سلسلة ثروة طبيعية خفية : الرياض تحت المجهر
في السنوات الأخيرة، نجح العلماء السعوديون في اكتشاف العديد من أنواع البكتيريا التي كانت تتشكل على هيئة عدو مجهول يتنكّر بصديق قديم أوانها جديدة كليًا والتي تم العثور عليها من خلال رحلاتهم البحثية في مختلف أنحاء البلاد إما بقصد أو بمحض الصدفة. تأخذنا هذه الرحلة عبر بعض هذه الاكتشافات المذهلة ونستكشف خصائصها وتأثيرها المحتمل على صحتنا والبيئة.
تُعد المملكة العربية السعودية موطنًا لمجموعة متنوعة من المناظر الطبيعية الخلابة، من جبال الحجاز الشامخة إلى صحراء الربع الخالي المترامية الأطراف لكن ما قد لا يعرفه الكثيرون أن المملكة تُخبئ أيضًا كنوزًا علمية هائلة، تتمثل في تنوعها الميكروبي الفريد.
في السنوات الأخيرة، نجح العلماء السعوديون في اكتشاف العديد من أنواع البكتيريا التي كانت تتشكل على هيئة عدو مجهول يتنكّر بصديق قديم أوانها جديدة كليًا والتي تم العثور عليها من خلال رحلاتهم البحثية في مختلف أنحاء البلاد إما بقصد أو بمحض الصدفة. تأخذنا هذه الرحلة عبر بعض هذه الاكتشافات المذهلة ونستكشف خصائصها وتأثيرها المحتمل على صحتنا والبيئة.
في قلب المملكة العربية السعودية "نجد" وتحديدًا في أحدى مستشفيات العاصمة الرياض، وصل شاب يبلغ من العمر 19 عامًا يعاني من آلام وتورم شديدين في الجانب الأيسر من وجهه، بالإضافة إلى بروز في عينه اليسرى. أجرى الأطباء فحوصات متعددة، بما في ذلك الأشعة المقطعية للجيوب الأنفية، والتي كشفت عن وجود ورم في الجيب الفكي الأيسر. امتد الورم إلى حاجز الأنف، وتوغل في محجر العين اليسرى، وأصاب العضلات الوسطى والسفلية للعين بالإضافة إلى العصب البصري. لم يُظهر تصوير الصدر بالاشعة السينية أي تشوهات.
أجرى الأطباء غسيلًا للجيبين الفكيين للتشخيص، وأُجريت بعد ذلك مزرعة للبكتيريا الفطرية وبعد ثلاثة أسابيع من الحضن عند درجة حرارة 36 درجة مئوية، ظهرت مستعمرة بكتيرية ذات شكل غير معتاد.
ظن الأطباء في البداية أن الشاب مصاب بالسل العظمي، وبدأوا على الفور علاجه بمضادات السل لمدة تسعة أشهر. لحسن الحظ، استجاب الشاب للعلاج وأظهر تحسنًا ملحوظًا سريريًا وشعاعيًا ولم يعاني من أي انتكاسة أو أي تأثيرات جانبية خطيرة منذ ذلك الحين.
لكن القصة لا تنتهي هنا! أُرسلت عينة البكتيريا المعزولة إلى مختبر مرجع البكتيريا الفطرية الوطني الهولندي (RIVM) في بيليفين بهولندا، وذلك ضمن إجراءات مراقبة الجودة وهنا بدأت المفاجأة الحقيقية!
حاول الباحثون في البداية تحديد البكتيريا باستخدام ثلاثة اختبارات لكن المفاجأة كانت أن جميع هذه الاختبارات أشارت إلى أن البكتيريا تنتمي إلى عائلة المتفطرات السلية (Mycobacterium tuberculosis complex)!
لم يقتنع العلماء بهذا التشخيص فقد بدت البكتيريا المعزولة مختلفة تمامًا عن أي نوع معروف من المتفطرات السلية. لذلك، قاموا بإجراء تحاليل جينية متقدمة وكما توقعوا، أظهرت النتائج أن هذه البكتيريا فريدة من نوعها على المستوى الجيني.
علاوة على ذلك، أظهرت الاختبارات البيوكيميائية المميزة لهذه البكتيريا أنها تختلف تمامًا عن المتفطرات السلية. بناءً على هذه الأدلة العلمية القوية، اقترح العلماء تسمية هذه البكتيريا المكتشفة حديثًا بـ "ميكروب الرياض"(Mycobacterium riyadhense).
وتعتبر هذه الحالة قصة مثيرة تكشف لنا مدى تعقيد عالم البكتيريا. ففي حين بدا "ميكروب الرياض" للوهلة الأولى قريباً من المتفطرات السلية المخيفة، إلا أن التحاليل المتقدمة أثبتت عكس ذلك تماماً.
سنواصل رحلتنا معكم في مقالتنا القادمة حول اكتشافات مملكتنا الحبيبة وتحديداً من غربها، من أطهر بقاع الأرض، وأثناء أكثر المواسم اكتظاظاً بالحجاج والزوار لأداء العبادات والتقرب إلى الله.