ما بعد نشر البحث العلمي

يعرّف البحث العلمي على أنّه دراسة منظّمة يقوم بها الباحث لأجل التحقق من ظاهرة معينة أو البحث عن إجابة أو تفسير لفرضية معينة. ينطلق البحث العلمي غالبا من نظرية موجودة حيث يقوم الباحث بطرح نظرية بديلة أو تطويرها أو دراسة الثّغرات الموجودة فيها.

ما بعد نشر البحث العلمي


هل تساءلت يوماً عما يحدث بعد نشر البحث العلمي؟  هل البحث العلمي هو نهاية المطاف وهل الخطوة التالية هي التفكير في بحثٍ جديدٍ للقيام به؟ قبل الإجابة على هذا السؤال سنبدأ بتعريف البحث العلمي ونبيّن أهميّته للباحث والمراحل التي يمرّ بها.

 يعرّف البحث العلمي على أنّه دراسة منظّمة يقوم بها الباحث لأجل التحقق من ظاهرة معينة أو البحث عن إجابة أو تفسير لفرضية معينة. ينطلق البحث العلمي غالبا من نظرية موجودة حيث يقوم الباحث بطرح نظرية بديلة أو تطويرها أو دراسة الثّغرات الموجودة فيها.

تكمن أهمية البحث العلمي للباحث، من الناحية العلمية، في عدة نواحي، منها اكتساب الخبرات، التعمّق في فهم موضوع البحث، تطوير التفكير العلمي وتوسيع المدارك. أمّا من الناحية العملية فالبحث العلمي قد يمهّد الطريق للباحث لنيل درجة علمية، اكتساب حوافز مادّية، أو استحقاق ترقية مهنيّة، بالإضافة إلى أنّه يوثّق التعاون العلمي بين الباحثين

يمر البحث العلمي بعدّة مراحل. الأولى هي اختيار موضوع البحث، ومن ثم تحديد المشكلة التي يود الباحث حلها. تالياً، الرجوع للمصادر العلمية لجمع معلومات كافية عن الموضوع، ثم وضع حلول وفرضيات للمشكلة المطروحة. ومن هنا يقوم الباحث باختبار الفرضية باختيار منهجيةٍ مناسبة. وأخيراً يقوم الباحث بتحليل النتائج ومقارنتها بتوقعاته لتحديد ما إذا كانت مشابهة أو مخالفة لها. وبعد الانتهاء من كتابة البحث، يكون البحث جاهزاً للنشر في المجلات العلمية ليستقطب اهتمام الباحثين الأكاديميين في مجال دراسة البحث. 

إنّ نشر البحث والاستفادة الأكاديمية منه ليست نهاية المطاف، فالبحث العلمي قد تكون له فائدة عملية في مجالات مختلفة ومنها طرق الرعاية والعلاج القائمة على الأدلة العلمية (Evidence Based Practice).

وهي طرق تعتمد بالدرجة الأولى على الخبرات السريرية ما يستشف من تراكم التجارب العملية. وتكمن قوة الطرق العلاجية القائمة على الأدلة العلمية الميدانية بأنها أثبتت عملياً وعن طريق الدراسة المنهجية كونها أفضل الطرق العلاجية السريرية.

يضاف إلى ذلك أنّه تمّ التحقّق من نجاحها إحصائياً عن طريق الأبحاث العشوائية محكومة الأفراد (Randomized Control Trials).

إنّ الطرق العلاجية القائمة على الأدلة العلمية تستفيد من البحوث العلمية المنشورة، ولكنّها، مقارنة بالبحث العلمي، تقوم باتخاذ خطوات إضافية منها استخدام المعلومات المتوفرة في تحسين جودة الخدمات الصحيّة حيث تأتي هذه المعلومات من مراجع مختلفة كبيانات تحسين الجودة ومؤشراتها، بيانات إدارة المخاطر، ومن المراجعين المستفيدين من الخدمات الطبّية.  ومن الخطوات الإضافية أيضاً التحقّق من فعّالية الأساليب المحسّنة في تحقيق أهدافها حيث يتم قياس فعالية التغيير في الممارسة السريرية باستخدام مؤشرات قياس الأداء وتأثيرها على تقديم الخدمات الصحية وجودتها.

نستنتج من استفادة الطرق العلاجية القائمة من البحوث الأكاديمية والتكامل بين المنهجين، أهمية التعاون بين الباحث الأكاديمي والباحث في مجال العلاج والرعاية الصحية. وينتج عن هذا التعاون حل لقلة البيانات الاكلينيكية للباحث الأكاديمي، قلة الموارد البشرية المتوفرة في القطاع الصحي، وحل لضيق وقت الكادر الطبي لإجراء دراسات بحثية نظراً لالتزامات تقديم الرعاية الصحية للمرضى المتوجّبة عليهم. 

 ومن الجدير بالذكر هنا أنّ البحوث العلمية والطرق العلاجية القائمة على الأدلة السريرية هما من روافد أحد أهم برامج رؤية ٢٠٣٠ وهو برنامج تحول القطاع الصحي الذي يهدف إلى تطوير وتحسين جودة خدمات الرعاية الصحية في المملكة وإلى توسيع تقديم خدمات الصحة الإلكترونية والحلول الرقمية، بالإضافة الى تحسين جودة الخدمات الصحية المقدمة للفرد والمجتمع. ولتحقيق أهداف هذا البرنامج أنشئ المعهد الوطني لأبحاث الصحة في ٢٠٢٠م، والّذي يركّز على الدراسات العلمية المتعلقة بالصحة لتحقيق هدف الرؤية المتمثّل بمجتمع يحظى بالصحة وبمستوى متقدّم من الرعاية الصّحيّة والعلاجية.

بقلم: أمل حسن آل يوسف

ماجستير جودة الرعاية الصحية وسلامة المرضى

كلية الصحة العامة- جامعة الإمام عبد الرحمن بن فيصل