكرار نتائجها العلمية عن ظاهرة معينة في المجتمع أو تأثير دواء جديد على مرض معين مثل السرطان، تبقى الظروف الأساسية المسببة للمشكلة في الغالب ثابته تنشأ من أتمتة التقارير العلمية وطريقة عرض النتائج الإحصائية في الأبحاث العلمية، وكذلك تحيز الباحثين لنشر النتائج الإيجابية إحصائيا.
وحينما نتساءل هل هذه الأزمة سببها الغش أو الاحتيال العلمي؟ فإن أغلب التحريات ووجهات نظر الخبراء ترى أنه مع وجود نسبة ضئيلة من الاحتيال العلمي فإنه أهم عوامل هذه الأزمة هو عدم الإفصاح عن المشاكل والضعف العام في عملية جمع البيانات والذي يعتبر شائع بشكل كبير في الأبحاث العلمية التي لم يفلح الباحثون في تكرار نتائجها.
ومن العوامل التي تساهم في تفاقم هذه المشكلة هي قياس قيمة الباحثين بعدد الأبحاث التي ينشرونها بدون النظر إلى قابليتها للتكرار أو تأثيرها على المدى البعيد وقيمتها الإستراتيجية والعديد من المؤشرات الاخرى الأكثر مصداقية. ولذلك فإن المجلات العلمية وألية قياس الإنتاج العلمي للباحثين والمنظمات العلمية تتحمل جزء من المسؤولية في هذه الأزمة.
وبما أنه من غير المعروف حاليا ولو نسبيا حجم مشكلة الغش أو الاحتيال العلمي فإنه من المهم تكثيف الأبحاث التي تركز على تكرار نتائج الدراسات السابقة المهمة على الأقل ودعم هذا النوع من الدراسات عبر المنح العلمية وتخصيص نطاق خاص بها. حيث أنه الوضع الحالي في الغالب يعتبر الدراسات من هذا النوع مكررة وليس لها فائدة ويغفل قيمتها في تأكيد الحقيقة. بل إن تكرار النتائج من أهم الأعمدة العلمية في بناء الأدلة العلمية والتثبت منها ولذلك فإن تكرار النتائج ليس رفاهية بل حاجة وواجب علمي لا يقل أهمية عن الاكتشاف الأولي للظاهرة حيث أنه يقلل من الشك في وجود الأخطاء العلمية بشكل عام ويزيد مصداقية النتائج.
ولحل هذه المشكلة ظهرت مؤخرا الكثير من المبادرات العلمية في كافة مجالات البحث العلمي ومن أهمها مؤخرا هو أن الكثير من المجلات العلمية المرموقة أصبحت تجبر الباحثين على نشر البيانات الكاملة التي تم تحليلها مع الورقة العلمية بشكل مفتوح لكافة الباحثين ومن هنا يمكن على الأقل للباحثين التأكد من صحة العمليات الإحصائية والجودة الظاهرية للبيانات التي تم استخدامها في البحث. بل أن العديد من دور النشر العلمية المرموقة تبنت هذا النمط في جميع مجلاتها. وكما ظهرت العديد من سجلات البيانات العالمية التي تتيح للباحثين نشر البيانات الخام لأبحاثهم بطريقة منظمة وتتيح لهم متابعة استخدامها. وفي المملكة العربية السعودية قام المركز الوطني للبحوث الصحية في المجلس الصحي السعودي بطرح بوابة وطنية لمشاركة البيانات البحثية بين الباحثين. علما بأن هذا الحل قد لا يكون الحل الكامل للمشكلة ولكن بالتأكيد سيساهم في تقليلها مستقبلا.